الوفاء… مرّة ثانية
ل.ن.
منذ ايام اتصلت هاتفياً بأحد الرفقاء الذين مضى على انتمائهم 60 سنة، وكان عمل في السنوات العشرين الماضية وربما اكثر، في مؤسسات حزبية رديفة، ولما بات متقدماً بالعمر، مريضاً، اعتكف في منزله.
راعني ان اعلم ان لا احد يتصل به. اتفهّم ان مركز الحزب غير قادر عملياً على القيام بواجب تفقد هذا العدد الكبير من الامناء والرفقاء الذين تقدم بهم العمر، ويعانون من امراض، انما ارى من مهمات الوحدات الحزبية ان تزور كل وحدة، ضمن نطاقها، عائلات الرفقاء الشهداء والرفقاء الذين باتوا في وضع صعب، وعدد هؤلاء ليس كبيراً بالنسبة لكل وحدة حزبية، كما ان الزيارات المطلوبة ليست يومية او اسبوعية، انما يكفي ان تكون الاتصالات شخصية وهاتفية مرة في الشهر.
اذ ان هذا واجب ضمن القسم الحزبي اولاً، وهو مفيد، ليس فقط للرفيق المعني، انما لاسرته، زوجة واولاداً.
هذا الرفيق عرفته في العمل الحزبي، مثقفاً، رصيناً. يفقه الحزب جيداً ويتعاطى بأخلاق النهضة مع الجميع. من المؤلم اني سمعت من عقيلته ما هو محزن وكنت سمعت مثل ذلك من عقيلات امناء ورفقاء اعطوا الحزب سنوات طوال من النضال. واعرف كيف تمّ التعاطي معهم بعد ان كان، قسا عليهم الدهر وباتوا في عمر متقدم.
أذكر اني في مناسبات سابقة، اتصلت بمن كنت افترض انهم سيهتمون، واقترحت عليهم، ان يبادروا مع رفقاء مرتاحين مالياً، من اجل مد العون إلى امناء ورفقاء شهداء ـ احياء. فإذا كان للرفقاء الشهداء مؤسسة تعنى بأسرهم، فحريّ بالرفيق الشهيد ـ الحي، الذي ناضل طويلاً، وقدم الكثير من التضحيات، وتفانى في سبيل حزبه، ان يجد التفاتة حلوة عندما يقسو عليه الدهر. لم تلق صراخاتي ما كنت افترضه من تجاوب، هو في صميم القسم، مما دفعني إلى ان اطرح مع عدد من الامناء والرفقاء، الذين رأيت فيهم اخلاق النهضة، ان يمارسوا واجباتهم نحو الشهداء ـ الاحياء في غياب القدرة المركزية المالية على تنفيذ ذلك. قد اعرُض ذات يوم التفاصيل وبالاسماء.
المؤسف ان الحزب، في واقعه المالي، وهو يتنكب الكثير، خاصة بعد احداث الشام، غير قادر على مد العون سوى إلى اسر شهداء الحزب وقد بات عددهم كبيراً جداً.
المؤسف اكثر ان الامناء والرفقاء المشار إليهم آنفاً لا يحظون، بالاضافة إلى غياب العون المادي، إلى التفاتة معنوية، عبر زيارات او اتصالات تشعرهم ان الحزب لا ينسى من ناضل وتفانى واسستشهد كل يوم في سبيل حزبه.
مطلوب، قومياً اجتماعياً، ان تقوم كل وحدة حزبية بتنظيم زيارات تفقدية لكل من اسر الشهداء، والرفقاء العجز، المقيمين ضمن نطاقها الجغرافي تتحدث إليهم، تطلعهم على اخبار الحزب، تدوّن معلوماتهم التي تفيد تاريخه، تستوضحهم عن صحتهم ووضعهم وتُـشعرهم ان الحزب معني ان يكون إلى جانبهم.
بتاريخ سابق 04/11/2013 نشرت كلمة بعنوان «الوفاء»، اعيد تعميمها.. عسى تصل إلى كل الاذان وكل الضمائر وكل من بات يعي كلمات القسم ويجسّد معانيها.
«من صفات وواجبات القومي الاجتماعي، إلى وعيه العقائدي وصدق التزامه، ان يكون وفياً لما أقسم عليه.
فالقومي الاجتماعي، ان لم يكن وفياً لأمته، تاريخاً وحاضراً ومستقبلاً، فلماذا ينضوي في حزب مهمته الأولى تحقيق النهضة للأمة، وتأمين انتصارها في معركة الحياة ضد العاملين على افنائها».
الوفاء قيمة اخلاقية يجب أن يتحلّى بها القومي الاجتماعي تجاه امته اولاً، تجاه حزبه وتاريخه، وتجاه أسر شهدائه ومناضليه اذا احتاجوا، وان كان قادراً عليه.
ليس امراً قومياً اجتماعياً أن لا تقوم وحدة حزبية بتفقد عائلة رفيق شهيد، تقطن في نطاق مسؤوليتها، أو ان لا تزور أميناً / رفيقاً مناضلاً تقدم به العمر وبات في مرحلة العجز، تطمئن عنه، تنعشه بحديث عن الحزب، تخفف من لوعته ومن عذابه اذا كان داء خبيثاً يقتات من عافيته،
كيف تكون قومياً اجتماعياً، ورفيق او صديق لك قد رماه الداء في الفراش، فلا تزوره، ولا تسأل عائلته عنه، ولا تشعر أن في قسمك، بل من أدنى واجبات التعاطي الانساني الاخلاقي، أن تلتفت اليه، وتزوره كلما تمكنت، فيشعر رفيقك أن الحزب وفيّ، ورفقاؤه اوفياء، وتفرح الزوجة والعائلة اذ ترى رفقاء الزوج والأب يسألون عنه وقد شاخ وهرم، او قسا عليه القدر، كما كانوا يهرعون إليه عندما كان يفتح لهم بيته ويفرش لهم الموائد.
وفاؤك نحو رفيقك، شهيداً او عاجزاً، هو بعض من وفائك نحو حزبك وقد رهنتُ له وجودك، ونحو امتك وقد آمنت ان كل شيء لديك هو لها.
اما ان تكون صديقاً له حين تستفيد منه، ورفيقاً عندما كان يتولى المسؤوليات وله حضوره، فهذا ليس في القسم، ولا في الانتماء، ولا في مناقب الحزب.
اعرف بعضاً من رفقائنا، يجسّدون فضيلة الوفاء بأرقى مظاهرها، ويحيون ايمانهم وقسمهم والتزامهم. يهتمون بتقديم ما يقدرون عليه إلى عوائل الشهداء، والى رفقائهم العجّـز، المرضى، المحتاجين، مثلما وجّه سعاده، ودعا رفقاءه، إلى تجسيده في حياتهم الحزبية.
حبذا لو اننا، جميعنا، نقتدي.