فلسطين: قضية لا يمكن تهميشها
حميدي العبدالله
بذلت ما كان يعرف قبل انطلاق «الربيع العربي» عام 2011، بمنظومة الاعتدال العربي، كلّ جهد مستطاع لتصفية القضية الفلسطينية عن طريق حلّ سياسي متعاقد عليه بين منظمة التحرير والكيان الصهيوني. وعلى الرغم من أنّ قيادة منظمة التحرير بزعامة ياسر عرفات، كانت القيادة الفلسطينية الأكثر نفوذاً حتى عام 2000، ورمت بكلّ ثقلها للوصول إلى مثل هذه التسوية، وقدّمت تنازلات سياسية لم تلاق إجماعاً فلسطينياً، مثل الاعتراف بـ«شرعية إسرائيل»، ورغم إجماع الحكومات العربية، باستثناء سورية، وإجماع دول العالم بما في ذلك روسيا يلتسين، على دعم هذا الحلّ.
سرعان ما تعثرت التسوية، ولا سيما بعد اغتيال إسحق رابين رئيس وزراء العدو، وبعد ذلك هيمن اليمين الإسرائيلي المتشدّد على حكومات العدو الصهيوني، ونفذ أرييل شارون انسحاباً من طرف واحد من غزة للتخلّص من عبء المقاومة الفلسطينية، ولقطع الطريق على حلّ الدولتين.
عند بدء أحداث «الربيع العربي» بُذلت جهود مستميتة من الأطراف ذاتها التي سعت في السابق لإيجاد تسوية للصراع العربي الإسرائيلي على قاعدة الدولتين، أيّ الحكومات العربية، والدول الغربية، وحكومة العدو، وسعت إلى تهميش القضية الفلسطينية، بل أكثر من ذلك خلق أعداء وهميّين للعرب مثل إيران، وقد ساعد على ذلك اقتراب بعض فصائل المقاومة من الأنظمة العربية التي سعت إلى تحويل أحداث المنطقة إلى فرصة لتهميش القضية الفلسطينية، طالما أنّ حلّ الدولتين بات مستحيلاً في ظلّ رفضه من قبل حكومات العدو الإسرائيلي وفي ظلّ تراجع أعمال المقاومة، والالتهاء بالنزف الحاصل على امتداد البلاد العربية الذي تسبّب به «الربيع العربي».
لكن جهود الحكومات العربية والحكومات الغربية على هذا الصعيد تبدّدت تماماً مثل ما فشلت محاولات «حكومات الاعتدال العربي».
القضية الفلسطينية لا يمكن تهميشها لأنه في كلّ مرة بذلت محاولات على هذا الصعيد قادت إلى اندلاع انتفاضات جديدة.
عام 1987 عندما عقدت القمة العربية في الأردن وتجاهلت القضية الفلسطينية، انطلقت الانتفاضة الأولى، وعام 2000 عندما فشلت مسيرة التسوية بدعم من حكومات الاعتدال العربي انطلقت الانتفاضة الثانية، والآن بعد انطلاق «الربيع العربي» وتحويله إلى فرصة لتهميش القضية الفلسطينية، تجدّدت الانتفاضة بأشكال جديدة، منها الدهس ومنها حرب السكاكين، وآخرها الهجوم المسلح في القدس من قبل فدائيّي أمّ الفحم.
كلّ ذلك يؤكد أنّ فلسطين قضية لا يمكن أن تهمّش.