عن أكثرية السوريين
عمران الزعبي
ربما نالت الحرب العدوانية على سورية من شعبها وبنيتها التحتية وحلّ خراب كثير في الأنفس والأشياء.
هذا صحيح، لكن ما لم تستطع الحرب فعله هو النيل من الجملة العصبية والمعرفية السورية، وهذا سرّ من أسرار الصمود، وليس في هذه الحرب فقط بل عبر آلاف السنين.
فالمواطنة مثلاً ليست مجرد تعريف دستوري وقانوني في الثقافة السورية، أيّ أنها ليست محدّدة في ما ورد ذكره في نص مادة دستورية بعينها إنما هي في روح الدستور السوري كله مكملاً بعضه البعض.
المواطنة ليست مجرد حقوق وواجبات، إنما هي إضافة إلى ذلك إمكانية ذاتية فردية وجمعية لدى السوريين، فالمقاومة صورة من صور المواطنة وكذا الصمود والثبات، بل إنّ لدى السوريين اعتقاداً جازماً بأنّ محلّ الحقوق والواجبات لا يكون صحيحاً في ظلّ الخنوع أو الاستسلام أو القبول بالإملاءات، وهذا ما أمكن الشعب السوري عبر سنوات الحرب من البقاء واقفاً بمواجهة عشائر الأحكام المسبقة الذين شرعوا غدرهم وحقدهم، لأنهم لم يتمكنوا عبر عشرات السنين من بناء دول مستقلة لها جملتها العصبية والمعرفية الخاصة بها وواظبوا وامتهنوا الهوان لـ«الإسرائيلي» والأميركي.
وليس سراً أن نقول إننا لا نقصد الشعب العربي في هذه الدول رغم الاستكانة التي ألمّت به أو التضليل الذي شرح جسده واخترقه بالمال السياسي أو بالفتاوى المزيفة.
وخلال السنوات الماضية بدا الشعب السوري أكثرية عاقلة وواعية سياسياً وأصحاب منظومة أخلاقية لا يمكن تفكيكها رغم كلّ مظاهر العنف عند القلة.
ولذلك يجني السوريون اليوم ثمار صمودهم أولاً بأول، وتتقدّم اللغة الهادئة والخطاب العقلاني الجامع على كلّ لغة أو خطاب آخر.
وهذا المحصول السوري هو حق لكلّ السوريين حتى الذين تعثرت بهم السياسة أو تعثروا بها، حتى الذين ارتكبوا الأخطاء السياسية عن جهل أو عن قصد أو عن وهن وخوف.
إنّ الذاكرة السياسية حافلة بالأحداث والأسماء والأدوار، وكلّ شيء يمكن المسامحة به إلا الوطن، فليس هناك سوري واحد يسامح في خيانة البلد والغدر بأهله وجيشه.
يسامح السوري في حقه الشخصي. هذا جزء من أخلاقه ووجدانه وتربيته، ولكنه لا يسامح في حقوق الوطن، وحتى أنه لا يعذر أحداً.
لقد تعلمنا صغاراً أنّ حبّ الوطن من الإيمان.
نائب رئيس الجبهة الوطنية التقدمية في سورية