الغارات الأميركية: الأكراد نموذجاً
عامر نعيم الياس
إذا أردنا أن نسبر حقيقة الأهداف الأميركية من الغارات الجوية على العراق وسورية والهدف منها، فما علينا سوى تقييم ما جرى من زاوية الأكراد في البلدين. فالتدخل الأميركي في المنطقة، وعلى وجه السرعة، جاء مبنيّاً بالشكل الظاهر على التقدّم السريع لتنظيم ما يُسمّى «الدولة الإسلامية في العراق والشام» نحو ما يُسمّى إقليم كردستان العراق وعاصمته أربيل، والتي تعدّ مركزاً استخباراتياً دولياً لواشنطن، ولتل أبيب الريادة فيه، وبالتالي رسم الأميركي حدود «الدولة الإسلامية» ومجال تحرّكها في العراق والذي يجب أن يبتعد عن «الدولة الكردية» وعن الحدود الأردنية والسعودية، وبالفعل تمّ ذلك. فقد نجحت الغارات الأميركية في العراق في وقف تمدّد إرهابيّي «داعش» نحو أربيل، لا بل ساهم القصف في السماح للقوات الكردية التي تسمّى البيشمركة باستعادة زمام المبادرة في بعض جبهات المواجهة مع «داعش». فهل هذا ما حصل في سورية مع الأكراد؟
أواخر الأسبوع المنصرم أشار البنتاغون إلى أنّ «الطائرات الأميركية شنّت 66 غارة في سورية، وأنّ حلفاءها العرب شنّوا 23 غارةً إضافية أصابت معملاً للغاز في دير الزور ومعسكراً تدريبياً لداعش، ومخزناً للحبوب في منبج في ريف حلب». وبالتزامن مع هذا الإعلان استمرّ تقدم تنظيم «داعش» في محيط عين العرب. واستطاع بحسب التسريبات الإعلامية الأخيرة الوصول إلى أحد مداخل المدينة التي تشهد مواجهات عنيفة بين ما يُسمّى «وحدات حماية الشعب الكردي» وإرهابيّي «داعش»، كما لوحظ مواصلة مقاتلي التنظيم تقدّمهم في سورية في بعض مناطق ريف دير الزور، وحفاظهم على مواقعهم في حلب. فهل أثّرت الغارات على التنظيم في سورية كما أثرت في العراق؟ هل يمكن مقارنة وضع الأكراد في سورية بوضع نظرائهم في العراق؟
في سورية يختلف الوضع، فالولايات المتحدة تعمل بالتنسيق مع حلفائها على الدفع باتجاه لا مركزية التدخل وتوزيع المهمات بما يتناسب مع استنزاف «داعش» وتدمير بناه التحتية. فبالنسبة إلى الاستنزاف وتبادل الأدوار نجد اليوم نزوعاً لإنشاء منطقتين عازلتين في شمال سورية وجنوب «تركيا وإسرائيل» بحجة تمدّد «داعش» وحماية الحدود واللاجئين، أمر يساهم في حماية البيئة الحاضنة للإرهاب من داخل سورية والالتفاف على قرارات مجلس الأمن الدولي الخاصة بمنع تهريب المقاتلين من دول جوار سورية إليها هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى وفي ما يخصّ تدمير البنى التحتية، ألا يجب أن نطرح سؤالاً حول الغاية من ضرب أكبر حقل للغاز الطبيعي في سورية؟ أليس بالإمكان حرمان «داعش» من عائدات النفط والغاز عبر الامتناع عن الشراء منه ومراقبة الشحنات الخارجة من الحقول التي يسيطر عليها هذا التنظيم الإرهابي؟ هل تعتبر صوامع الحبوب خطراً على الأمن القومي الأميركي حتى تُقصف في سورية؟
في العراق مطلوب أميركياً رسم حدود لـ«داعش». أما في سورية فالمطلوب خلط الأوراق وتسعير الفوضى باستخدام هذا التنظيم المتطرف.
هنا تعنون صحيفة «لوموند» الفرنسية: «الدولة الإسلامية تقاوم ضربات التحالف»، وجاء في التقرير: «أعادت جماعة داعش انتشارها ونقلت أسلحتها ومعدّاتها من مطار الطبقة ومدينة الرقة، ولم تظهر أيّ علامات ضعف عليها بعد أكثر من أسبوع على بداية القصف الأميركي على سورية».
كاتب سوري