القرار الأميركي «العريض»
روزانا رمّال
كان من المفترض أو «المأمول» به سعودياً، حسب مصادر متابعة لـ»البناء»، أن تكون زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الى المملكة العربية السعودية والتي عاد منها الى بلاده محملاً بـ«غنائم» مشاريع الولايات المتحدة الشرق أوسطية أن تكون أولى أولويات واشنطن مراعاة المصالح السعودية، خصوصاً تلك المتعلقة بالهاجس الذي تشكله إيران بالنسبة للخليجيين، إلا أن العكس هو الأصح اليوم، بعد أن بدت الولايات المتحدة الأميركية متمسكة بخيار المحافظة على الاتفاق النووي الموقع مع إيران. ويختم المصدر «لا شيء يوحي حتى اللحظة أن مفاعيل الصفقة التاريخية الباهظة التي قاربت الأربعمئة مليار دولار أميركي المقدّمة من السعوديين أنها قد أثرت في تغيير سياسة الأميركيين تجاه الرياض ومصالحها. وها هي أزمة قطر العالقة مؤشر، حيث لم تحظَ بموقف أميركي حادّ بخصوصها دليل قاطع على هذا».
الاتفاق الذي كانت تنتظر الرياض من واشنطن تمزيقه تنفيذاً لوعود ترامب الانتخابية تمّ تكريسه اليوم بتوقيع صادر عن الرئيس نفسه، يعلن فيه نيات بلاده المحافظة عليه. وهو إنجاز الرئيس السابق الديمقراطي باراك أوباما. وهو ما يستحضر الالتفات إلى نوعية الحركة السياسية الأميركية وطريقة معالجتها للملفات وإدارتها الشرق أوسطية. ها هي اليوم تتكشّف إحدى إشارات الحياكة الأميركية للمشهد وتوزيع الأدوار بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري ويتبين أنهما يخضعان لمظلة واحدة فقط وهي «المصلحة الأميركية العليا»، مع الأخذ بعين الاعتبار إدارة عالية المستوى لكادر حريص على هالة الولايات المتحدة في مثل اتفاقات كهذه تدرس فيها أيضاً مصالح كل الذين شاركوا فيه.
بالتفاصيل، إن قرّر الرئيس الأميركي الإبقاء على الاتفاق النووي مع إيران، متراجعاً بذلك عن أحد أبرز وعوده الانتخابية بإلغاء هذا الاتفاق والذي كان يُعايرُ فيه المرشحة الخصمة هيلاري كلينتون التي أرادت الإبقاء عليه مع إجراء بعض التعديلات أو ما شابه واصفاً إياها بـ«الحمقاء» في وقت كان موقفها منسجماً مع خيار الحزب الديمقراطي الذي ينتمي اليه اوباما، لكن ورغم أنه هدّد بالمقابل بفرض عقوبات على إيران لا تتّصل ببرنامجها النووي، بل ببرنامجين عسكريين آخرين، كما أعلن مسؤول أميركي، وهو ما وصفه البعض بإجراء ضروري لحرف النظر عن إجراء ترامب غير المنسجم مع وعوده، ورغم أن ترامب ووزير الخارجية، ريكس تيلرسون، يعتقدان أن إيران «لا تزال أحد أخطر التهديدات للمصالح الأميركية وللاستقرار في المنطقة»، إلا أن الخيار الكبير والعنوان العريض للمرحلة المقبلة في الشرق الأوسط قد رسم كما يجب أن يكون بالعين الأميركية الأوروبية بالتعاطي مع إيران وحجم حضورها في المنطقة.
تبدو المصالح الأوروبية مع إيران في الاتفاق النووي الإيراني أكبر من أن تتجاهلها الولايات المتحدة الأميركية. وهو الأمر الذي يجمع عليه دبلوماسيون غربيون بقولهم «هناك استحالة بفسخ الاتفاق من طرف واحد أي واشنطن من دون مراعاة باقي المصالح، لهذا فإن التخلي عنه هو أمر صعب». وبالفعل هذا ما يحصل اليوم، وهو ما يعني أن خطة ترامب تسير وفق المحافظة على مصالح الحليف الأوروبي من دون مراعاة مصالح الحليف السعودي او العربي. وهذه نقطة لافتة وخاسرة في السجل السعودي الذي ينتظر تجميع نقاط بوجه خصومه في المنطقة.
تتعامل الولايات المتحدة اليوم، بما يشبه مواجهة الحلفاء بالحقائق الأليمة التي لم يعُد ممكناً التراجع في الإعلان عنها. واحدة من هذه الحقائق هي إقرار أميركي بالحاجة لإيران في المنطقة بملفات عديدة لا يمكن معالجتها من دونها سياسياً وعسكرياً. وهو الامر الذي ينسفه تماماً أي تراجع عن الاتفاق. وهذه الملفات العالقة التي تمتلك إيران مفاتيحها هي «الملف السوري، العراقي، اليمني، الأفغاني، البحراني إضافة لتقدم نفوذ واضح لحلفائها في لبنان».
روسيا التي لعبت دور الوسيط في ما يتعلق بإعلان هدنة الجنوب السوري لم تكن لتنجح فيها من دون التعاون الإيراني السوري. وهذا ما يعزز القناعة الاميركية بتماسك الحلف الروسي الإيراني السوري بدلاً من اللعب على خط الخلافات هناك.
مصدر دبلوماسي روسي رفيع المستوى أكد لـ»البناء» أن هناك «استحالة ان تتخطى روسيا مصالح حلفائها الإيرانيين في أي اتفاق مع الأميركيين في سورية». وهو الامر الذي يجعل من تحسين العلاقة الغربية مع إيران ضرورة كبيرة.
العلاقات الأميركية الفرنسية السائرة نحو تبادل الملفات وما فيها من عملية إحياء ماء وجه واشنطن التي فشلت في سورية تعني ايضاً مراعاة المصالح الفرنسية الاقتصادية التي بدأت مع إيران من اجل تحسين شروطها وحضورها أيضاً في اي تسوية سلمية.
درست واشنطن كل ذلك من دون الأخذ بعين الاعتبار مراعاة السعودية التي ربما راهنت على نسف الاتفاق مع إيران أو دفعت أثماناً باهظة من أجله، خصوصاً أنها لا تزال غارقة في حرب ضروس في اليمن من دون أفق مفتوح لإعلان انتصار واضح لها.
القرار الأميركي الأكبر باتجاه الشرق الاوسط والقطوع الأخطر «مرّ» بسلام بعد توقيع ترامب على الإبقاء على الاتفاق مع إيران، بعدما اجتازت الأخيرة منذ عام 2015 فترة مراقبة الكونغرس كل 90 يوماً ومساءلته للرئيس حول تنفيذ إيران لمضمون الاتفاق.
تكريس إيران قوة إقليمية وازنة، رغم كل الاهتزازات بات واقعاً، لكنه أيضاً قد يضغط باتجاه أخذ الرياض بعين الاعتبار ضرورة التعاون مع إيران من أجل حلّ الملفات العالقة في المنطقة بدلاً من القطيعة الى ما لا نهاية.