الخبث والدهاء البريطاني والرسائل الملغومة…!

محمد ح. الحاج

الاستعراض السريع لما أصاب منطقتنا من تمزيق وصراعات وحروب، يوضح للجميع أنّ الخبث والدهاء والتخطيط البريطاني بعيد المدى كان السبب الرئيس، وبتلخيص سريع يمكن توضيح التالي:

ـ إبراز ودفع بني سعود إلى واجهة الأحداث أواسط القرن الثامن عشر 1732 في كلّ من نجد والحجاز وتمويلهم وتسليحهم كان عملاً بريطانياً استهدف محمد علي باشا في مصر والسلطنة العثمانية في اسطنبول.

ـ إطلاق المذهب الوهابي على قواعد التلمود وتبني محمد بن عبد الوهاب الوهيبي وتدريسه على يد البريطاني الصهيوني هيمفر – الماسوني، أيضاً كان تخطيطاً بريطانياً.

ـ الفكرة الصهيونية واستقرار المنظمة الصهيونية على تبنّي مشروع أنّ «فلسطين هي الوطن القومي لليهود» فكرة بريطانية بعد أن طرحت المنظمة عدة مناطق في العالم ومنها أوغندا ومنطقة في الجنوب الأميركي.

ـ الوعد بفلسطين لليهود وإقامة دولة لهم وعد أطلقه بلفور وتبنّته السياسة الخارجية البريطانية.

ـ خنق العراق واقتطاع الأحواز التي تتحكم بجزء كبير من الساحل الشرقي للخليج ومنحها للدولة الصفوية… إجراء بريطاني.

ـ اقتطاع الكوت إمارة الكويت وتنصيب آل الصباح إمعاناً في تطويق العراق وخنق منفذه البحري على الخليج، أيضاً هو تخطيط وفعل بريطاني.

ـ ممارسة الضغوط على المنتدب الفرنسي على سورية للتنازل عن لواء الاسكندرون لصالح تركيا لضمان ملاحة الحلفاء في المضائق التركية، أيضاً مارسته بريطانيا وهكذا أصبح اللواء تحت السلطة التركية رغم عدم قانونية وشرعية القرار.

ـ إقامة الإمارات على ساحل الخليج وتنصيب عائلات ترتبط بالسياسة البريطانية خطة بريطانية هادفة لضمان موقع قدم بمواجهة كلّ من إيران والسعودية في حال خروج أيّ منهما على السياسة البريطانية في المستقبل.

ـ أعداد كبيرة من الهنود المدرّبين تسلّموا الإدارات الحساسة في البحرين وجرى تجنيسهم لاحقاً، حيث كانت القاعدة البريطانية التي تحوّلت إلى قاعدة أميركية.

ـ فصل جنوب اليمن واحتلال عدن وإقامة قواعد في الجنوب لضمان الإشراف على بوابة البحر الأحمر الجنوبية.

ولست هنا لأتحدّث عمّا فعلته بريطانيا في العالم، فالموضوع يخصّ منطقتنا المشرقية وبلادنا السورية بشكل خاص، ولا بدّ من الذكر أنّ قبرص، هذه الجزيرة التي كانت مقرّ وملاذ الأسطول السوري القديم أصبحت تحت سلطتين متناقضتين… تركية يونانية، وعلى أرضها قاعدة تجسّس بريطانية هي الأهمّ في المنطقة المشرقية وقد كانت أساساً في دعم العدوان على مصر عام 1956.

ما الذي خططت له وفرضته بريطانيا في منطقة المشرق السوري والعربي دون أن يكون له التأثير الأهمّ والأكثر فاعلية في استمرار تجزئة المنطقة والوقيعة بين مكونات الأمة الواحدة على المديين القريب والبعيد.

عندما تتذكّر شعوب المنطقة الجرائم السياسية الدولية التي مورست بحقها على مدى قرون طويلة، تتذكر فوراً الفعل البريطاني الأكثر فجاجة وبروزاً في التاريخ، وهو فعل يخدم المصالح الصهيو بريطانية، ونؤكد أنّ النظرية الصهيونية هي بريطانية المولد والنشأة.

الامبراطورية البريطانية التي بدأت تضمحلّ، أخلت مواقعها للوريث الشرعي الأميركي، الذي قام بتطوير القواعد والأسس، وأساليب حماية العملاء والأدوات والتزام أشدّ بأمن الكيان الصهيوني، وروابط أوثق مع التركي والإيراني قبل قيام الثورة الإسلامية في إيران، وهذا لا يعني خلاص المنطقة من الأذى البريطاني تخطيطاً وفعلاً، ربما تضاعف أكثر بسبب رفده من الأميركي أو ما يسمّى حلف الناتو.

يشعر البريطاني كما الفرنسي وغيرهم بخطأ إغلاق السفارات وقطع العلاقات، ومع أنّ وجودها يسهّل الكثير من المصالح الثقافية الدراسية، وأيضاً التجارية إلا أنها بالغة الضرر فيما لو استمرّت في حالة الحرب الكونية علينا، وخير مثال زيارة السفراء الأميركي والفرنسي لمدينة حماة، لكن، ما يبعث على الشعور بالفرح هو موقف الغالبية من أبناء حماة في رفض ما أسموه «ثورة»، بل الحفاظ على المدينة واقتصار عمليات التخريب على الأطراف وفي الريف الأبعد.

قد لا ينتبه البعض لخبر بسيط مفاده أنّ المندوب البريطاني في الأمم المتحدة أو المشارك في مباحثات جنيف وغيرها توجه إلى القيادة الروسية مطالباً باستبدال رئيس الوفد السوري الدكتور بشار الجعفري، ولاحقا تبنّت الخارجية البريطانية هذا الطلب رغم معرفة بريطانيا الوثيقة أنّ روسيا ليست من يقرّر ذلك، وأنّ القيادة السورية من المستحيل أن توافق ولو طالبت بذلك القيادة الروسية ومعها قيادات عالمية أخرى، ويعلم البريطانيون أنّ سورية لم تدخل ولن تدخل مرحلة الوصاية الدولية أو فقدانها قرارها السيادي برغم كلّ الظروف، ويعلمون أيضاً أنّ مجرد الإعلان عن مثل هذا الطلب يشكل دافعاً ومبرّراً للقيادة السورية للتمسك برئيس الوفد الذي يثبت يوماً بعد الآخر استبساله في الدفاع عن الحق السوري وفضح المؤامرة والمتآمرين وتفويت الفرص عليهم، فلا يحصلون عبر المفاوضات على ما لم يستطيعوا تحصيله بالعدوان.

قرأنا في الرسالة البريطانية أنها موجهة لشرائح في الداخل السوري ولشرائح من المجتمعات العربية المجاورة، للشريحة ضمن سورية رسالة تقول إنّ الروسي أصبح صاحب القرار، وهي رسالة تحريضية من جانب وتأكيدية لما يدّعيه من يسمّون أنفسهم ثواراً أنّ الروسي والإيراني أصبحا «محتلين» وأنهما أصحاب القرار وأنّ السلطة الوطنية في سورية لم يعد لها وجود.

الرسالة لشرائح في المجتمع العربي مضمونها تأكيد وتثبيت لادّعاءات المعارضة وبنفس المضمون أيضاً مع أنّ نسبة نجاح هذا التأكيد لن تتجاوز الصفر الكبير حيث لن يتمّ استبدال الدكتور الجعفري الذي فشلت استخباراتهم في النيل منه لا إغراء ولا تهديداً خصوصاً بعد محاولات متعدّدة لاغتياله.

الرسالة البريطانية عبر إثارة هذا الطلب غير المنطقي وغير المقبول غاية في الخبث والدهاء ولها أهدافها بعيدة المدى، كما أنّ لها سلبياتها، فإنّ فيها إيجابية وحيدة هي كشف هذه الكذبة الكبيرة في مدى زمني قصير، وبالتالي إفساح المجال للشرائح المعنية بالخطاب للمقارنة واكتشاف الحقيقة والخلوص إلى موقف صحيح.

الهدوء البريطاني في السياسة، الموصوف بالبرود وعدم ردّ الفعل ميزة لا تجانب الخبث والدهاء، وإعمال التفكير طويلاً في وضع الخطط وحسبان النتائج، وإذ هي نافعة تماماً في خدمة الحالة البريطانية فهي الأكثر والأشدّ خطورة على واقعنا، ومن الضرورة أخذ كلّ أشكال الحيطة والحذر منها، وإذا كان بعضنا مع عدد قليل من البريطانيين يطالبون الحكومة البريطانية بالاعتذار عن موقف ما، فعن ماذا ستعتذر وكلّ ما فعلته كان أذى بالمطلق لكلّ الشعوب التي استهدفتها أو استعمرتها أو التي ما زالت تمارس ابتزازها ونهبها مباشرة أو مشاركة.

بريطانيا لا ولن تعتذر أبداً، بل تستمرّ في بث رسائلها الملغومة على الدوام…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى