مئة عام من العلاقات الأميركية الصهيونية.. سيف الفيتو يُولّد الانفجار 5

سماهر الخطيب

منذ تأسيس الأمم المتحدة عام 1945، صوتت الولايات المتحدة 81 مرة ضدّ قرارات تدين «إسرائيل»، كما صوّتت ضدّ القرارات التي تستنكر التنكّر لحق العودة، الإبعاد، مصادرة الأراضي الفلسطينية، بناء المستوطنات، انتهاك المقدسات الدينية، التعذيب، ضرب النساء الحوامل والتسبّب في إسقاط الجنين، إغلاق حضانات الأطفال والمدارس، وصلاحية تطبيق معاهدة جنيف الرابعة، وميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، بحيث أعاقت صدور 58 قراراً.

ومن المفارقات أن كلمة «فيتو» غير موجودة أصلاًً في ميثاق الأمم المتحدة، الذي ينص على أنه «لا يمكن أن يصدر قرار من مجلس الأمن إلا بعد أن يكون هناك تسعة أصوات من بين الأعضاء الخمسة عشر في المجلس، بينهم 5 أعضاء دائمين».

والدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن والتي تمتلك حق النقض على أي قرار يعرض على مجلس الأمن هي «الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، والصين، وروسيا»، ويكفي اعتراض دولة واحدة منها لإسقاط أيّ مشروع قرار يقدم للمنظمة الدولية.

ويقدّم الأعضاء الخمسة الدائمون في مجلس الأمن حالياً حوالي نصف الميزانية الإجمالية للأمم المتحدة، كما أنّ أيّ تغييرات لميثاق الأمم المتحدة يجب أن يقرها الأعضاء الدائمون في المجلس.

غير أنّ حق الفيتو الذي يمتلكه الأعضاء الدائمون تعرّض لانتقادات واسعة. فالاستخدام الواسع لهذا الحق من قبل الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة ساهم كثيراً في إضعاف مصداقية مجلس الأمن كمؤسسة دولية في حل النزاعات.

وخلال الحرب الباردة، استخدم الاتحاد السوفياتي حق الفيتو باستمرار وبشكل روتيني، لكن في السنوات الأخيرة استخدمت الولايات المتحدة حق الفيتو باستمرار لحماية الحكومة «الإسرائيلية»، من الانتقادات الدولية أو من محاولات الحد من أعمال «الجيش الإسرائيلي» في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

ويقول منتقدو نظام الفيتو «إنه من بين القرارات التي يقرّها المجلس وتصبح قوانين، فإنّ الكثير منها لا ينفذ»، علاوة على أنّ الأعضاء الدائمين الخمسة، أو بالأحرى الفائزين في الحرب العالمية الثانية، لا يعكسون الحقائق الجيوسياسية الحالية، فالمملكة المتحدة وفرنسا لم تعودا من بين القوى الخمس العسكرية أو الاقتصادية الرئيسية في العالم.

وإذا ما ألغي حق الفيتو، فإنّ رأي الأغلبية في المجلس سوف يسود، وقد نرى المزيد من القرارات التي يصدرها المجلس، لوضع الحلول لمشاكل العالم الأمنية والمزيد من فرض العقوبات على بعض الدول أو فرض الحلول على دول أخرى.

وعذراً مرة أخرى، على سبيل سلامة النظر من التكرار غير المقصود لكلمة «الفيتو»، والتي إن أرهقتنا للحظات في القراءة، فإنها أرهقت شعبنا لسنوات لا تزال عجافاً بفحواها.

وفيما يلي سرد للمرات التي استخدمت فيها الولايات المتحدة الـ»فيتو» لصالح «إسرائيل» منذ 1990 وحتى الآن:

في 31 أيار 1990 استخدمت الولايات المتحدة حق النقض الفيتو ضد مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي قدّمته دول عدم الانحياز بإرسال لجنة دولية إلى الأراضي العربية المحتلة لتقصي الحقائق حول الممارسات القمعية «الإسرائيلية» ضد الشعب الفلسطيني.

وفي 17 آذار 1995 استخدمت الفيتو ضد مشروع قرار يطالب «إسرائيل» بوقف قرار مصادرة أراضٍ في القدس الشرقية.

وفي آذار 1997 استخدمت الولايات المتحدة حق النقض «الفيتو» عندما اعترضت واشنطن على مشروع قرار يدين بناء «إسرائيل» للمستوطنات اليهودية في شرق مدينة القدس المحتلة.

وفي 27 آذار 2001 استخدمت حق النقض الفيتو لمنع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة من إصدار قرار يسمح بإنشاء قوة مراقبين دوليين لحماية الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة. وكان قد وافق على الاقتراع تسعة أعضاء، بينما امتنع أربعة أعضاء عن التصويت ولم تشارك أوكرانيا في الاقتراع. وحظي المشروع بتأييد بنغلاديش وكولومبيا وجامايكا ومالي وموريشيوس وسنغافورة وتونس وروسيا والصين، وامتنعت الدول الأوروبية الأربع في مجلس الأمن بريطانيا وفرنسا وإيرلندا والنرويج عن التصويت ولم تشارك أوكرانيا في التصويت.

وصوّت على مشروع القرار كل من الصين وروسيا وتونس وبنغلاديش وكولومبيا وجمايكا ومالي وجزر مورويشيوش وسنغافورة، ومع توافر الأغلبية اضطرت واشنطن لإجهاض المشروع بالفيتو. وقد برّر «جيمس كانتيغام» المندوب الأميركي في مجلس الأمن استخدام واشنطن للفيتو بقوله «إن مشروع القرار لم يكن متوازياً وغير قابل للتطبيق»، على حدّ زعمه.

أما في 14 كانون الأول 2001 استخدمت الفيتو ضدّ مشروع قرار يطالب بالوقف الفوري لأحداث العنف «الإسرائيلية» الفلسطينية.

وفي 20 كانون الأول 2002 لم يعتمد المجلس مشروع قرار اقترحته سورية لإدانة قيام القوات «الإسرائيلية» بقتل موظفين من موظفي الأمم المتحدة، فضلاً عن تدميرها المتعمّد لمستودع تابع لبرنامج الأغذية العالمي في الأرض الفلسطينية المحتلة في نهاية تشرين الثاني من العام نفسه. ولم يعتمد مشروع القرار بعد أن صوتت الولايات المتحدة ضدّه بـ «الفيتو»، وامتنعت حينها بلغاريا والكاميرون عن التصويت في حين أيده 12 من أعضاء المجلس.

كما أنه في 16 أيلول 2003 استخدمت حق النقض الفيتو خلال التصويت في مجلس الأمن الدولي على مشروع القرار العربي الذي يطالب «إسرائيل» بالامتناع عن التعرض للرئيس الفلسطيني ياسر عرفات بطرده أو قتله، وصوت 11 من أعضاء مجلس الأمن الخمسة عشر لصالح مشروع القرار بينهم فرنسا وروسيا والصين في حين امتنعت بريطانيا وألمانيا وبلغاريا عن التصويت، بعد أن فشلت مشاورات جرت على مدى ساعات في التوصل إلى حل وسط يحظى بقبول كل من الولايات المتحدة وسورية راعية القرار. وتقدم بمشروع القرار أثناءها كل من سورية والسودان عن المجموعة العربية، والباكستان وجنوب أفريقيا عن دول عدم الانحياز.

وفي 14 تشرين الأول من العام نفسه استخدمت الفيتو ضد مشروع قرار يمنع «إسرائيل» من توسيع سياج الأمن. وهو الجدار الذي أقامته «إسرائيل» على الأراضي الفلسطينية.

لتستخدم الفيتو أيضاً في 25 آذار 2004 ضد مشروع قرار يدين «إسرائيل» لاغتيالها مؤسس حركة حماس الشيخ أحمد ياسين.

وفي تشرين الأول من العام نفسه، استخدمت الفيتو ضدّ مشروع قرار يطالب الاحتلال بوقف عمليات الاستيطان والانسحاب من قطاع غزة.

وفي 13 تموز 2006 رفعت الفيتو أيضاً ضد مشروع قرار يطالب بوقف عمليات الاستيطان في قطاع غزة، وإطلاق سراح شاليط مقابل إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين. وفي 11 تشرين الثاني من العام ذاته، رفعت الفيتو ضدّ مشروع قرار يدين المجزرة التي ارتكبتها «إسرائيل» في بيت حانون بقطاع غزة وأسفرت عن استشهاد 20 فلسطينياً وإصابة العشرات.

كما أنها في 18 شباط 2011 استخدمت حقها في الفيتو ضدّ مشروع قرار يُدين عمليات الاستيطان منذ عام 1967 في الضفة الغربية والقدس ويعتبرها غير شرعية.

وبهذه الخلفية التاريخية لم يكن مفاجئاً لأحد أن تقف واشنطن ضدّ مشروع القرار العربي الفلسطيني، الذي وزعته سفيرة الأردن في الأمم المتحدة دينا قعوار على أعضاء مجلس الأمن الدولي في 31 ديسمبر 2014 والذى يحدّد فترة عامين لإنهاء الاحتلال «الإسرائيلي» للأراضي الفلسطينية، القدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين، إطلاقِ سراح السجناء والمعتقلين، تسوية القضايا العالقة بما فيها المياه، مع إضافة بند جديد يشير إلى عملية وقف الاستيطان وآخر يتعلق بالجدار الفاصل. القرار حظي بتأييد ثماني دول في المجلس الأمن، فيما امتنعت خمس دول عن التصويت من ضمنها بريطانيا، وعارضته الولايات المتحدة الأميركية وأستراليا.

وكذلك في 1 كانون الثاني 2015 استخدمت حق الفيتو عندما أخفق مجلس الأمن الدولى فى تمرير مشروع قرار فلسطيني لإنهاء الاحتلال «الإسرائيلي» خلال عامين، واستخدمت حق الفيتو للاعتراض على هذا القرار.

لكن المفارقة أنه وفي 2016-12-23 تبنّى مجلس الأمن الدولي، بأغلبية ساحقة، قراراً يدين الاستيطان ويطالب بوقفه في الأرض الفلسطينية المحتلة، لكنّ من سحبه هذه المرة فهي جمهورية مصر بعد ضغوط «إسرائيلية» أميركية. الأمر الذي جعل أربع دول صديقة لفلسطين السنغال وماليزيا وفنزويلا ونيوزلندا تقدّم مشروع قرار ضد الاستيطان لمجلس الأمن الدولي للتصويت عليه، بعد رفض مصر إعادة طرحه من قبلها. ما أعطى إشارة واضحة إلى أنّ مصر كانت تسعى لعرقة مشروع مضمون التصويت عليه لمصلحة فلسطين.

ولأول مرة منذ 36 عاماً، صوّت 14 عضواً في مجلس الأمن لمصلحة القرار، في حين امتنعت الولايات المتحدة الأميركية وحدها عن التصويت، من دون أن تستخدم حق النقض الفيتو ، وهو ما اعتبره مسؤولون «إسرائيليون» تحولاً في الموقف الأميركي.

وقال رئيس مجلس النواب الأميركي بول ريان إن: «هذا الأمر مخزٍ للغاية»، متعهداً بأن العام المقبل «ستعمل حكومتنا الجمهورية الموحّدة على إصلاح الضرر الذي أحدثته هذه الإدارة، إدارة أوباما، وستعيد بناء تحالفنا مع إسرائيل». ولم يكن متوقعاً أن تمدّ مصر حبل النجاة لدولة الاحتلال «الإسرائيلي» وتنقذها من وحل الاستيطان الذي وقعت به بعد سرقتها الأراضي الفلسطينية، وهو ما اضطر دولاً أجنبية «صديقة» للوقوف في وجهها والتحرك نيابة عنها.

ونوهت وسائل الإعلام «الإسرائيلية» بأن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي «أنقذ» «إسرائيل» من صدور أول قرار في مجلس الأمن يدينها بسبب مشروعها الاستيطاني، بعد أن تبين أن إدارة الرئيس أوباما قررت عدم استخدام حق النقض الفيتو لإحباطه.

بينما دعا دونالد ترامب، 22 كانون الثاني من العام نفسه، إلى نقض قرار تم تقديمه إلى مجلس الأمن الدولي يطالب بوقف الأنشطة الاستيطانية «الإسرائيلية» في الضفة الغربية. وكان ترامب أطلق وعوداً خلال حملته الانتخابية لجهة دعم «إسرائيل»، والاعتراف «بالقدس» عاصمة لها، كما نقلت أيضاً «السفارة الأميركية إليها. هي وعود رأى فيها اليمين فرصة لتسريع الاستيطان في الضفة الغربية والقدس الشرقية المحتلتين، وصولاً إلى القضاء على فكرة قيام دولة فلسطينية مستقلة. وعيّن ديفيد فريدمان سفيراً للولايات المتحدة لدى «إسرائيل» وهو الذي يؤمن بضرورة ضم «الإسرائيليين» للضفة الغربية والاستيطان فيها. هكذا تمضي القضية الفلسطينية تدور بين شقيّ رحى الأمم المتحدة ومجلس الأمن من دون أن يبرز أيّ نور في نهاية نفق سيف «الفيتو» المسلط على رقبة أيّ قرار يقترب أو يحاول المسّ بـ«إسرائيل»، ولو بتوجيه اللوم أو حتى العتاب.. وذلك حيث تشهد الآن فلسطين المحتلة مواجهات بين الفلسطينيين وقوات الاحتلال من دون أي حراك أممي ما قد يسبب انفجاراً كبيراً في المنطقة. وما حدث في السفارة «الإسرائيلية» في العاصمة الأردنية خير دليل على نفاد صبر شعبنا من التقاعس الدولي والتخاذل العربي.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى