عينُ الشعب على لبنان وقلبُ «14 آذار» على الإرهاب
رنا صادق
قبل وأثناء العمليات العسكرية التي يخوضها حزب الله والجيش والسوريّ، في جرود بلدة عرسال حتى الجهة المقابلة من الحدود اللبنانية ـ السوريّة، للقضاء على التجمّعات الإرهابيّة، برزت ردود أفعالٍ متناقضة بين فريق «14 آذار» من جهة، والغالبيّة العظمى من اللبنانيّين على اختلاف انتماءاتهم من جهةٍ أخرى.
موازاةً للعمليات العسكرية التي يخوضها حزب الله والجيش اللبناني في جرود عرسال، برز تجاوب شعبيّ شبه كامل داعمٌ للجيش والمقاومة على مواقع التواصل الاجتماعي، أطلق هاشتاغان، «غرّد للجيش والمقاومة» و«جيش ومقاومة وشعب». أثبتت هذه الردود الوطنيّة الشعبيّة الرافضة للإرهاب، رصانة الشعب وحسم الرأي العام حول القضايا التي تمسّ أمن وأمان البلاد، وسوّجت لبنان شعباً وأرضاً ببؤرة واحدة متضامنة لأوّل مرة، قابلتها أنانيّة بعض القوى السياسيّة بتعاطيها الوطنيّ الذي يقوم على مستقبل البلد وشعبه.
من المنطلق الأول، لافتٌ هذا الاحتضان الكبير لكلّ اللبنانيّين بجميع القطاعات الإعلاميّة والسياسيّة والرأي العام بالعملية التي تقوم بها المقاومة والجيش بجرود عرسال والفليطة، والمناطق الحدودية في السلسلة الشرقيّة مع سورية. من المنطلق الثاني، الشعب لم ينسَ المشاهد القاسية التي شهدها لبنان من التنظيمات الإرهابيّة عندما ذبحت وأطلقت النار على رؤوس عسكر الجيش اللبناني، الذين كانوا أسرى لديها نتيجة معركة آب 2014 في عرسال وجرودها، لذلك هذه المشاهد أعطت ردّة فعل عكسيّة لدى اللبنانيين، وأهالي الأسرى الذين ما زالوا يعانون جهل مصير أبنائهم منذ ثلات سنوات.
المخطّط الذي كان يعدّه إرهابيّو «جبهة النصرة» و«داعش» هو تحويل منطقة البقاع إلى شرارة فتنة لبنانيّة، أوّلها من خلال زعزعة العلاقة بين الجيش والحزب عبر الشعب وهو ساقطٌ فعلياً، والدليل توحّد اللبنانيّين بكافّة أطيافهم تقريباً، إذ أجمعوا أنّ الإرهاب لا دين له، فتهافتت التغريدات والتعليقات منذ 21 تموز، المناهضة لدحر الإرهاب عن غير رجعة، وأثنت هذه التعليقات المنبثقة عن الشعب على تعاون الجيش اللبناني وعناصر حزب الله، رغم اختلافات البعض، السياسيّة والعقائديّة، مع الحزب.
فقد شكّلت المعركة ضدّ الإرهاب نوعاً من التوحيد بين أبناء البقاع، الجنوب، بيروت والشمال، إلّا ما قلّ وندر منهم. توافقت آراؤهم على شرعيّة وضرورة هذه المعركة بعد تعشّش الإرهاب في جرود إحدى البلدات اللبنانية، وجعلها منبر أحلامهم وأطماعهم. أمّا البعض الآخر، وغالبيّته من قوى «14 آذار»، فضّل عدم التفاعل مع الحملة حفاظاً على ماء الوجه مع دول الخليج التي تضمن وجودهم ونفوذهم بشكلٍ من الأشكال.
وإذا ما راقبنا على موقع «تويتر»، نلاحظ أنّ ثمّة جهة قادرة على تحديد اتجاه الرأي العام من فنانين وممثّلين كانت ردود أفعالهم قاسية جداً على من حقّر الشهداء الذين واجهوا هذه التنظيمات الإرهابية، خصوصاً أنّ بعض هذه الجهات أعطت مواقف مغايرة لموقفها السياسي. بالتالي، هذه المعركة على الأراضي اللبنانية أنتجت تعاطفاً أكبر مع المقاومة. وبعد هذه المعركة، فإنّ أيّ اشتراك للمقاومة بأيّ معركة بالحدود الخارجيّة سيمكّنها من التعامل معها بطريقة أفضل نتيجة هذا التعاطف. والأهمّ من كلّ ذلك، أنّ ما خسرته المقاومة شعبياً في 7 أيار ربحته بهذه العملية.
اللواء جميل السيّد نشر على موقعه على «فايسبوك» تعليقاً، متوجّهاً فيه إلى تيّار المستقبل قائلاً: «أفلتُّم الحدود للإرهاب ضدّ سورية، وسبّبتم قتل الجيش، إجماع وطني؟ الحزب يمسح أوساخكم هناك!»، وذلك بعد أن زعم التيّار أنّ «لا إجماع وطني لحزب الله بمعركة عرسال!».
أمّا وزير السياحة الأسبق فادي عبّود، غرّد عبر موقعه على «تويتر» قائلاً: «بوضوح وصراحة، لا أحبّذ الأحزاب الدينيّة. أمّا بما يتعلّق بأبطال المقاومة، فأحني لهم رأسي، وأفتح لهم قلبي وعقلي وأتعلّم منهم البطولة طريقاً للحياة».
فنانون، وممثّلون وإعلاميّون تقابلت تغريداتهم على موقع «تويتر» و«فايسبوك»، وكانت لهم حصّة كبيرةٌ في هذا المسار وتأثير إيجابي مع الجماهير أيضاً، إذ غرّد المخرج ناصر فقيه على صفحة «قوى 14 آذار» قائلاً: «بعترف إنّو كنت غبي بيوم من الأيام لمّا نزلت كرمالكن على ساحة الشهداء عام 2005. فعلاً استحوا يلي ماتوا!» وذلك بعد أن نعتت الصفحة شهداء حزب الله بـ«قتلى ميليشيات حزب الله». كما شارك آخرون من الفنانين على صفحاتهم الشخصية بالحملة، في حين نشرت الممثلّة رولا حمادة تغريدةً على صفحتها على «تويتر»، قالت فيها: «تمّوز شهر البطولات والكرامة المستعادة، قلوبنا وصلواتنا معكم، عودوا إلينا سالمين منتصرين».
من جانبٍ آخر، جاءت تصريحاتُ قوى «14 آذار» كالعادة، متحفّظة على العملية، لا بل رافضة كلّ الرفض مشاركة الجيش اللبناني إلى جانب حزب الله في الجرود، مع العلم أنّ الجيش يقوم بعمليات دفاعيّة لحماية أهالي المنطقة والنازحين من أيّ تسرّب إرهابي قد يحصل في البلدة. وقيادات «14 آذار» لا يعنيها أمن اللبنانيين وأمانهم ففي حال تسلّل الإرهاب إلى المناطق اللبنانية لا مشكلة، طالما أنّ طائراتهم الخاصة ستُقلع بهم نحو الرياض.
كما أنّ هذا السلوك السياسي لها هو تخوّف أصحابه – بعد ازدياد قوّة حزب الله عسكريّاً – من تعاظم دوره في السلطة واستهلاك نفوذه، مع العلم أنّ الحزب بعيدٌ كلّ البعد عن أيّة استثمارات من هذا النوع في الحكومة لو أراد لكان فعلها، بعد حرب تموز 2006.
لكن، أوَلَيست القرارات التي تهدف إلى صيانة الحدود وحفظ الكرامة من شأنها أن توحّد الأطراف المتنازعة في السياسة الداخليّة للبلاد؟ ألا يشكّل زحف الإرهابيّين من ذوي الصبغة «الإسرائيلية» وتمركزهم في بعض البلدات اللبنانية خطراً، يلزم التقارب ويوقظ الوطنيّة؟ ألَيست «جبهة النصرة» «وداعش» عدوّان، تجب محاربتهما بكلّ ما أوتينا من قوّة؟
سلوك هذه القوى السياسي يعرّيها من الوطنيّة، ويجرّدها من المصلحة العامّة اللبنانيّة ويبرز دعمها للدول التي تموّل الإرهاب منذ ظهوره.
ميدانياً، وإنْ لم تشأ قيادات «14 آذار»، فإنّ المقاومة والجيش قوّتان حليفتان ضاربتان للإرهاب، ببُنية كاملة متكاملة، ذات قدرة كفيلة بدحر الإرهاب إلى غير رجعة، والأيام المقبلة ستثبت ذلك.