السعودية تتراجع أمام تركيا في قطر وتتقدّم مع مصر بوجهها في سورية عبر اتفاق الغوطة الربع الأخير لحرب الجرود وسط التفاف سياسي وشعبي حول حزب الله… والنصرة تحتضر
كتب المحرر السياسي
الكلّ مرتبك ويحاول ترميم صفوفه باستبدال العناد والإنكار بمحاولة التأقلم مع المتغيّرات وعنوانها الساطع انتصارات محور المقاومة، فـ»إسرائيل» التي تبتلع الموسى مع مواجهات القدس وسائر مناطق فلسطين، لا تستطيع التقدّم ولا التراجع وتحاول الرهان على الإستعانة بصديق يساعدها في النزول عن الشجرة، والسعودية العالقة في حرب اليمن وجدت نفسها عاجزة عن المضيّ في معركة إسقاط قطر، وتركيا الخائفة من خصوصية كردية عسكرية على حدودها والمأزومة بعلاقاتها مع واشنطن تحاول ترميم حضورها الإقليمي بالإفادة من أزمة قطر، بينما لم تحتج مصر لأكثر من عقلانيتها وعدم تورّطها في الحرب على سورية وقوى المقاومة لتضمن دوراً في ضفة التسويات يباركه خصوم المقاومة وسورية كتغطية لفشلهم، ويرحب به أهل المقاومة وسورية لتنهض مصر بدورها في المنطقة بعد طول غياب.
النصرة تحتضر في جرود القلمون اللبنانية والسورية تحت ضربات المقاومة التي أدهشت العدو والصديق ونالت شهادة المراقبين بإنجازها السريع والنظيف وقدرتها على البذل بلا حساب لحساب الوطن، فاجتمع حولها اللبنانيون سياسياً وشعبياً في وقفة نادرة لم يشذّ عنها إلا بعض النشاز.
الكلّ يبحث عن نصر ولو معنوي أو شكلي يغطي به خسارة حقيقية إلا محور المقاومة فيراكم إنجازات على إنجازات، فجولة أردوغان الخليجية تأتي على خلفية نزول السعودية عن شجرة التصعيد وقبولها تحويل الشروط مطالب والمطالب بنود تفاوض، فلا عاد إقفال قناة «الجزيرة» شرطاً ولا حتى مطلباً ولا إزالة القاعدة التركية العسكرية، وقد بدأت مفاعيل تفاهم أميركي قطري تحت العنوان الذي بدأت منه الأزمة وهو تمويل الإرهاب وبريطانيا تبارك الموقف القطري وتدعو لفك الحصار، وروسيا وفرنسا متفقتان على الحاجة لحلّ سياسي، لكن أردوغان الرابح خليجياً خسر إدلب التي طردت جبهة النصرة منها أحرار الشام المدعومة من أنقرة، والنصرة التي سيطرت في إدلب تتساقط مواقعها في القلمون، وقريباً في غوطة دمشق حيث شرط التفاهم على التهدئة تصفية وجود النصرة هناك وفقاً للإتفاق الذي رعته موسكو والقاهرة، وسيشهد بحث نشر مراقبين مصريين مع الشرطة العسكرية الروسية ضمن مشروع اتفاق بين الحكومتين المصرية والسورية، كما قالت مصادر إعلامية روسية، وهو الأمر الذي لم تستطع حكومة أنقرة بلوغه بعد بسبب وجودها غير الشرعي في سورية أسوة بما وصف فيه رئيس العمليات في القوات الأميركية لصحيفة «نيوزويك» وجود قواته في سورية.
المنطقة محكومة بما يجري في سورية حيث الحرب التي تحوّلت خلال سنوات إلى حرب حياة أو موت لكلّ المشاركين فيها، ولا يمكن أن تقترب من نهاياتها ويخرج الجميع رافعاً شارة النصر، فصيغة لا غالب ولا مغلوب والرابح رابح، والبحث عن حفظ ماء الوجه للمهزومين، والمخارج اللائقة للنزول عن شجرة التورّط، كلها لن تفيد في تغيير حقيقة وجود منتصر ومهزوم، وقد بالغ الجميع ممّن هزموا أو يهزمون عندما بلغوا حدّ القول إنّ المنطقة لا تتسع لهم مع الرئيس السوري بشار الأسد، فإما هو أو هم، وها هو باق وثابت من ثوابت المنطقة الإسترايجية، فماذا عساهم يقولون، وهل يحتاج الحلف الممتدّ من الضاحية إلى دمشق إلى طهران وموسكو مروراً ببغداد وصنعاء أن يقول شيئاً وقد كان عنوان وقفته في سورية انّ الأسد رمز من رموز المقاومة وبقاءه علامة نصرها؟
وفي لبنان حيث المقاومة التي تحمّلت كلّ الكلام المبتذل عن مشاركتها في حرب أنكر الآخرون عليها أن يكون الإرهاب عدوها فيها، وأصرّوا على وصف الإرهابيين بالثوار، وقدّموا لهم أدوات الإعلام والحرب والمال وصولاً للفتنة، وها هي المقاومة اليوم تخوض حرب اللبنانيين جميعاً وهم يهتفون لشهدائها ودمائهم فتتلاقى القنوات الفضائية اللبنانية التي انقسمت حول المقاومة لسنوات لتزفّ شهداءها وتتباهى بانتصاراتها، ويقف السياسيون الذين عادوها وعاندوها مرتبكين يتلعثم خطابهم بين الصمت او لسان ضدّ أو نتمنى أن لا يوظف النصر لحسابات فئوية، أو لا ننكر البعد الوطني والمحق للمعركة ولسنا ضدّ كلّ ما يفعله حزب الله.
العرس الوطني للمقاومة وشهدائها بعض من إنصاف التاريخ والجغرافيا لشلال تضحيات لم يتوقف عن البذل المجاني لحساب لبنان وأمن اللبنانيين منذ عقود ومعركة جرود عرسال مطهر وطني للألسنة والعقول والقلوب التي توطنها السواد سنوات عجاف لتستردّ بعض النقاء والبياض.
لليوم الثالث على التوالي، لا تزال المواجهات البطولية التي يخوضها الجيش السوري والمقاومة للقضاء على تنظيم جبهة النصرة في الجرود الحدودية، تخطف الأضواء المحلية في ظل الجمود الذي يُخيّم على الملفات المطروحة والقضايا الملحة بسبب سفر رئيس الحكومة سعد الحريري الى الولايات المتحدة الأميركية.
وفي المستجدات الميدانية يوم أمس، سيطر حزب الله على «أكثر من 75 في المئة من المساحة التي كانت تحتلها جبهة النصرة من جرود عرسال اللبنانية»، وفق ما أفاد مصدر ميداني لـ«البناء»، حيث انهارت مواقعهم وتحصيناتهم بسرعة، وسط كثافة نارية شاركت فيها وحدات النخبة والتدخل في الحزب رافقتها الوحدة الصاروخية ومدفعية الميدان الثقيلة والمتوسطة والهجومية. كما سيطرت المقاومة على نفق القيادة العامة لجبهة النصرة في وادي الخيل في جرود عرسال، ما يشكّل ضربة معنوية كبيرة لعناصر التنظيم ومؤشراً لهزيمة وشيكة للنصرة ونهاية اتواجدها في الجرود الحدودية.
كما استعاد المقاومون آلية تابعة للواء الثامن في الجيش اللبناني كان قد استولى عليها عناصر النصرة في 3 آب عام 2014 وأخذوها إلى الجرود وهي غير صالحة للاستعمال.
أهمية مرتفع ضهر الهوة!
ومع سيطرة حزب الله على مرتفع ضهر الهوة في جرود عرسال، بعد مواجهات عنيفة مع مقاتلي النصرة، كانت مواقع النصرة تسقط الواحد تلو الآخر. ويقع مرتفع ضهر الهوة في جرود عرسال، على ارتفاع 2015 متراً عن سطح البحر، ويُعدّ الأعلى ضمن منطقة العمليات الغربية لجرود عرسال، ويبلغ عرضه 3500 م.
ويضمّ مرتفع ضهر الهوة مواقع عدة كانت جبهة النصرة تسيطر عليها قبل أن يستعيدها المقاومون، وهي: الطائف، فتح والراية. ويُعدّ من أبرز معاقل الجبهة وخط الدفاع الرئيسي في جرد عرسال ويؤمن السيطرة ورؤية الرماية، والإشراف الناري على 6 معابر رئيسية، هي: معبر وادي الخيل، معبر وادي العويني، معبر وادي أبو زنوبة، معبر وادي المعيصدة، معبر جوار الشيخ ومعبر وادي الريحان.
وسمحت سيطرة عناصر المقاومة على المرتفع، بالإشراف نارياً على مرتفع حقاب وادي الخيل وشيار الحطب من الجهة الشمالية، وضليل وادي الخيل من الجهة الشرقية. وقد استسلم عدد من عناصر النصرة بعد نداءات استغاثة عبر مكبّرات الصوت في منطقة وادي حميد.
اغتيال الوساطة…
وعلى وقع الإنجازات الميدانية الدراماتيكية، تحركت المفاوضات من جديد مع دخول الوسيطين أحمد وفايز الفليطي على خط الوساطة، و«أثناء دخولهما بسيارة رباعية الدفع سالكين طريق الملاهي ـ وادي حميد باتجاه أحد مواقع النصرة المتقدمة للتفاوض، وبعد أن قطعا مسافة ليست بقليلة عن الملاهي، وعند محلة وادي حميد – مفرق العجرم تحديداً، استُهدفت سيارتهما بصاروخ موجّه أدى إلى إصابتها واستشهاد أحمد الفليطي على الفور وأصيب فايز». وذكرت معلومات ميدانية لـ«البناء»، «أن استهداف الفليطي مصدره مجموعة من النصرة كمنت له على مقربة من أحد مواقعها واستهدفته»، أما الهدف بحسب متابعين فهو «اغتيال الوساطة التي كان يقوم بها نائب رئيس بلدية عرسال أحمد الفليطي مع النصرة لتسليم أنفسهم وسلاحهم للمقاومة».
مصير «أبو مالك»…
مصادر معنية أكدت لـ«البناء»، «أن من مفاجآت المقاومة بعد المفاجآت الميدانية قد تكون القبض على أبومالك التلي الذي يرجّح لجوؤه إلى أحد الكهوف والمغاور إذا لم يعلن ولاءه لتنظيم داعش ويلجأ إليه».
وأكدت المصادر سقوط يوم أمس، فقط «حوالي 58 قتيلاً وعشرات الجرحى من النصرة في جرد عرسال و33 قتيلاً في جرد فليطة في القلمون الغربي، وجميعهم من جنسيات سورية وخليجية وفلسطينية ويمنية ولبنانيون». وذكرت مصادر من جرود عرسال لـ«البناء»، «انسحاب أحد مسؤولي جبهة النصرة المدعو «أبو طلحة الأنصاري» مع حوالي 30 من مسلحيه باتجاه قلعة الحصن شرق جرد عرسال بعد التقدم الكبير للمقاومة في الجرد».
إجلاء النازحين
كما سُجّل إجلاء نحو 79 شخصاً من النساء والأطفال من مخيمات النازحين السوريين في وادي حميد الى داخل بلدة عرسال بالتعاون مع الجيش اللبناني والصليب الأحمر.
وأوضح رئيس بلدية عرسال باسل الحجيري لـ«البناء»، «أن الهدوء الحذر يخيم على عرسال حتى الآن باستثناء استشهاد الفليطي الذي عكّر صفو الهدوء»، لافتاً إلى أن «الأيام المقبلة ستشهد مزيداً من التطورات الميدانية، خاصة أن مواقع داعش تبعد عن بلدة عرسال نحو 15 كلم. وموقع القيادة عند تلة ميرا والمحصّن كثيراً يبعد نحو 20 كلم».
وأكد الحجيري «دخول نحو عشرات العائلات ويقدّر عددهم حوالي 100 شخص بين نساء وأطفال عبر وادي حميد هرباً من المعارك إلى مناطق أكثر أمناً في محيط عرسال، حيث مخيمات النزوح».
المرحلة الثانية: القضاء على «داعش»
وقال خبراء عسكريون لـ«البناء» إن المرحلة الأولى من المعركة شارفت على النهاية مع سيطرة الجيش السوري وحزب الله على معظم المساحات الجردية التي كانت تسيطر عليها النصرة، وعند وصول المقاومين الى خربة يونين، يعني إنهاء المعركة مع التنظيم وربما يحتاج الأمر أياماً قليلة». وأشار الخبراء الى أن «المرحلة الثانية من المعركة ستبدأ بعد انتهاء المرحلة الأولى، للقضاء على تنظيم داعش الذي يسيطر على منطقة ممتدة من جرود رأس بعلبك إلى عسال الورد. وهي منطقة سهلية، وبالتالي عسكرياً تُعتبر أسهل من المرحلة الأولى»، وأوضحوا أن «الخطة التي اعتمدتها القوات السورية والمقاومة هي تقسيم منطقة العمليات الى مناطق عدة، وفصل منطقة النصرة عن داعش وخوض المعركة مع كل منهما على حدة والحؤول دون توحيد التنظيمين في المعركة».
تغيّر شروط التفاوض
وعلمت «البناء» أن شروط المفاوضات قد تغيرت وباتت الآن تسليم المسلحين أنفسهم مع أسلحتهم وعتادهم بعد أن كانت قبل انطلاق المعركة، تتم على أساس انسحاب المسلحين الى الاراضي السورية وتحديداً الى إدلب عبر تركيا، كما علمت أن «خيارات المسلحين قد ضاقت الى الحد الأدنى بعد أن باتوا محاصرين في منطقة جغرافية محدودة وضيقة وبالتالي هم بين خيارين: إما الموت وإما الاستسلام».
وفي سياق ذلك أشار الخبراء الى أن «أحد الخيارات المتوقعة، هي محاولة عناصر النصرة الانسحاب الى القسم الذي يُسيطر عليه داعش، لكنهم بيّنوا أن الطائرات السورية ستكون بالمرصاد بعد أن استهدفت منذ أيام مجموعة من النصرة كانت تحاول الفرار من جرد فليطة باتجاه جرد عرسال عبر معبر الزمراني وبالتالي ما يجعل هروبهم أمراً صعباً للغاية».
كما لفت الخبراء الى أن «ما يجري في الجرود ليس فقط معركة ببعدها العسكري، بل هي حرب كسر إرادات على مستوى جبهات المنطقة بين الجيش السوري والمقاومة من جهة، والتنظيمات الإرهابية وداعميهم الإقليميين والدوليين من جهة ثانية، وتجري في وقتٍ يتعرض داعش لضربات قاصمة وهزائم متتالية في العراق وسورية». وأضافوا أن «بعد انتهاء معركة الجرود بشكلٍ كامل يمكن الحديث عن تحصين لبنان أمنياً من جهة الحدود مع سورية، ويبقى الحذر من الخلايا والشبكات النائمة في الداخل»، لكنهم أشاروا الى أن «هذه الخلايا والشبكات ستُصاب بالشلل بعد قطع الإمداد اللوجستي والمالي عنها وفقدانها الاوامر من قيادتها الميدانية من الجرود».
وأكد رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله السيد هاشم صفي الدين أن «المقاومة اليوم تقاتل في كل منطقة وبلدة وصولاً الى البادية في سورية، فتنتصر وتحقق الإنجازات، وفي الوقت نفسه هي تقاتل في جرود عرسال والقلمون ولو اقتضى الأمر أن تقاتل في مواجهة العدو «الإسرائيلي» في الوقت ذاتة ستقاتل، وتحقق الإنجازات، وما زرعته المقاومة في 2006 من رعب وخوف وضعف وقلق في «الإسرائيلي» لا يمكنه أن ينجح في حرب، فضلاً عن أن يبادر الى الحرب». وشدد صفي الدين على أن «ما تقوم به المقاومة في جرود القلمون وعرسال من جيش ومقاومة هو حماية لكل لبنان، لعرسال اولاً، وللبقاع ثانياً، ولكل لبنان ثالثاً بطوائفه ومناطقه كلها».