معركة جرود عرسال في نهايتها والتلّي يطلب وساطة لإخراجه عون: نتائج الميدان ستحدّ من اعتداءات الإرهابيّين وتعيد الأمن إلى الحدود
لليوم الرابع على التوالي واصل حزب الله تقدّمه في جرود عرسال وسط انهيارات كبيرة في صفوف الإرهابيّين الذين أصبحوا محاصرين في مسافة لا تزيد عن 10 من مناطق سيطرتهم.
وأعلنت قيادة عمليات المقاومة، أنّ «المعركة باتت على مشارف نهايتها»، داعيةً المسلّحين إلى «تسليم أنفسهم مع ضمان سلامتهم». وعلى الأثر، سُجّلت حالات فرار بين المسلّحين باتجاه مخيّمات النازحين في وادي حميد والملاهي، وباتجاه خطوط التماس مع «داعش» شمال شرقي الجرود التي يتواجد فيها نحو 400 «داعشي».
اجتماع أمنيّ في بعبدا
في غضون ذلك، ترأّس رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون بعد ظهر أمس اجتماعاً أمنيّاً في قصر بعبدا، حضره قائد الجيش العماد جوزيف عون، نائب رئيس الأركان للعمليات العميد الركن نوّاف الجباوي، مدير المخابرات العميد الركن أنطوان منصور ومدير العمليات العميد الركن جان الشدياق.
وخُصّص الاجتماع لعرض الأوضاع الأمنيّة على الحدود اللبنانية – السورية قبالة جرود عرسال والتطوّرات الميدانية المرتبطة بها، حيث قدّم قائد الجيش لرئيس الجمهورية شرحاً مفصّلاً وعلى الخريطة للواقع العسكري الراهن، والإجراءات التي اتّخذها الجيش لحماية الحدود ومنع تسلّل الإرهابيّين منها.
كذلك، عُرضت خلال الاجتماع التدابير التي اعتمدها الجيش لتأمين سلامة المواطنين اللبنانيّين والنازحين السوريّين في الأماكن المحيطة بمناطق القتال.
ونوّه الرئيس عون بـ«جهوزيّة الجيش واستعداده لصدّ أيّ اعتداء على الأراضي اللبنانيّة، وحماية السكّان والنازحين وتأمين سلامتهم في بلدة عرسال ومحيطها وفي سائر القرى والبلدات على امتداد الحدود».
واعتبر أنّ «نتائج التطوّرات الميدانيّة الأخيرة ستكون إيجابيّة على صعيد الحدّ من اعتداءات الإرهابيّين وممارساتهم ضدّ المدنيّين والعسكريين على حدّ سواء، وسوف تعيد الأمن والاستقرار إلى الحدود».
الوضع الميداني
وميدانياً، وبعد اشتباكات ليليّة عنيفة، نفّذ حزب الله هجوماً واسعاً تخلّلته اشتباكات من جهات عدّة باتجاه حصن الخربة ووادي الخيل أهم معاقل «جبهة النصرة» الإرهابيّة في جرد عرسال وسط تقدّم للمشاة، وأقرّت تنسيقيّات المسلّحين بسيطرة الحزب على وادي الخيل. كذلك، سيطر الحزب على كامل وادي المعيصرة في جرد البلدة وعلى مرتفع قلعة الحصن الذي يشرف بشكل مباشر على مثلث معبر الزمراني شرق الجرد، وعلى وادي الخيل، إضافةً لوادي معروف، وادي كحيل، وادي زعرور، وادي الدم، ووادي الدقايق، وسط حالة من الانهيار المريع في صفوف الإرهابيّين الذين باتوا لا يسيطرون سوى على نحو 10 في المئة من الجرود. وأُفيد من أرض المعركة أنّ مسلّحي «جبهة النصرة» لم يعودوا متواجدين إلّا في منطقتَي وادي الكبير، وادي حميد والملاهي وخربة يونين وسهل عجرم»، وعلى الأثر، شدّد الحزب عمليات القصف المدفعيّ والصاروخيّ باتجاه تلك المناطق، واستهدفت الطائرات السوريّة معبر الزمراني عند الحدود بين سورية ولبنان.
وأكّدت قيادة عمليات حزب الله، أنّ «المعركة مع النصرة أصبحت على مشارف نهايتها»، داعيةً «جميع المسلّحين في ما تبقّى من جرود عرسال إلى أن يحقنوا دماءهم بإلقائهم السلاح وتسليم أنفسهم مع ضمان سلامتهم».
وأفاد الإعلام الحربي التابع لحزب الله عن حصول حالات فرار وانسحابات واسعة في صفوف إرهابيّي «النصرة» بواسطة درّاجات ناريّة في اتجاه خطوط التماس مع «داعش» شرق جرود عرسال، ووادي حميد والملاهي حيث مخيّمات النازحين.
ورفع حزب الله لافتات على مدخل مركز قيادة «جبهة النصرة» في وادي حميد حقاب الخيل ، تحمل صور شهداء الجيش الذين قضوا على يد الجبهة، وهم: علي السيد، محمد حمية، علي البزال وعباس مدلج.
وبالنسبة إلى مصير قائد «جبهة النصرة» في القلمون أبو مالك التلّي، فأشارت معلومات إلى أنّه بات محاصَراً في مربّعي الزمراني والعجرم وطلب من الشيخ مصطفى الحجيري أبو طاقية التوسّط له لإخراجه من المنطقة.
في المقابل، عزل الجيش مخيّمات اللاجئين عن الجرود على أثر فرار مسلّحي «النصرة» إلى وادي حميد والملاهي، وعزّز إجراءاته الأمنيّة في المنطقة. وكان قد عمل صباحاً على تسهيل دخول النازحين من المخيمات في وادي حميد في جرود عرسال إلى داخل البلدة، وسهّل بالتعاون مع الصليب الأحمر دخول 79 من النساء والأطفال إلى داخل البلدة.
في الأثناء، زار رئيس الهيئة العليا للإغاثة اللواء الركن محمد خير بلدة عرسال موفداً من رئيس الحكومة سعد الحريري، حيث اطّلع على أوضاع أبناء المنطقة، والتقى رئيس بلدية عرسال باسل الحجيري وأعضاء المجلس البلدي، وقدّم التعازي بنائب رئيس البلديّة السابق أحمد الفليطي، كما التقى فاعليات المنطقة، وتفقّد والحجيري مخيّمات النزوح السوري مطّلعاً على احتياجاتهم وأوضاعهم الصحية والأمنيّة. ثم زار غرفة عمليات الصليب الأحمر واطّلع منهم على سير العمل.
مواقف مشيدة بالمقاومة
وتواكبت المعارك مع مواقف أشادت بإنجازات المقاومة في تحريرجرود عرسال من الإرهابيّين. وفي السياق، أعلن النائب مروان فارس في تصريح، «أنّ المقاومين الشرفاء قدّموا أنفسهم تضحية عن كلّ اللبنانيّين، ليس فقط عن منطقة البقاع بلّ عن كلّ لبنان».
وقال: «من هنا، نتوجّه برسالة إلى الأوروبيّين الذين عزّزوا الإرهاب في سورية وفي كلّ مكان، أنّ الإرهاب الذي عزّزوا سيرتدّ عليهم في أوروبا، وأنّ مقاومة الإرهاب على يد حزب الله هي مقاومة لمصلحة الأوروبيّين»، معتبراً أنّ الشرق سوف يشهد مرحلة جديدة في الفترة المقبلة وسوف يستفيد منها لبنان وأوروبا.
ورأى «أنّ ما شاهدناه ليس هو الإسلام من هؤلاء التكفيريّين القتلة».
من جهته، حيّا النائب أمل أبو زيد في سلسلة تغريدات «المقاومين خلف الجرود ووحدات الجيش على الحدود»، وجاء في هذه التغريدات: «تحيّة من جزين، من مليخ، من الريحان ومن كلّ منطقة لبنانيّة أبيّة إلى كلّ مقاوم خلف تلك الجرود الوعرة في السلسلة الشرقيّة، وإلى كلّ شهيد سقط في مواجهة إرهابيّين زرعوا الموت وخطفوا وقتلوا وفجّروا».
وقال: «قريباً جدّاً سترتاح نفوس العسكريّين الشهداء وأمّهاتهم، ولن يتمكّن أبو مالك التلّي من امتلاك تلك التلّة، بل سيكون مصيره في واد سحيق من النار حيث لا نصرة ولا من ينصرون».
أضاف: «كلّ الوفاء لجيشنا اللبناني الذي صان الحدود وأفشل مخطّطات الإرهابيّين ومحاولاتهم اليائسة لتكرار سيناريو اختراق عرسال وأسر المدنيّين اللبنانيّين والاحتماء بالنازحين السوريين، وإلى هؤلاء الإرهابيّين نقول: المقاومة من أمامكم والجيش من ورائكم فإلى أين المفرّ؟».
بدوره، أشار الأمين العام لحركة النضال اللبناني العربي النائب السابق فيصل الداود في بيان، إلى أنّه «في اليوم الرابع، حقّق حزب الله الانتصار على تنظيم «جبهة النصرة» الإرهابي، في أجزاء واسعة من جرود عرسال والذي تمّ بالسرعة التي لم تكن منتظرة، فدحره من كاملها تقريباً، وهو يكمل بمساندة الجيش السوري عمليّاته، التي بدأ الإرهابيّون يستسلمون أو يُقتلون أمام تقدّم المقاومة الباسلة، والتي نوجّه لرجالها كلّ التحية والإكبار، ونبارك لشهدائها، الذين بدمائهم الزكيّة، تسجّل الإنجازات العسكريّة».
أضاف: «المعركة في جرود عرسال كان لا بُدّ منها، وقرار خوضها صحيح، ووطنيّ بامتياز، وعلى تنسيق مع الجيش اللبناني، الذي يصدّ محاولات تقدّم الإرهابيّين، ويحمي عرسال وأهلها والنازحين إليها، وهي مهمّة يحقّقها الجيش بمهنيّة وأخلاق، وله كلّ الدعم والمساندة، إضافةً إلى الفرح الذي يغمر أهالي عرسال، الذين يرون بلدتهم وقد تحرّرت من احتلال الإرهابيّين لها، وما ارتكبوه من ممارسات بحقّهم بقتل أفراد منهم، ومصادرة أملاكهم وقطع أرزاقهم».
وختم: «إنّ تحرير جرود عرسال لا يقلّ أهمية عن تحرير الجنوب من الاحتلال «الإسرائيلي»، لأنّ العدو واحد بوجهين إرهابيّين صهيونيّ وتكفيريّ، حيث ستحقّق العمليّة العسكريّة التي تقوم بها المقاومة أهدافها، وستخرس الأصوات التي تُساند المنظّمات الإرهابيّة ضدّ المقاومة».
كذلك، أعرب كاهن رعيّة بلدة القاع الأب إليان نصرالله عن أمله «أن يتمّ تحرير جرود بعلبك والقاع بعد جرود عرسال»، مشيراً إلى أنّ «اليوم هناك الجيش اللبناني والمقاومة والشعب اللبناني الذي يحرّر أرضه، وهناك من جهةٍ ثانية الإرهابيّون ولا وسطيّة أو أنّنا مع التحرير أو لا».
ولفتَ الأب نصرالله إلى أنّه «منذ اتفاق الطائف، الحكومات التي تعاقبت على لبنان أعطت في البيانات الحكوميّة اللبنانيّين حقّ الدفاع مع الجيش اللبناني لتحرير أرضهم وإعادة الأرض لأصحابها»، متسائلاً «هل نعي خطورة الإرهابيّين؟».
وأكّد أنّ «لا خيارات لدينا إلّا أن يكون لدينا موقف موحّد لتحرير الأرض».
ورأت «حركة الأمّة» في بيان لها، «أنّ هزيمة الإرهابيّين في جرود عرسال والسلسلة الشرقيّة هي هزيمة استراتيجيّة كبرى للمشروع الصهيوني – الأميركي في المنطقة، فهو يقاتل من خلال هذه المجموعات الإرهابيّة ووكلائه».
وأكّدت الحركة، أنّ هذا الانتصار الكبير الذي نشهده في جرود عرسال ومرتفعات السلسلة الشرقيّة سيكون ضمن سلسلة انتصارات محور المقاومة الذي يمتدّ في سياق متّصل من تحرير الجنوب والبقاع الغربي عام 2000، ونصر تموز الكبير عام 2006، وتحرير حلب، العاصمة الاقتصادية لسورية، وتحرير الموصل. وكلّ ذلك يؤكّد بالفعل الملموس ما قاله الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله: «لقد بدأ زمن الانتصارات وولّى زمن الهزائم».
وختمت «الحركة» بيانها بالقول: «هنيئاً لنا أنّنا نعيش فرحة الانتصار تلو الانتصار، بفعل التضحيات الجسام التي يقدّمها المقاومون الأبطال. على أمل أن نعيش دائماً من نصر إلى آخر».
وتوجّهت هيئة مكتب المجلس التنفيذي للاتحاد العمالي العام في لبنان في بيان بعد عقدها اجتماعاً استثنائياً برئاسة رئيس الاتحاد الدكتور بشارة الأسمر، «بِاسم عمال لبنان وجميع الوطنيّين الشرفاء، بأسمى آيات التقدير لرجال المقاومة الأبطال الذين يخوضون معركة اقتلاع الإرهاب في جرود عرسال والمناطق المتبقّية تحت سيطرة عصاباته التكفيريّة، بالتنسيق والتكامل مع أبطال الجيش اللبناني الساهر دائماً على حدود وأفق الوطن والمواطنين».
ورأت الهيئة «أنّ هذه المعركة لا تقلّ أهميّة عن معركة التحرير التي خاضتها وتخوضها المقاومة ضدّ الكيان الصهيوني وعدوانه الدائم على الأراضي اللبنانية.
وفي هذه المناسبة، دعت الهيئة جميع اللبنانيّين إلى «الوقوف إجلالاً أمام أرواح شهداء المقاومة والجيش اللبناني، والدعوة لجرحاهم بالشفاء العاجل وإعلان التضامن مع عائلاتهم وذويهم». كما دعت «الشعب اللبناني بكامل أطيافه للالتفاف حول جيشهم ومقاومتهم الباسلة حتى دحر جميع أنواع الإرهاب ومنظّماته التكفيريّة، وتحرير أرض لبنان من الاحتلال «الإسرائيلي» البغيض».
وناشد اللقاء التشاوري الوطني لعشائر وعائلات بعلبك الهرمل، في بيان، الأهالي، «الوقوف صفّاً واحداً في هذه المرحلة الحسّاسة التي يمرّ بها لبنان، وترسيخ أواصر المحبّة والعيش المشترك بين القرى المجاورة وبلدة عرسال، التي لطالما قاومت ضدّ الاحتلال الصهيوني وقدّمت الشهداء في سبيل الوطن»، داعياً إلى «تضافر الجهود والوقوف في وجه الفتن التي يسعى الأعداء لبثّها بين أهلنا ومنطقتنا». وطالب الجميع «بتحمّل المسؤولية والتحلّي بالحكمة، وبذل الجهد للحفاظ على خصوصيّة المنطقة بعائلاتها وعشائرها».
وحيّا اللقاء الجيش اللبناني والقوى الأمنيّة والمقاومة اللبنانيّة، معتبراً أنّهم «العمود الفقري لحماية لبنان من الأخطار التي تحيط به»، داعياً اللبنانيّين إلى الالتفاف حول جيشهم ودعمه في حربه ضدّ الإرهاب الذي لا دين ولا مذهب له.
واعتبر «أنّ النازحين السوريّين هم ضيوف وأخوة في لبنان ويجب عدم التعرّض لهم، وعلى النازحين احترام ومراعاة القوانين اللبنانيّة، وعلى الدولة اللبنانيّة واجب التعامل مع هذا الملف الذي أصبح عبئاً على كاهل اللبنانيّين بمسؤوليّة وجدّية، والتنسيق مع المعنيّين من أجل عودتهم سالمين إلى ديارهم».