عرسال تكشف جدوى الرئيس «القويّ»
روزانا رمّال
بتقدير أغلب الخبراء، هناك استحالة بأن يتمكّن حزب الله من خوض معركة كتلك التي يخوضها اليوم في جرود عرسال لو أن الظروف المحلية والسياسية بعيدة عن تلك التي يعيشها لبنان اليوم، وربما تكون هي أبرز أسباب تأخّر معركة جرود عرسال لثلاث سنوات بوجه الإرهاب، لأن مسألة الظهير الداخلي المحلي لحزب الله هي أكثر العناصر القادرة على التشويش على نشاطه وعرقلة مساره والقادرة على فتح جبهة مستنفرة داخلياً من أجل استهدافه إعلامياً وسياسياً. وهو بالغنى عنها في ظلّ المعركة الكبرى والدور الذي يخوضه في سورية.
يتبين ومن خلال المشهد السياسي الحالي في لبنان أن هذا الإجماع أو «ما يقاربه» تجاه إعطاء غطاء سياسي للجيش اللبناني للقيام بمهامه في جرود عرسال المحتلّة من جهة والتعايش مع مسألة قتال حزب الله وقيامه بالعملية الوازنة هناك ليس إلا وليد معارك حزب الله السياسية التي خاضها على مدى سنوات من أجل الوصول إلى هذا النهار.
هو النهار الذي يشرح أكثر جدوى الرئيس القوي ومعنى أن يتمسّك الحزب بمن يتوافق معه ومع نشاطه العسكري القائل بمكافحة الإرهاب من دون النأي بالنفس عنه. هو النهار الذي يشرح لبعض اللبنانيين ماذا يعني أن هناك ضرورة ماسة إلى أن يكون في قصر بعبدا بمثل الظروف التي تمرّ فيها المنطقة رئيس قوي للجمهورية.
القوى الكبرى وأبرزها روسيا التي باركت انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية على اعتبار أنه مرشح شريكها في الميدان «حزب الله»، كان نابعاً من مفهوم مماثل اقتضى برفع أولوية مكافحة الإرهاب إلى أعلى مستويات الدولة الروسية والتي تطلبت انسجاماً مع هذا، القدوم الى سورية بعديدها وعتادها مباشرة.
الأكيد أن حزب الله لم يكن لينجح في معركته السياسية محلياً لو أن الظروف في سورية كانت أصعب مما هي عليها اليوم. ففي الوقت الذي كان ينادي منذ عام 2013 بضرورة الوحدة ورفع الغطاء عن الإرهاب، كانت هناك معارضة داخلية قوية التواصل بالمشروع الغربي الخليجي، شديدة التمسك بإتمام كل ما ينجّح المهمة التي تصبّ بمجملها بتكبيل حزب الله وخياراته السياسية حتى أن الحكومة التي شكّلت في عهد الرئيس سليمان ببداية الأزمة كانت حكومة الرئيس تمام سلام التي وقّعت على «بياض» على مسألة تحييد لبنان ونأيه عما يجري بسورية كلياً.
معركة عرسال أجابت بشكل مباشر على اسئلة متعددة كانت مبهمة للبعض ومعروفة للبعض الآخر. وهي تتعلق بجدوى الرئيس القوي. وهذه العبارة التي روّج لها حزب الله وحلفاؤه على اعتبار انه رئيس يمثل شعبية مسيحية كبيرة عبر تياره تُضاف اليه التيارات الاخرى التي رشحته للمهمة، لكن معركة جرود عرسال أخذت المسألة نحو معاينتها من منظار آخر كشف صراحة ما هو الفارق بين رئاسة جمهورية بلا لون ورئاسة واضحة الأهداف.
ليست مناسبة للتصويب على العهد السابق، بالتأكيد لكنها مناسبة للقراءة السياسية البعيدة عن الإرباك الذي عايشه لبنان منذ ما بعد عام 2005، فرمادية موقف لبنان أوعزت للمسلحين بالعبور إليه لوجود تغطية سياسية أفردت مساحة من اهتماماتها الأمنية لمتابعة ما تحتاجة القوى المتخفّية ضمن حالات إنسانية والمتلطية وراء مخيمات النزوح وحاجياتها وما يفتحه هذا من تواصل مع قوى إقليمية من أجل الاستحصال على مساعدات كانت بالواقع مناسبة لاستقدام السلاح.
موقف الرئيس اللبناني ميشال عون الحاسم في ما يتعلق بضرورة الاقتصاص من الإرهاب والغطاء الذي منح لقيادة الجيش اللبناني جعل من عملية حزب الله أكثر زخماً وقوة ليلفت هنا تساؤلات البعض عن وجود الدولة في وقت لم تكن حاضرة يوماً بالشكل الذي حضرت فيه بعرسال، وبالشكل التي تحمّلت فيه مسؤولياتها تجاه منح الجيش غطاء للقيام بواجب تأخّر عنه أصلاً، وبمباركة فكرة التخلّص من الإرهاب بغض النظر عن المتطوّع هنا كجزء من الأرض اللبنانية التي لا يفترض ان تبقى بيد الإرهاب.
أجوبة كثيرة عن جدوى الرئيس القوي والتمسك فيه والابتعاد عن تكرار مسألة اختيار رئيساً وسطياً محايداً أجابت عليها ايادٍ عمّدت بالدماء واحتاجت الى من يرعاها ويشد عليها من اجل استكمال المعركة والانتصار. فكان رئيس الجمهورية الذي تحمل مسؤولياته بالكامل، بحيث يبدو عند عون ان مسألة الإنصات للتشويش وحملة النأي بالنفس المطلوبة غير واردة في مثل هذه الظروف الوطنية.
عملياً، كان هناك استحالة أن يتوجّه حزب الله نحو معارك مفصلية من هذا النوع، فيما لو كان المشهد السياسي المحلي متشنجاً، خصوصاً في ما يتعلق بالحذر من اشتباك سني – شيعي وانتقادات أخذ اليها في 7 أيار خسر من دون شك فيها شارعاً أساسياً من اللبنانيين، ليبدو اليوم الالتفاف حول عملياته بالقدر المطلوب وحده فتكفل بعدم أخذ المعارك الى وجهة طائفية فتنوية فتمّت العملية بسلاسة كبيرة وإنجازات استراتيجية.
تكفلت معركة جرود عرسال بالكشف عن جدوى التوافق السياسي الذي بدأه حزب الله وحلفاؤه بعد تقدمه ومحوره في سورية بوجه الارهاب وبعد صمود سورية الحليفة الاستراتيجية للحزب وشريكة إنجازاته. وتكفلت أيضاً بوضع النقاط على الحروف في ما يتعلق بضرورة أن يترأس الجمهورية اللبنانية رئيس قوي منبثق عن حالة شعبية قادرة على التأسيس لتحالفات سياسية تضمن دعمه بخياراته الوطنية والاستحقاقات المشابهة لهذه اللحظة اليوم وغداً وفي كل وقت، خصوصاً أن «إسرائيل» بخطرها، لا تزال أكثر ما يتهدد الأمن اللبناني وسيادته.