اقتتالنا على السماء أفقدنا الأرض… ووحدة الجيش والشعب والمقاومة أعادتها

اياد موصللي

المؤامرة التي تعرّضت لها الشام ولبنان والعراق.. ليست عملية سياسية ترمي إلى تغيير في نظام الحكم وإبدال الحكام.. وإنّما هي عملية جذرية متعدّدة الأهداف والأبعاد، أبسطُها تفتيت البلاد وتقسيمُها وفق خريطة «إسرائيلية» وضعت من ضمن المشروع الصهيوني وشاركت في تنفيذها دول أجنبية ودول «يعربية» بتخطيط فكري روحي عسكري.. فدور الأعراب كان تحضير مجموعات محاربة بعد بنائها نفسياً وفكرياً على أساس أنها الأداة التي سوف تطهّر البلاد الإسلامية من المنحرفين والمرتدّين وتعيد للدين رونقه ونقاءه.. حضّروا هذه المجموعات في مدارس دينية يمارس فيها رجال انتحلوا صفة العلماء.. وبذلك جهّزوا تلك الجيوش بعد ان أفسدوا نفوسها وسلّحوها ثم سرّبوها الى أهدافها لتلتحق مع مَن هم مِن الصنيعة نفسها من أبناء البلاد..

خططوا كلّ هذا بدعم مخابراتي من أميركا وبريطانيا و«إسرائيل» وبدأ نشر الأخبار والأقاويل وتسميم العقول بالإشاعات الباطلة. أشعلوا النفوس وقرعوا الناقوس وألهبوا البلاد ومارسوا كلّ أنواع القتل والتدمير تمهيداً لإشعال الفتن الطائفية والعرقية… في مصر مسلمين وأقباط، وفي العراق سنة وشيعة وعرب وأكراد، وفي الشام سنة وعلويون ودروز، وفي لبنان سنة وشيعة ومسيحيون…

حسبوا كلّ الحسابات، ولكنهم نسوا أنّ عرب هذه البلاد غير أولئك الأعراب…

ففي هذه البلاد تربية قومية تؤمن بالقول الواعي الصحيح.. كلنا مسلمون لرب العالمين منّا مَن أسلم لله بالقرآن ومنّا مَن أسلم لله بالإنجيل ومنّا مَن أسلم لله بالحكمة وليس لنا من عدو يقاتلنا في ديننا ووطننا إلا اليهود، وفيها شعب مؤمن بأنّ اقتتالنا على السماء يفقدنا الأرض ومن لا أرض له لا سماء له..

أشعلوا الفتنة التي اشتدّ لهيبها ودمارها، ولكن الوحدة الوطنية والقومية التي هي سمة من سمات شعبنا، أفشلت كلّ مخططاتهم لأنّ في الوحدة القومية تضمحلّ العصبيات المتنافرة وتنشأ الوحدة القومية التي تتكفّل بإنهاض الأمة.. في العراق تكوّنت قوى محاربة من العراقيين تؤازر الجيش وتحارب الإرهاب بأنواعه كلّها..

وفي الشام تحرّك الجيش والقوى الرديفة من المواطنين..

وفي لبنان كان الجيش والشعب والمقاومة.. وفشلت مخططات الأعداء عندما أثبت أبناء البلاد بإيمانهم ووعيهم انّ الحياة وقفة عز، فوقفوها ولم يخافوا الحرب، فخاضوها وانتصروا. ولو عدنا إلى ما كان قد وضع من مخططات لتقسيم البلاد وفق المشروع الصهيوني.. لوجدنا كم هو كبير هذا الانتصار ورائع بنتائجه..

ولنذكر ما قالته كونداليسا رايس وزيرة خارجية أميركا عام 2005 في كلمة ألقتها في جامعة القاهرة والتي أورد تحليلها الكاتب الأميركي جوناثان كوك في كتاب «إسرائيل وصراع الحضارات». قالت:

«على مدى 60 سنة ظلت بلادي، تسعى إلى تحقيق الاستقرار على حساب الديمقراطية في المنطقة هنا في الشرق الأوسط ولم نحقق أياً منهما. والآن ها نحن نتخذ مساراً مختلفاً». ويتابع المؤلف قائلاً: «في لغة واشنطن الجديدة، يجري استبدال الاستقرار الإقليمي بسلسلة من الثورات الديمقراطية. وتلك هي الرسالة المطلوب نشرها لإضفاء الشرعية على الأهداف التي يسعى اليها بوش من حربه على الإرهاب، أمّا نتيجة إنهاء الاستقرار المفروض في الشرق الأوسط، فقد كانت معروفة ومتوقعة، وهي الحرب الأهلية والعنف الطائفي.. وتمزيق البلاد، كما هي الحال في العراق، التي تطمح واشنطن وتل أبيب الى تعميمها لتصبح نموذج التغيير في المنطقة.

وأما التحديد الآخر فقد أشار إليه الكاتب الصهيوني بينون فقال: «إنّ التفسّخ التامّ في لبنان إلى خمس حكومات محلية إقليمية يشكل سابقة للعالم العربي كله، بما فيه مصر وسورية والعراق وشبه الجزيرة العربية، بطريقة مماثلة. ويشكل تفتيت مصر، والعراق من بعدها، إلى مناطق ذات أقليات اثنية ودينية على غرار لبنان، الهدف «الإسرائيلي» على المدى البعيد، على الجبهة الشرقية. وإضعاف هذه الدول عسكرياً حالياً هو الهدف على المدى القريب. وسوف تتفتت سورية الى دويلات عديدة وفق تركيبها الاثني والطائفي، كما يحدث في لبنان اليوم. وفي النتيجة ستكون هنالك دولة شيعية علوية، وستكون منطقة حلب دولة سنية، ومنطقة دمشق دولة أخرى معادية للدولة الشمالية… وتقسيم العراق أهمّ من تقسيم سورية. فالعراق أقوى من سورية، وتشكل قوة العراق على المدى البعيد الخطر الأكبر على «إسرائيل».. ويمكن تقسيم العراق على أسس إقليمية وطائفية على غرار سورية في العهد العثماني. وستكون هنالك ثلاث دول حول المدن الرئيسية الثلاث: البصرة، وبغداد والموصل، بينما ستكون المناطق الشيعية في الجنوب منفصلة عن الشمال السني الكردي في معظمه».

هذا هو موجز ما حلمت به «إسرائيل» عندما رسمت خارطة «الشرق الأوسط الجديد»… حلم بدّده وعي شعبنا في مختلف كياناته وانتصرت الحقيقة القومية في الشام والعراق ولبنان، وتحقق القول بالفعل إنّ فيكم قوة لو فعلت لغيّرت مجرى التاريخ..

ونحن نشاهد اليوم فصلاً من فصول هذه القوة في منطقة عرسال في لبنان. أما الجعجعة التي تهدر بلا فعل ولا طحن، فهي وليدة فشل الذين بنوا أحلامهم ووجودهم على الأجنبي..

بعد كلّ هذا نعود لما قاله أنطون سعاده: «إننا لا نريد الاعتداء على أحد، ولكننا نأبى أن نكون طعاماً لأمم أخرى، إننا نريد حقوقنا كاملة ونريد مساواتنا مع المتصارعين لنشترك في إقامة السلام الذي نرضى به، وإنني أدعو اللبنانيين والشاميين والعراقيين والفلسطينيين والأردنيين إلى مؤتمر مستعجل تقرّر فيه الأمة إرادتها وخطتها العملية في صدد فلسطين وتجاه الأخطار الخارجية جميعها، وكلّ أمة ودولة إذا لم يكن لها ضمان من نفسها من قوتها هي فلا ضمان لها بالحياة على الإطلاق.

يجب أن نعارك يجب أن نصارع، يجب أن نحارب ليثبت حقنا. وإذا تنازلنا عن حق العراك والصراع تنازلنا عن الحق وذهب حقنا باطلاً، عوا مهمتكم بكامل خطورتها ولا تخافوا الحرب بل خافوا الفشل».

فتحية إلى أبناء أمتي وهم يقفون وقفة العز يجابهون عدواً تكفيرياً متآمراً هداماً يقدمون الجهد والروح… الجيش في خنادقه خلف بنادقه، والمجاهدون خلف المتاريس يقاتلون قتال إبادة منصورين ضدّ طغاة عملاء مدحورين، مجاهدون آمنوا أن مَن تقاعس عن الجهاد، مهما كان شأنه، فقد آخّر في سير الجهاد..

يا جيش بلادي إيماني بك ملتحف إيماني بالوطن فأنت ترسه وسيفه وأنت المؤمن بأنّ كلّ ما فيك هو من أمتك.. ولها حتى الدماء التي تجري في عروقك هي وديعة الأمة فيك متى طلبتها وجدتها.. احترفت سخاء العطاء فنلت الحب والولاء..

وأنت أيها المجاهد المقاتل سعيت وراء الشهادة وقدّمت الدماء وكانت دماؤك أزكى روافد الحياة، سحقت الأوغاد في السهول والقمم والوهاد، حميت الأرض والعرض وصنت الحدود وذخر الجدود… وسحقت عدواناً آثماً وألحقته بقوم عاد وثمود… أنتم والجيش حققتم لنا اليوم الموعود وبصمت بالإبهام على جبين الدنيا، بأننا شعب حرّ موجود شعاره «الحياة وقفة عز فقط»…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى