«نصرالله – الحريري»: رسائل متبادلة والأخير «اجتاز» الاختبار الأصعب
روزانا رمّال
هي المسؤولية التي اعتاد عليها أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله في تقديم إنجازات حزبه ففي الوقت الذي يستعيد فيه مقاتلو حزب الله في جرود عرسال المساحة التي احتلتها الجماعات الارهابية وابرزها جبهة النصرة، وفي الوقت الذي يفترض فيه وضع النقاط على الحروف احتساباً لتضحيات الشهداء ومواقف الجمهور المؤيدة لنشاط حزب الله، يقف نصرالله أمام حرص لافت يحيط به رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري والوفد اللبناني الذي يزور واشنطن للقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب للمرة الأولى الامر الذي يكشف طبيعة العلاقة التي تجمع الطرفين والاهم توضح ما كان قد اتفق عليه تيار المستقبل وحزب الله في الاتفاق على «الاختلاف» في الامور الخارجية مع إقدام وتعاون في الامور والملفات المحلية.
الجزء الذي يعني السياسة المحلية من خطاب نصرالله ويكشف عن بوصلة المرحلة المقبلة يشرحه موقف رئيس الحكومة سعد الحريري الذي تحدّث فيه لدى مشاركته في حوار دعاه إليه معهد كارنيغي Carnegie ، حيث قال «إذا سألتموني إن كنت راضياً عما يقوم به حزب الله الآن في عرسال أقول لا، وكنت أفضّل ان يقوم الجيش بهذه المهمة، لكننا في لبنان اتفقنا على إبقاء المواضيع الخلافية جانباً من اجل مصلحة البلد».
تصف أوساط متابعة لـ»البناء» موقف الحريري هذا بالبعيد كل البعد عن التصعيد، وبأنه بقي ضمن اطار الاتفاق الذي تم بين حارة حريك وبيت الوسط الذي تقدم خلال شهر رمضان الماضي، حيث كانت للسيد نادر الحريري مستشار رئيس الوزراء لقاءات منتجة مع مسؤولين كبار في حزب الله تمّ التنسيق خلالها على نقاط متعدّدة توالت بعدها الاتفاقات بين باقي الأفرقاء. وكان قانون الانتخاب الجديد ثمرة هذا التوافق، تضيف الأوساط «كل شيء يسير في لبنان اليوم ضمن هذه المعادلة التي توافق عليها الحريري نصرالله عبر مساعديهما السياسيين وهي تتمثل بالاتفاق على إبقاء الخلافات في الملفات الخارجية جانباً قدر الإمكان. وهو من دون شك اتفاق إطار شامل تعهّد فيها الحريري الذي يعرف تماماً أن الطريق طويل وأنه بحاجة لهذا التعاون مع حزب الله ولرسم خريطة واضحة كي لا تتأثر عودته لترؤس الحكومة سلباً بعد الانتخابات النيابية المفترضة. وتختم الاوساط لـ»البناء «لقد نجح هذا الاتفاق بأصعب امتحان حيث نجا من أخطار «الفسخ» أو الاختلال واذا كان هذا التوافق قد بقي صامداً من قلب واشنطن، فإنه لن يكون هناك وبدون أدنى شك امتحان أكثر إحراجاً للحريري في القريب العاجل».
وبالعودة لخطاب امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله أمس، فإن رد الرسالة للحريري جاء بعنوان عريض وصريح فنصرالله الذي لديه الكثير ليحكيه عن تهديدات الرئيس الأميركي دونالد ترامب وحتى مسألة العقوبات المالية على حزب الله، حرص أن لا يهدم معادلة أرخت هدوءاً سياسياً واضحاً، وكشف بذلك انه معني بالمساهمة بإنجاح زيارة الحريري وفريقه الى واشنطن أيضاً. وهي اشارات لافتة بين الطرفين.
كلام الحريري الذي «كسرها وجبرها» من قلب واشنطن عن معركة جرود عرسال أوضح موقف تيار المستقبل الحقيقي برأس هرمه، أي الحريري نفسه، حيث الرغبة بعدم التفريط بالمعادلة السياسية الحالية، ولا حتى العودة الى الوراء. وهو الأمر الذي يؤكد قناعة الحريري بأن مسألة التسلح بمواقف قديمة كدعم حزب الله للنظام السوري أو تنفيذه لأجندة إيرانية بغرض الحشد الطائفي لم تعد منتجة أو ممكنة، بعدما تغيرت الظروف، خصوصاً أن مسألة التحريض في لبنان او اعتباره ساحة اشتباك لم تعُد موضوعة على جدول اعمال الدول الكبرى، لا بل باتت الدول المعنية موافقة على اعتبار لبنان ساحة خاسرة بوجود نفوذ حزب الله «الطاغي» أو الواضح، منذ ما بعد انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية.
من جهته بدا نصرالله شديد الحرص على أهمية الحفاظ على الانتصار الذي كلّف تضحيات جسام بالنسبة للحزب، لكنه أيضاً أوصل لنصر «كبير جداً وهام جداً»، حسب وصف السيد نصرالله، ومسألة الردّ والردّ على الردّ ليست واردة فأحداً لا يريد تسخيف هذا الانتصار بالمهاترات السياسية المحلية.
حرص متبادل يطمئن الى حد كافٍ للمرحلة المقبلة والى وضع جيد يحيط بكل من تيار المستقبل وحزب الله. وهو الأمر الذي بدأ ينعكس إيجابياً على الساحتين السنية التي حرص نصرالله في خطابه على وصفها بأكثر مَن تحمّل الظلم وبين الطائفة الشيعية التي بدت اليوم بعيون فئة كبيرة جداً من اللبنانيين الطائفة التي قدّمت الدماء وبذلت التضحيات الى جانب الجيش اللبناني من أجل حماية لبنان من الأخطار التي اجتاحت أغلب الدول العربية المجاورة.
يعود الحريري الى لبنان بصفر مشاكل وبزيارة بعيدة عن أي محطات الإحراج، رغم دقة الظرف الذي يسجل فيه للحريري ضبط النفس باتجاه أصوات من داخل تياره تريد حرف الانظار عن الجو التوافقي في البلاد، خصوصاً بين المستقبل وحزب الله. وهي أصوات باتت اليوم محرجة للحريري او بالحد الأدنى معلنة ان هناك خلافات حادة بالرؤى داخل تيار المستقبل على ملفات مصيرية من هذا النوع سيكون من الأجدر على الحريري حلّها قبل اقتراب الاستحقاق الانتخابي.