هل من أفق سياسي أمام الفلسطينيين في المواجهة المتصاعدة حول المسجد الأقصى؟
د. عصام نعمان
بعدما رضخت «إسرائيل» للاعتراضات والضغوط الشعبية المقدسية خاصةً والفلسطينية عامةً، وأعادت الوضع في المسجد الأقصى إلى ما كان عليه قبل 14 تموز/ يوليو الماضي، هل يحقق الفلسطينيون نتيجَة ذلك اختراقاً سياسياً يخدم قضية فلسطين المتعثرة؟
إنّ الإجابة عن السؤال تستوجب عرض ما يريده طرفا الصراع المحتدم بعد أسبوعين على اندلاعه.
الفلسطينيون حيال الأزمة – التحدّي فئتان: الأولى تتمثل في منظمة التحرير والسلطة اللتين تقودهما حركة «فتح» برئاسة محمود عباس. لعلّ ما أعلنه السفير الفلسطيني رياض منصور في مجلس الأمن الدولي يمثّل موقف هذه الفئة ومطالبها:
ـ إنهاء انتهاكات «إسرائيل» لحرية المصلّين في ممارسة شعائرهم الدينية في المسجد الأقصى.
ـ إزالة البوابات الالكترونية وكاميرات المراقبة وكلّ المعوقات الأخرى التي وضعتها «إسرائيل» على مداخل المسجد وحوله.
ـ الحفاظ على الوضع القائم في المسجد قبل أحداث 14 تموز/ يوليو الماضي.
ـ إيجاد ضمانات لعدم تكرار «إسرائيل» هذه الانتهاكات.
الى ذلك قطع محمود عباس اتصالات السلطة مع حكومة «إسرائيل» وجمّد التنسيق الأمني معها.
الفئة الثانية من الفلسطينيين، وقوامها الفصائل المتشدّدة المعارضة لمحمود عباس وسلطته، اعتبرت مطالب الفئة الأولى حدّاً أدنى لا يمكن التراجع الى ما هو أدنى منه. غير أنها أرفقت موقفها العلني هذا بموقف آخر ضمني قوامه تأجيج غضب الوسط الشعبي، أفراداً وجماعات، والعمل على تطويره باتجاهين: تسريع وتيرة استعادة الوحدة الوطنية، وتطوير التحركات الجماهيرية الى هبّة أو انتفاضة شعبية تشمل أرجاء الوطن المحتل كلّه.
رفضت «إسرائيل»، بادئ الأمر، مطالب الفلسطينيين المعلنة والمضمرة وقامت، مباشرةً ومداورةً، بإجراء دراسات واتصالات لإيجاد بدائل مما أقامته من عوائق وترتيبات أمنية على مداخل المسجد الأقصى مع الحرص على عدم الظهور بمظهر المنكسر أمام غضبة الشعب الفلسطيني.
كِلا الطرفين، الفلسطيني و«الإسرائيلي»، يجد نفسه، لدوافع مختلفة، غير قادر على التراجع. عباس وفريقه يجد، إزاء هبّة الشعب الجارفة في الضفة وغزة ناهيك عن مناطق فلسطين 1948 وحيال صلف حكومة نتنياهو وإيغالها في توسيع مناطق الاستيطان بقصد جعل مشروع الدولتين غير ذي موضوع وبالتالي تعطيل المفاوضات، يجد صعوبة بالغة في تجاوز غضبة الشعب ضدّ منتهكي مقدسات فلسطين ورموزها الوطنية والدينية. ولعله يجد في التماهي مع غضبة الشعب الشاملة تعويضاً مناسباً لشخصه بعد تراجع مكانته السياسية وضمور شعبيته نتيجةَ الاستمرار في تعاطيه اللامجدي مع «إسرائيل». غير أنه أبقى، مع ذلك، باباً خلفياً مفتوحاً مع حكومة نتنياهو بقوله إن لا سبيل إلى إعادة التواصل مع السلطات «الإسرائيلية» ومعاودة التنسيق الأمني معها إلاّ بعد إعادة وضع المسجد الأقصى إلى ما كان عليه قبل أحداث 14 تموز الماضي.
نتنياهو بدا، ظاهراً، غير مستعدّ للتراجع لسببين: الأول، خوفه على حكومته إذا ما أدّى ايّ تراجع يُقدم عليه الى إغضاب المستوطنين وسائر قوى اليمين المتطرف ما يؤدّي الى سقوط حكومته. الثاني، إنّ أيّ تراجع سيفسّره «الإسرائيليون» والعرب والعالم بأنه انكسار أمام الفلسطينيين وأنه ضربة قاتلة لهدف استراتيجي بالغ الأهمية في نظره ونظر حكومته الائتلافية، هو فرض سيادة «إسرائيل» على المسجد الأقصى.
بعدما تحركت قوى عربية وإقليمية ودولية لإيجاد مخرج من الأزمة المتصاعدة يحفظ ماء الوجه لكِلا الطرفين، لاحظ مراقبون متبصّرون أمراً لافتاً: إمساك المتشدّدين الفلسطينيين تصاعدياً بقوى الشارع ونزوعهم الى رفض أيّ تسويات مُذِلّة تزيد الناس حبوطاً وهبوطاً، وسيطرة المستوطنين المتطرفين على نتنياهو وحكومته ما جعل القبول بوقف الاستيطان كمدخلٍ لعودة المفاوضات حول مشروع الدولتين أمراً شبه مستحيل.
في وضعٍ متفجر ومرشح لمزيد من الاضطراب والإلتهاب، لن يجد الفلسطينيـون «المعتدلون» أمثال محمود عباس أفقاً للصراع القائم يتيح لهم تحقيق خرق سياسي ذي جدوى، في حين يجد الفلسطينيون الغاضبون، ولا سيمـا المؤمنين بخيار المقاومــة، أن الفرصة مؤاتية لممارسة جهود أفعل بين الفلسطينييـن انفسهـم في الوطن والشتات للدفع باتجاه هدفين استراتيجيين: تسريع وتيرة استعادة الوحدة الوطنية، وتوفير متطلبات المقاومة الشعبية وممارستهــا بفعالية ونَفَس طويل بالوسائل المتاحة كلها وفي أرجاء الوطن المحتل كلـه والشتات، بغية إكراه حكومة «اسرائيل» العنصريـة على وقف عمليات الاستيطان نهائياً والرضوخ لمقتضيات مرحلة مغايرة فــي تاريخ الصراع قوامها الإقرار بحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للإلغاء وفي مقدّمها الحق في تقرير المصير.
وزير سابق