ولأن في التاريخ بدايات المستقبل…

ولأن في التاريخ بدايات المستقبل…

تُخصّصُ هذه الصفحة صبيحة كل يوم سبت، لتحتضنَ محطات لامعات من تاريخ الحزب السوري القومي الاجتماعي، صنعها قوميون اجتماعيون في مراحل صعبة من مسار الحزب، فأضافوا عبرها إلى تراث حزبهم وتاريخه التماعات نضالية هي خطوات راسخات على طريق النصر العظيم.

وحتى يبقى المستقبل في دائرة رؤيتنا، يجب أن لا يسقط من تاريخنا تفصيل واحد، ذلك أننا كأمّة، استمرار مادي روحي راح يتدفق منذ ما قبل التاريخ الجلي، وبالتالي فإن إبراز محطات الحزب النضالية، هو في الوقت عينه تأكيد وحدة الوجود القومي منذ انبثاقه وإلى أن تنطفئ الشمس.

كتابة تاريخنا مهمة بحجم الأمة.

إعداد: لبيب ناصيف

الحزب في الوطن بغياب سعاده 2

يقول الرفيق إبراهيم يموت في كتابه الحصاد المر أنه في أثناء غيابه في السجن تألفت لجنة في بيروت من الأمين فؤاد أبو عجرم والرفقاء أديب قدورة الأمين لاحقاً وشفيق نقاش وادمون الشويري ومحي الدين سنو وغيرهم، انيط بها الإشراف على العمل الحزبي.

– في هذه الأثناء كانت السلطات الفرنسية التي باتت مرتبطة بحكومة فيشي الموالية لألمانيا تتفاوض مع الأمين نعمة ثابت لقاء أن يتمّ التعاون ضد الفرنسيين الديغوليين نسبة إلى الجنرال شارل ديغول الذي كان يقود حركة فرنسا الحرة ضد الاحتلال الألماني لها الذين كانوا يتأهبون مع القوات البريطانية في فلسطين للزحف باتجاه لبنان.

– بقي الوضع الحزبي على حاله: مسؤولون ورفقاء قيد الاعتقال ومسؤولون ورفقاء يتولون العمل الحزبي 1 في 8 حزيران 1941 أغارت الطائرات البريطانية على بيروت، وفي العاشر منه تقدمت جيوش الحلفاء التي كانت دخلت الجنوب اللبناني من فلسطين باتجاه العاصمة بيروت، وفي 11 حزيران 1941 أطلق سراح القوميين الاجتماعيين.

وفي هذا الصدد يقول الرفيق إبراهيم يموت 2 « كان من أسباب الإفراج عنا قبل انقضاء الأحكام هو أن الفرنسيين أرادوا رفع المسؤولية عنهم بعد أن اشتد ضرب القنابل من الطائرات البريطانية ونحن في السجن»، ثم يضيف 3 : « أن الرئيس ثابت أخبرنا أن قضية العفو عنا كانت بمبادرة شخصية من الجنرال الفرنسي».

– ما إن خرج الرفقاء من السجون حتى عادوا إلى نشاطهم الحزبي، واعادوا تنظيم الفروع. على صعيد منفذية بيروت تعيّن الرفيق زكريا لبابيدي منفذاً عاماً، والرفقاء إبراهيم يموت ناموساً، ادمون شويري للمالية، شفيق نقاش للإذاعة، وفكتور أسعد للتدريب 4 .

– كانت الطائرات البريطانية تقصف وتقوم بغارات، وقوات الحلفاء تتقدم وصولاً إلى الدامور. عرفت بيروت الملاجئ، والدمار.

– بعد دخول القوات البريطانية والفرنسية الحرة إلى بيروت لم يتصرف الفرنسيون «الأحرار» خلاف من سبقهم، فراحوا يعتقلون القوميين الاجتماعيين بدءاً من أواخر أيلول 1941 5 ويسوقونهم إلى سجن القلعة قبل نقلهم إلى منطقة «المية ومية» شرقي صيدا حيث حوّل الفرنسيون مدرسة تابعة لإحدى الإرساليات الأجنبية إلى معتقل للسجناء السياسيين من لبنان والشام.

– تمكن الأمين عبد الله قبرصي من الإفلات من الاعتقال، وأمكنه الوصول ـ كما الأمين جبران جريج في مرحلة سابقة ـ إلى بتعبورة 6 لتتحول البلدة الوفية لتعاليم النهضة القومية الاجتماعية مرة جديدة إلى ما يشبه مركزاً للحزب.

بدأت هذه المرحلة في 9 تشرين أول 1941 مع الأمين قبرصي. في أحد أيام كانون أول 1941، وإلا أواخر

تشرين الثاني 7 وصل الرفيق جورج عبد المسيح بعد أن قطع الجبال والأودية سيراً على الأقدام. انضم إليهما

الرفيق نهاد ملحم حنا الذي راح ينقل الأوامر والتعليمات إلى سائر فروع الشمال وأحياناً إلى بيروت والمتن 8 .

– عن تلك المرحلة يفيد الأمين قبرصي 9 «كانت لقاءات مستمرة مع القيادات الحزبية في العلويين والشام وطرابلس وكل الشمال. لم يكن بالإمكان الاتصال بفروع المتن والشوف التي كان يتولاها من هم خارج القفص من رفقائنا القياديين كحسن الطويل وكامل ورفيق أبو كامل وسواهم.

– في 2 تشرين الثاني 1942 وبعد مفاوضات عبر صديق استسلم الأمين قبرصي إلى السلطات الفرنسية بعد أن راحت المداهمات وتسيير قوى الأمن إلى قرى منطقة القويطع تتواصل وتتكثف، ابتداءً من شهر أيلول 1942.

وكان الرفيق جورج عبد المسيح اضطر للرحيل فبقي الأمين عبد الله قبرصي وحيداً يتنقل بين قرى القويطع والبترون إلى أن استسلم، فاقتيد إلى «المية ومية» لينضم إلى رفقائه فيها.

يتألف المعتقل من بناء رئيسي يشتمل على عدة طوابق، وعلى بيوت متفرقة، وحول البناء ملاعب لكرة السلة والكرة الطائرة وملعب كبير لكرة القدم وأراضي مزروعة بالزيتون وأشجار السرو والشربين. خصصت البيوت عند مدخل المعتقل لعائلات الضباط المشرفين على المعتقل، أما الأبنية الصغيرة المجاورة للبناء الرئيسي، فقد خصصت واحدة منها للمعتقلين المتزوجين وعائلاتهم، وبناية أخرى للنساء المعتقلات العازبات.

ألحق بالمعتقل مبنى من الاترنيت وكذلك مخزن كبير وبيوت من التنك ليستعملها المعتقلون للغسيل والاستحمام.

في كل بناء من أبنية المعتقل مطبخ ومستودع للمونة. لا وقت محدد للنوم ولا للنهوض، يدعى المعتقلون مرة كل صباح ليتفقدهم آمر المعتقل في الساحة العامة، وينادى على كل معتقل باسمه، ينقسم المعتقلون إلى وحدات تهتم كل وحدة بتنظيم مطبخ خاص بها، تعطى المواد الأولية بنسب معينة، لكل معتقل حصته اليومية أو الأسبوعية، ويشرف على مستودع الإعاشة والمستشفى معتقلون يعينون بالتراضي من بين الإداريين وأصحاب الاختصاص، يحصل القوميون على إعاشتهم كمجموع ولهم مطبخهم الخاص، ويتبرع القادرون منهم بمبالغ شهرية تساعد على تحسين نوعية الطعام. يسمح للمعتقلين بشراء مواد غذائية إضافية من دكان ملاصق للمعتقل، كما يشترون من الدكان أغراضاً وأدوات يحتاجون إليها. تعرض الجرائد والمجلات يومياً للبيع، خصص المعتقلون مكاناً للحلاقة وآخر للخياطة والكوي، ويتمتع المعتقلون بحرية اقتناء الراديو وآلات الموسيقى.

كان عدد المعتقلين يتراوح في البناء المخصص للرجال بين الماية والخمسين والمايتين بمن فيهم القوميون الذين كان عددهم بين الأربعين والستين. العدد يتغير من يوم ليوم بفعل حركة القادمين والخارجين.

مرّ على المعتقل رجال معروفون أمثال عارف النكدي، عبد الله المشنوق، زهير عسيران، سعيد سربية، الأمير نهاد أرسلان، معروف سعد، علي ناصر الدين، ناظم القادري وغيرهم. ومن الشام قادة معروفون ايضاً: رشاد برمدا، أحمد قنبر، د. عاطف الغوري، الشيخ مصطفى السباعي الخ..

نظم المعتقلون فرقاً لكرة القدم والكرة الطائرة، كانت هذه الأخيرة هي اللعبة المفضلة وتقام لها المباريات الدورية. لم ينعزل القوميون عن غيرهم في الحياة الاجتماعية أو الرياضية. كانت فرقهم الرياضية مفتوحة للغير، وكذلك المطبخ الخاص بهم.

الحياة اليومية للقوميين منتظمة. كان على رأسهم مسؤول إداري هو مرجعهم في كل شيء. قبل مطلع العام 1942 كان الرفيق وليم سابا هو المسؤول، ثم تعاقب على المسؤولية كل من الأمناء أنيس فاخوري، مأمون أياس وفؤاد ابو عجرم، ويصير تعيين هؤلاء من قبل الرئيس نعمة ثابت، أكان خارج المعتقل أم داخله.

إلى معتقل المية ومية كان ينقل العديد من القوميين الاجتماعيين فيقضون فترات معينة، قد تقصر أو تطول 10 .

الأمين ابراهيم يموت

يروي الأمين إبراهيم يموت في كتابه «الحصاد المر» أنه: «يوم الثالث والعشرين من شباط 1942 جاء من سجن القلعة العسكري نعمة ثابت، مأمون أياس، جبران جريج، زكريا لبابيدي، فارس معلولي وعجاج المهتار. استقبلنا الرئيس ثابت وصحبه عند الباب استقبالاً رسمياً واُديت لهم التحية». ويضيف: « أقمنا احتفالاً ليلة الأول من آذار 1942 دعي إليه الأصدقاء من المعتقلين. كان عريف الاحتفال مأمون أياس وألقى الرئيس ثابت خطبة ارتجالية عن تاريخ الحزب، وأنشدت فرقة الإنشاد بعض الأناشيد. وزع الشاي والحلوى ثم قام البعض إلى رقص الدبكة «.

في الرابع من كانون الأول 1942 أبعد إلى سجن راشيا كل من نعمة ثابت، مأمون أياس، أنيس فاخوري، جبران جريج وزكريا لبابيدي، حيث التقوا فيه بعض القوميين الاجتماعيين. إلا أن الاتصال بين معتقل المية ومية وسجن راشيا لم ينقطع، فقد استمر بواسطة البريد العادي، كما بواسطة الرسل من مأموري السجن وأفراد الدرك والأمن العام الذي كان بينهم أصدقاء ورفقاء.

استمرت حياة المعتقل خلال عام 1943 رتيبة، الوافدون قليلون، والخارجون قليلون. إلى أن اندلعت معركة الاستقلال في تشرين الثاني من العام 1943.

معركة الاستقلال

معركة الاستقلال بدأت فعلياً في 11 تشرين الثاني 1943 وإن كانت مقدماتها بدأت في 8 منه عندما انعقد مجلس النواب للنظر في تعديل الدستور والاقتراع على مشروع أعده مجلس الوزراء قبل ثلاثة أيام مضمونه إلغاء جميع المواد المتعلقة بالانتداب الفرنسي وصلاحيات المفوض السامي وكل ما يتصل به، وجعل اللغة العربية وحدها لغة لبنان الرسمية، تمّ ذلك رغم احتجاجات المتفرنسين وعلى رأسهم النائب اميل اده.

كان من جراء ذلك أن اعتقلت السلطات الفرنسية كلاً من رئيسي الجمهورية والحكومة، بشارة الخوري ورياض الصلح، الوزراء كميل شمعون، عادل عسيران، وسليم تقلا والنائب عبد الحميد كرامي، واقتادتهم إلى قلعة راشيا، فيما تمكن الوزيران مجيد أرسلان وحبيب أبو شهلا من الوصول إلى بشامون بعد أن ترك الرقيب في الدرك، الرفيق أديب البعيني مركزه في جرود عكار وأتى إلى بيروت يصطحب الوزيرين إلى حيث يمكن أن تتأمن لهما الحماية. ولاحقاً وصل إلى بشامون رئيس المجلس النيابي صبري حمادة.

إلى بشامون وعين عنوب تقاطر المئات من أبناء منطقة الغرب وجوارها، ومنهم القوميون الاجتماعيون الذين كان لهم حضورهم البارز في الحرس الوطني، الذي كانت قيادته الميدانية بعهدة الرفيق أديب البعيني، وفي التصدي للقوات الفرنسية عندما تقدمت محاولة الوصول إلى بشامون واعتقال رجال الحكومة المؤقتة. عند مثلث الطرق الذي يربط بشامون إلى عين عنوب وعيناب كان يقف الرفيق سعيد فخر الدين ورفقاؤه والمواطنون الذين كانوا لبوا نداء الواجب.

لم ترهب المصفحات الرفيق فخر الدين ولم تثنه الرشاشات الثقيلة تطلق الرصاص، بل اندفع من وراء متراسه يلقي قنبلة على المصفحة، فإذا بضابط فرنسي يرديه من رشاشه ليسقط مضرجاً بدمائه شهيداً وحيداً في معركة التصدي، والدفاع عن معقل الاستقلال.

أما في راشيا، التي كان نقل إليها أمناء ورفقاء من معتقل المية ومية، فقد قام الرفقاء أنيس فاخوري، جبران جريج الأمينان لاحقاً وزكريا لبابيدي بدور هام إزاء «رجالات الاستقلال» الذين كانوا اقتيدوا في 11 تشرين الثاني إلى معتقل راشيا، وخاصة الرفيق جبران جريج الذي أمكنه بفضل توليه لمهمة مسك دفاتر حسابات المعتقلين، أن يؤمن الاتصال برجال الحكم المعتقلين، وينقل لهم أخبار الانتفاضات والإضرابات في الخارج، فتقوى عزائمهم وترتفع معنوياتهم شبه المنهارة 11 .

وفي بيروت شارك الرفقاء والرفيقات في المظاهرات التي اندلعت إثر الاعتقالات التي طالت رجال الحكم فسقط منهم جرحى الرفيقان ادمون كنعان الأمين لاحقاً ووفيق عضاضة.

بعد ما يناهز الخمسة أشهر، سقط الدركي الرفيق حسن عبد الساتر شهيداً عند البرلمان اللبناني دفاعاً عنه عندما تعرّض لهجوم أنصار السياسة الفرنسية محاولين إنزال العلم اللبناني عن قبة البرلمان ورفع العلم السابق الذي كان قائماً أيام الانتداب العلم الفرنسي وفي وسطه أرزة 12 .

معركة الجلاء

صحيح أن لبنان، والشام نالا استقلالهما 13 إلا أن فرنسا كانت حريصة على إبقاء نفوذها وأن يكون لجيشها قواعد له في كلا البلدين فراحت تماطل في تسليم صلاحيات الاستقلال، وفي عدادها الجيش اللبناني ـ الشامي الموضوع تحت القيادة الفرنسية، ثم تمسكت بضرورة عقد معاهدة قبل تسليم الجيش.

كانت أول بادرة استفزازية قام بها الفرنسيون، في الوقت الذي كانت الحرب قد توقفت في أوروبا، إرسال 800 جندي من الجيوش السنغالية وفي 17 منه، 1500 جندي آخرين.

لم يكد يمضي يوم واحد على وصول الدفعة الثانية حتى سلم الجنرال الفرنسي بينه مذكرة باسم حكومته إلى وزيري خارجية لبنان والشام في اجتماع ثلاثي عقد في دمشق في 18 أيار، تحدثت عن مصالح فرنسا الثقافية والاقتصادية والاستراتيجية، وجاء فيها: « أما الأوضاع الاستراتيجية فتتضمن قواعد تمكن من ضمانة طرق مواصلات فرنسا وممتلكاتها فيما وراء البحار. وعندما يتم التفاهم على هذه النقاط توافق الحكومة الفرنسية على نقل القطعات الخاصة إلى الدولتين مع الاحتفاظ بإبقاء هذه الجيوش تحت القيادة العليا الفرنسية ما دامت الظروف لا تسمح بممارسة القيادة الوطنية ممارسة تامة «.

ما إن تسرّبت المعلومات عن المذكرة حتى قام الشعب يعلن الإضراب في المدن، فأقفلت مدينة بيروت وكثير من المدن الشامية. أما الحكومتان اللبنانية والشامية فقد قررتا بعد مؤتمر عقد في شتورة وحضره رئيسا الجمهوريتين وأعضاء الحكومتين، قطع المفاوضات مع فرنسا وكان الإضراب مستمراً ومتزايداً في حدته فوقعت اصطدامات دامية في دمشق بين الطلاب والجنود الفرنسيين كما اختلّ الأمن في حلب فوقع قتلى وجرحى من الفريقين.

تلك كانت بداية الأزمة بين فرنسا وكل من لبنان والشام والتي انتهت لاحقاً برضوخ فرنسا لمطالب الشعب الواحد في دولتيه، تحت ضغط المواجهات التي اندلعت في الكثير من المناطق، كما لتدّخل بريطانيا وتوجيهها بلسان رئيس وزرائها «تشرشل» رسالة إلى الجنرال «ديغول» تطلب منه فيها أن يأمر حالاً قواته بالانسحاب إلى ثكناتها ويبلغه أنه أصدر أمراً إلى القائد العام البريطاني في الشرق الأوسط أن يتدخل لسفك الدماء.

ولم يقتصر التحرك البريطاني على المذكرة، إنما أعطيت التعليمات للقائد العام للتدخل بقصد إعادة النظام إلى نصابه، وتنفيذاً لهذه الأوامر احتلت القوات البريطانية المراكز الكبرى التي جرى القتال فيها.

تلك الأزمة استمرت خلال شهري أيار وحزيران عام 1945، وهي فترة شهدت الكثير من الاتصالات الدبلوماسية، من اللقاءات اللبنانية الشامية على مستوى الحكومتين، كما تحركاً شعبياً في الكثير من المناطق الشامية التي تعرّضت إلى قصف عنيف أسفر عن دمار وخراب، والتي شهدت معارك ومواجهات سقط فيها العديد من القتلى والجرحى في الجانبين.

وكما أن القوميين الاجتماعيين، لم يقفوا في لبنان مكتوفي الأيدي في معركة الاستقلال في تشرين الثاني 1943، فرفقاؤهم في الشام شاركوا بفعالية في المواجهات التي اندلعت، وفي هذا الصدد نعرض بإيجاز لتلك المشاركة إذ أن الحديث عنها، كما عن أحداث شهري أيار وحزيران تتطلب أكثر من مقالة.

تسلّم الرفيق الضابط صلاح الشيشكلي قيادة «قوى التحرير» في مدينة حماه، وقامت هذه القوى بخوض مواجهات قتالية مع الفرنسيين، تعرّضت أثناءها أحياء في حماه للقصف المدفعي.

في حماه سقط في المعارك الرفيقان الشهيدان عبد الله فردوس العظم ومحمد الشقفة.

في درعا هاجم الأهالي الأمكنة التي تحصن فيها الفرنسيون وكان يتقدم المهاجمين الرفيقان ميشال الديك 14 ورفعت شوقي 15 ، ثم قادا الهجوم العام على ثكنات الجيش الفرنسي إلى أن تمّ حصر الفرنسيين في الثكنة الكبرى، فالانسحاب من درعا إلى ازرع، بعد أن سقط منهم العديد من القتلى والجرحى.

ومن الرفقاء الذين تميزوا في القتال نذكر: عبد الرحمن رجا المسالمي، حسين الجمالي، رشيد أبا زيد، زيدان المسالمي، أحمد المرشد، علي أبي العيون، حسين الجهماني، جابر حمدان أبا زيد، أحمد زطمه، حسين البرمادي، مروح مسالمي، جمعة المسالمي، مأمون نور منيمنه.

وقد تسلّم كل من الرفيقين، ميشال الديك ورفعت شوقي شهادة تقدير من محافظ حوران.

في حمص تطوع مئة رفيق وسجلت المنفذية أسماءهم في صفوف القوى الوطنية، وشكلت المنفذية لجنتين مالية وإذاعية، ولجنة للدفاع الوطني.

أما العمل الأبرز فهو قيام الرفقاء صفوح الدروبي، ماهر الجندي وانور طليمات ورفقاء آخرين بالاستيلاء على المستوصف الفرنسي الذي يديره الطبيب الرفيق عبد الكريم الشيخ 16 والقريب من القلعة وأماكن أخرى يتواجد فيها الفرنسيون، ونقلوا جميع الأدوية والأدوات الضرورية بالتعاون مع الرفيق الشيخ إلى جامع بازرباشي حيث أنشأ القوميون المستوصف الجديد وبدأ الطبيب الرفيق عبد الكريم بإسعاف الجرحى الذين كان الرفقاء يأتون بهم من الشوارع، وكان الرفيق الشيخ يذهب أيضاً لعيادة الجرحى الذين يتعذر وصولهم إلى الجامع يعاونه في عمله الطبيب وجيه كبا والصيدلي بهيج توما، وقد قضى أعضاء هيئة منفذية حمص أربع ليالي في الجامع ساهرين على سلامة الجرحى. كذلك أسس القوميون مستوصفاً آخر في بيت المختار بمحلة الشياح.

في دمشق كان الرفيق ممدوح العظمة دليل الطيارين السوريين الذين فروا من رياق للالتحاق بالقوى الوطنية في العاصمة السورية، وكان الرفيق مرعي الحامد من حراس دار الحكومة في دمشق، قد رد برشاشه دبابة كانت تقدمت نحو السراي، وساعده في عمله الرفيق كمال الكنج. أصيب الرفيق مرعي برصاصة في عينه اليسرى.

وفيما هاجم المناضل «محمد الأشمر» ثكنة شارع النصر، ووالد الرفيق كمال الكنج ثكنة المزة، قام الرفيق كمال الكنج ومعه «هايل الأطرش»، بكري قدوره وآخرون بمهاجمة ثكنة شارع بغداد.

أما الأطباء الرفقاء جورج عبود، إميل لطفي، تيودور شان وسامي الخوري فقد كانوا يقومون بالإسعافات في المستشفى الإنكليزي ويسهرون على راحة المصابين طيلة مدة الحوادث.

إلى ذلك تطوع الرفقاء لنقل الجرحى، وإسعاف المصابين.

ـ في تدمر، كان الرفيق رشيد محمد أول متطوع ترك جيش الشرق ففرّ من ثكنة الجبخانة بسلاحه وحرّض الباقين على اللحاق به. وقد شارك الرفيق بالقتال في أكثر من موقع.

ـ في ادلب، قام الرفقاء بإلصاق نشرات الحزب على جدران الشوارع وعملوا على تقوية معنويات السكان، كما شاركوا في معركة ادلب.

الرفيق وصفي أبو زيد كان أول من فرّ بسلاحه والتحق بالقوى الوطنية.

بعد انتهاء معركة ادلب دعي جميع المقاتلين إلى دار والد منفذ عام ادلب، السيد عبد القادر العياش حيث

أقيمت لهم وليمة غداء، وفي المساء انتقل الجميع إلى دار الرفيق أحمد البحث حيث تناولوا طعام العشاء.

ـ في حلب، إلى إصدار المنفذية عدة نشرات تحث على مواصلة الجهاد، شارك الرفقاء في الثورة المنظمة التي كانت مهمتها الأولى مهاجمة الثكنات العسكرية طوال الليل، إرهاباً للفرنسيين وتشجيعاً للجنود الفارين.

وشارك الرفقاء أيضاً بفرقة مسلحة مع الحرس الحكومي والأهالي لتثبيت الأمن.

وقد جرح في المعارك، الرفيقان، الشاعر أورخان ميسّر وعمر ترمانيني.

ـ أما العمل الكبير البارز فهو الذي قام به الرفيق غسان جديد، في شمالي لبنان، تلكلخ وحماه، وهذا ما سنأتي على ذكره حين نتحدث عن الرفيق الشهيد غسان جديد.

ـ نقترح الاطلاع على ما نشرناه عن اعمال القوميين الاجتماعيين في معركة الجلاء عن الشام، على موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية www.ssnp.ino

بعد أن نال الحزب بتاريخ 2 أيار 1944 رخصة رسمية من الدولة اللبنانية باسم الحزب القومي، بادر إلى عقد مهرجانات شعبية واجتماعات عامة في الكثير من المناطق الحزبية، كما إقامة مخيمات تدريبية – ثقافية.

وهنا عرض لتلك النشاطات:

مهرجانات الحزب

«يوم الدفاع»: أقيم المهرجان في عيناب صباح يوم الأحد 29 تموز 1945، في اليوم الذي تمّ فيه افتتاح المخيم القومي الثاني، وهو المهرجان الأول الذي يعقد في صيف العام 1945.

تجمع الرفقاء الوافدون من فروع «الغرب» ومناطق حزبية أخرى في ساحة المخيم. وبعد أن استعرض رئيس المجلس الأعلى نعمة ثابت يحيط به عدد من العمد والمسؤولين، فرق القوميين، أعلن العريف ابتداء المهرجان بتحية العلم. بعدها ألقى عميد الدفاع كلمة حدد فيها مهام عمدته وأهميتها في هذه المرحلة من تاريخ البلاد، وتلاه رئيس مكتب الطلبة بكلمة عمدة الثقافة بوصفها مشاركة في إقامة المخيم.

واستمع الحضور إلى عدة زجليات قومية، للرفقاء خطار أبو إبراهيم 17 ، عجاج المهتار الأمينان لاحقاً ويوسف تاج 18 بعدها ألقى الأمين عبد الله قبرصي كلمة مرتجلة، ووكيل عميد الدفاع كلمة عن مواطن القوة في الحزب، واختتم رئيس المجلس الأعلى المهرجان بخطاب شامل.

وعن المهرجان يقول الأمين عبد الله قبرصي 19 : « لقد اخترنا عيناب مسرحاً لمهرجاننا الأول في صيف 1944 20 لو طلب إليّ أن أختار اسماً لذلك المهرجان لأسميته مهرجان الانبعاث.

« المشهد الذي لا ينسلخ عن ذهني هو مشهد الرفقاء القوميين الاجتماعيين يسيرون صفوفاً بديعة النظام ليأخذ كل مكانه في الساحة المعدة للمهرجان، المطلة على عيناب وبيروت والساحل.

« أذناي ما زالتا تسمعان هدير الرصاص الذي كان يعانق أغصان الصنوبر والسنديان، كلما ورد مقطع في خطاب حماسي أو بيت من الشعر ينبض بالحياة والثورة والتحدي. كان يوم عيناب يوم إثبات الوجود بعد غياب خمس سنوات متواليات.

« كان عساف كرم الشهيد عام 1949 يقود القوميين 21 . عريف الاحتفال غسان تويني كان يقف على المنبر، وكان لا يتجاوز الثامنة عشرة من عمره».

– مهرجان لبنان الشمالي: عقد في بلدة بشمزين يوم الأحد 19 آب 1945، وقد توافد إليه، إلى رفقاء الشمال اللبناني، رفقاء من بيروت ومناطق أخرى.

افتتح المهرجان منفذ عام الكورة الرفيق وديع الأشقر 22 تلاه عميد الإذاعة الرفيق كريم عزقول، ثم منفذ عام طرابلس الرفيق وصفي المغربي، فعميد المالية الرفيق جبران جريج، وكانت الكلمة الأخيرة لرئيس مجلس العمد الرفيق أسد الأشقر.

– مهرجان مرجعيون: أقيم يوم الأحد 17 تشرين أول 1945 وشارك فيه رفقاء من مختلف المناطق اللبنانية. باشر المدرب العام 23 تنظيم العرض فيما توجه رئيس المجلس الأعلى والمركزيون إلى منزل الرفيق سليمان غلمية لاستقبال بعض الأصدقاء قبل بدء المهرجان.

افتتح المهرجان الرفيق سليمان غلمية باسم المنفذية، ثم تلاه ممثلو المناطق الحزبية المشاركة، فتكلم كل من الرفيق خليل حلاوي منفذ عام صور، الرفيق حسن قنديل 24 مدير مديرية النبطية، الرفيق نواف حردان ناظر إذاعة مرجعيون وألقى الرفيق إميل رفول ناظر إذاعة البقاع الجنوبي قصيدة قومية.

بعد ذلك ألقى عميد الإذاعة الرفيق كريم عزقول البيان الذي كان ألقاه في مهرجان بشمزين، وناموس المجلس الأعلى الرفيق عبد الله محسن 25 كلمة عن المسألة الفلسطينية. وألقيت خلال المهرجان قصائد لعدد من شعراء الزجل، منهم الأمين عجاج المهتار والرفيق يوسف حاتم.

المخيم: نظراً لعدم تمكن منفذية مرجعيون من الاشتراك في المخيم القومي العام في عيناب فقد قرر المنفذ العام، بعد موافقة عمدة الدفاع، إقامة مخيم خاص بالمنفذية في محلة رأس النبع الحاصباني .

يوم لبنان: يعتبر يوم لبنان في بعقلين الذي عقد يوم الأحد 16 أيلول 1945 قمة المهرجانات الحزبية لصيف العام 1945، فالرفقاء من المتن الشمالي والأعلى التقوا في قرنايل قبل التوجه إلى الشوف، فكان اللقاء اجتماعاً عاماً حقيقياً خطب فيه عدد من الرفقاء وألقيت قصائد وزجليات. وفي طريقهم إلى بعقلين قام الرفقاء بزيارة قصر بيت الدين حيث كان يصطاف رئيس الجمهورية بشارة الخوري، فتكلم باسم القوميين الرفيق أسد الأشقر والأمين عبد الله قبرصي. ورد رئيس الجمهورية بخطاب قصير صفق له القوميون طويلاً وأخذت الصور التذكارية.

افتتح منفذ عام الشوف الأمين حسن الطويل المهرجان بكلمة ترحيبية ثم ألقى رئيس المجلس الأعلى نعمة ثابت بيانه عن «الواقع اللبناني» وبعد كلمة عميد الثقافة فايز الصايغ اختتم الرفيق أسد الأشقر المهرجان بكلمة حلل فيها الصراع بين المدرسة القومية والمدرسة البالية.

وأثناء فترة الاستراحة، ألقى الأمين عجاج المهتار والرفيق يوسف حاتم قصائد زجلية كما أنشد الرفيق يوسف تاج بصوته الرخيم قصائد قومية اجتماعية.

يفيد الأمين عبد الله قبرصي 26 أن الأمير مجيد أرسلان وكان وزيراً للدفاع «مشى مع قيادة الحزب، نعمة ثابت وحسن الطويل وفؤاد أبو عجرم ومجلس العمد بمن حضر من أعضائه، يستعرض الصفوف القومية».

هوامش

1 إبراهيم يموت، «أضواء على العقيدة القومية الاجتماعية»، ص.248 -249

2 المصدر السابق، ص. 256.

3 المصدر السابق، ص. 257.

4 المصدر السابق،

5 يفيد الرفيق إبراهيم يموت في الصفحة 261 من كتابه «أضواء على العقيدة القومية الاجتماعية»: «علمت في 2/10/1941 أن مأمون أياس، وكلودا وفلادو ثابت شقيقة وشقيق نعمة ثابت اعتقلوا وكذلك رفقاء في ضهور الشوير، أخذت الحيطة، وعلمنا أن زكريا لبابيدي اعتقل أيضاً. ويضيف: «أنه في 9/10/1941 ذهب لزيارة مأمون وزكريا في مستشفى الكرنتينا فعلم أنهما فرا منه. إلا أنهما اعتقلا مجدداً، كذلك نعمة ثابت، جبران جريج، عجاج المهتار، أمين أبو عجرم، فهد حريق، أما إبراهيم يموت فقد اعتقل في 23 كانون أول 1941.

6 الأمين عبد الله قبرصي متأهل من الرفيقة جورجيت بربر من بتعبورة. كما ان الأمين جبران جريج اقترن من الرفيقة ماري بربر.

7 «عبد الله قبرصي يتذكر»، الجزء الثاني، ص. 14.

8 المصدر السابق، ص. 17.

9 المصدر السابق، ص. 15.

10 من الرفقاء الذين دخلوا معتقل «المية ومية»، نذكر على سبيل المثال: نعمة ثابت، مأمون أياس، أنيس فاخوري، فؤاد أبو عجرم، جبران جريج، إبراهيم يموت، وليم سابا، الياس سمعان، أديب قدورة، د. عبد الله سعاده، أسد الأشقر، عبد الله قبرصي، بشير فاخوري، د. كريم عزقول، فارس معلولي، عجاج المهتار، مسعد حجل، زكريا لبابيدي، جورج عبد المسيح، يوسف الدبس، صلاح شيشكلي، منير الملاذي، نهاد ملحم حنا، ظافر جريديني، د. محمد أمين تلحوق، خليل طفيلي، عيسى حمادة، نجيب حريق، عبد الرحمن بشناتي، ادوار توتنجي، الياس قدسية معروف بـ الياس مالك ، بشير الهنا، تيسير شيخ الأرض، توفيق البربير، اسبر حداد، مسعود عبد الصمد، منصور اللحام، ديب كربجها.

11 يشرح الأمين جبران جريج في كتابه «حقائق عن الاستقلال في راشيا» تفاصيل ما جرى في الأيام التي كان فيها رجال الحكم معتقلين في القلعة المذكورة.

12 استشهد الرفيق حسن عبد الساتر في 28 نيسان 1944 بعد يوم واحد من إصابته، ونقله إلى مستشفى أوتيل ديو.

13 الشهيد فيما بعد، فهو الذي نفذ حكم إعدام الأمة بحق رياض الصلح، واستشهد.

14 كنت نشرت عنه كلمة مناسبة، للاطلاع، الدخول إلى الموقع المذكور آنفاً.

15 منح رتبة الأمانة، تولى مسؤولية منفذ عام حماه، غادر إلى كولومبيا وتولى فيها مسؤولية العمل الحزبي، وكان وراء قدوم الرفيق سعيد تقي الدين إليها.

16 الجدير بالذكر أن الأمين عبد الكريم الشيخ من المذهب المسيحي، لذا كان لإقامته في الجامع لإسعاف الجرحى أثره الإيجابي الكبير لدى مواطنينا المحمديين.

17 خطار ابو ابراهيم: للاطلاع على النبذة المعممة عنه الدخول إلى الموقع المذكور آنفاً.

18 يوسف تاج: للاطلاع على النبذة المعممة عنه الدخول إلى الموقع المذكور آنفاً.

19 «عبد الله قبرصي يتذكر»، الجزء الثاني، ص. 118.

20 نرجّح بناء للبحث الذي قمنا به انه حصل عام 1945.

21 يقول عنه الأمين عبد الله قبرصي: كان في عز شبابه، قامة كالرمح، وجه لوحته شمس زبوغا بلدته مشية الضابط المدرب القومي وطلّة القومي الاجتماعي المهيب الصارم في ملامحه وتحركه ونبراته.

22 وديع الاشقر: من كفرقاهل – الكورة، تولى مسؤوليات حزبية عديدة منها وكيل عميد الإذاعة، كان أديباً وشاعراً وخطيباً مفوهاً. للاطلاع على النبذة المعممة عنه الدخول إلى الموقع المذكور آنفاً.

23 يورد الأمين نواف حردان في كتابه «على دروب النهضة» أنه كان الرفيق عساف كرم.

24 حسن قنديل: مراجعة النبذة المعممة عنه على الموقع المذكور آنفاً.

25 في غياب الزعيم تشكل المجلس الأعلى من أمناء ورفقاء، عند عودته وإطلاعه على الأمر أشار سعاده إلى عدم دستورية ذلك، فعضوية المجلس الأعلى تنحصر بالأمناء، وحلّ المجلس الأعلى القائم.

26 «عبد الله قبرصي يتذكر»، الجزء الثاني، ص. 133.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى