طائرات استطلاع حزب الله تكشف الكذبة الأميركية بأيام
روزانا رمّال
تمكّن تنظيم «داعش» من السيطرة على مدينة الموصل العراقية في 10 حزيران من العام 2014 بما في ذلك السيطرة على منشآت حيوية في المدينة كمبنى محافظة نينوى والمطار، وقنوات تلفزيونية عراقية، إضافة لحال فوضى عارمة بالسجون أطلق خلالها أكثر من الف سجين من السجن المركزي هناك في مشهد يشبه عاصفة من المسلحين هبّوا لاحتلال أراضي شاسعة وواسعة من دون مواجهة أي نوع من العقبات أو العراقيل.
المشهد الذي أثار الذعر في نفوس العراقيين انتقل ليصبح مشهداً عاملاً في أذهان سكان المنطقة الذين اعتبروا ان مصيرهم سيكون مماثلاً بعد سلسلة تهديدات داعشية، عبر فيديوهات توزعت بين تهديد سورية والأردن ولبنان وليبيا ومصر بمصير مماثل للعراق. وبالفعل دخلت داعش الى سورية بعد العراق واجتاحت أماكن شاسعة من دون مقاومة أيضاً لتُشاع نظرية العجز الاستخباري والضعف أمام قدرة تنظيم هائلة سقطت جيوش المنطقة أمامها وبات على مَن تبقى منها تحسّس رأسه من المصير الأسود.
خرج الرئيس الأميركي حينها باراك أوباما ليؤكد أن المسألة كارثية وأن أحداً لا يعرف متى يمكن القضاء على داعش. وهي على ما يبدو خارجة عن السيطرة وتطلب تحرّكاً دولياً واسعاً مؤكداً وخبراء من إدارته أن داعش يحتاج لعشر سنوات على أقل تقدير للتخلص منه.
خرج أوباما يهيئ الشعب الأميركي لحرب طويلة مع التنظيم من خلال خطاب مفصّل في 10 ايلول عام 2014 بعنوان «خطة أوباما للقضاء على داعش» قائلاً «بإمكاني أن أعلن أن أميركا ستقود تحالفاً عريضاً لردّ هذا التهديد الإرهابي على أعقابه». وهدفنا واضح: إننا سوف نقوم بالحطّ من قدراته، وفي نهاية المطاف تدمير داعش من خلال استراتيجية شاملة ومستدامة لمكافحة الإرهاب: أولاً سنقوم بحملة منظمة من «الضربات الجوية» ضد هؤلاء الإرهابيين. وبالعمل مع الحكومة العراقية كما سنوسّع إطار جهودنا لتتجاوز حماية شعبنا نحن ومهماتنا الإنسانية، وتابع «هذه الحرب ليست حرباً نشنّها بمفردنا. فالقوة الأميركية يمكن أن تحدث فارقًا مفصليًا، لكن لا يسعنا أن نفعل للعراقيين ما يجب عليهم أن يفعلوه لأنفسهم!».
كلام أوباما الذي أراد فيه تحميل العراقيين مسؤولية الدفاع عن بلادهم، أي إنزالهم لميدان القتال تلقته فئة عراقية مقاتلة ومؤمنة بضرورة تحرير أرضها بطريقة عكسية تطلب مجابهة مشروعين معاً أولهما المشروع الأميركي الذي يبتغي العودة للعراق، وثانيهما مجابهة المشروع التكفيري، فكان الحشد الشعبي الذي انطلق الى القتال محققاً إنجازات مباشرة وسريعة برفقة حلفائه، وصل لحدود تحرير الموصل بعد ثلاث سنوات من الاحتلال التكفيري.
الأمر نفسه في لبنان، حيث كان لحزب الله حصة الأسد في قتال المجموعات المسلحة أكان من الجهة السورية حتى الجهة اللبنانية لتكشف عملية جرود عرسال الأخيرة، وعبر ألسنة ضباط في حزب الله كل ما جاء من تزييف على لسان التحالف الدولي والقوى المشاركة بعمليات لم تحدث أي فارق في الميدان ولم تقلل من مخاطر تمدّد الإرهاب لحصرها بأهداف وحسابات معينة. يقول أحد ضباط حزب الله في الجرود المحرّرة وخلال مواكبته الفرق الإعلامية رداً على سؤال لـ «البناء» إن أكثر ما ساعد حزب الله بالنجاح في عملياته ضد جبهة النصرة وبفترة قياسية هو أنه كان في مراقبة دائمة لها عبر استخدام طائرة استطلاع خاصة به استطاعت تحديد أماكن تواجدهم ومراقبة دخول الإرهابيين وخروجهم من مغاورهم وإليها». ويتابع «لقد كانت كل تحركاتهم تحت عين المقاومة طيلة تلك الفترة».
كلام حزب الله هذا ليس إلا كشفاً مباشراً لما عاشته المنطقة منذ اجتياح هذه المجموعات المسلحة وإدانة مباشرة للدول المجاورة للعراق التي كان بإمكانها استخدام طائرات استطلاع بإمكانيات أعلى مما يملكه حزب الله، وكان بإمكان هذه الدول تقديم جهد أكبر في هذا الإطار. وهو ما يؤكد ان الدول العربية المنضوية ضمن التحالف الدولي خاضعة لسلوك الأميركيين نفسه الذي أرادوا تطويل عمر هذه الكذبة سنوات حتى لم يعد يمكن «ترقيعها» بتدخل روسيا الى الأرض السورية مباشرة.
تحدث وزير الخارجية الروسية أكثر من مرة عن كاميرات مراقبة على متن طائرات استطلاع روسية استطاعت كشف ما دار بين جنود بلاده على الحدود السورية والأتراك، خصوصاً في مرحلة الخلاف الذي أعقب أسقاط الطائرة الروسية على الحدود التركية السورية، إضافة الى كشف المخابرات الروسية حركة انتقال النفط من داعش الى السلطات التركية عبر هذه الطائرات ايضاً.
حزب الله الذي وضع هذه المعطيات بيد المتابعين أول ما وضعها بأيدي «الإسرائيليين» الذين باتوا على دراية أن للحزب قدرة تجسسية رفيعة المستوى ستعرقل تحرّكاتها في أي عملية مفترضة مع لبنان بشكل بديهي، لكن الأهم هو ما شكله نجاح حزب الله على المستوى التجسسي في أكثر الأماكن وعورة كجرود عرسال اللبنانية من هواجس «اسرائيلية» جديدة. وفي هذا الإطار باتت الأمور أكثر تعقيداً بالنسبة للتعاطي مع حزب الله بعد الخبرة الواسعة التي اكتسبها.
الكذبة الأميركية التي روّج إليها باراك أوباما وجون برينان ودايفيد بترايوس، نسفها حزب الله بأيام معدودة في تنظيفه الجرود اللبنانية من التكفيريين، خصوصاً أن الحرب التجسسية التي يشتهر فيها الجيش الأميركي هي الأعلى في العالم سقطت هي الأخرى في واقع الجرود اللبنانية تماماً كما سقطت في الموصل بعدما مرت جحافل داعش امام الأقمار الاصطناعية الأميركية مرور الفاتحين.