فنزويلا: هجوم أميركي لاستعادة الحديقة الخلفية

حميدي العبدالله

معروف أنّ الولايات المتحدة ظلّت تتعامل مع دول أميركا اللاتينية بوصفها دولاً تابعة للولايات المتحدة، وهي مناطق نفوذ حصري لم تسمح لأيّ دولة أخرى في العالم الاقتراب من هذه المنطقة، ولهذا نوّعت وسائل سيطرتها، من قيام «سي أي آي» بتدبير الانقلابات، إلى تمويل جماعات إرهابية وصولاً إلى التدخل العسكري الأميركي المباشر كما حدث في بنما.

بعد انهيار لاتحاد السوفياتي أرخت الولايات المتحدة قبضتها على ما كانت تسمّيه «حديقتها الخلفية» جاء ذلك تحت تأثير عاملين أساسيين، العامل الأول، قناعة واشنطن أنه بعد انهيار الاتحاد السوفياتي سيتراجع حكماً خطر السياسات والنزوع إلى التحرّر من السيطرة الأميركية، لأنّ بعض النخبة الأميركية كان على قناعة بأنّ الحركات التحرّرية في أميركا اللاتينية التي تدعو إلى تحرير القارة من الهيمنة الأميركية هم مجرد عملاء للاتحاد السوفياتي والشيوعية الدولية، وبالتالي طالما أنّ الاتحاد السوفياتي قد زال ولم تعد هناك شيوعية دولية، فإنّ خطر حركات التحرّر الوطني في أميركا اللاتينية سيزول من تلقاء ذاته.

العامل الثاني، أميركا اللاتينية، حيث الفقر وندرة الموارد الهامة بالمقارنة مع مناطق أخرى من العالم مثل الشرق لا تمثل الاهتمام الأول بالنسبة للشركات الأميركية، طالما أنّ اقتصادات كبرى في دول أميركا اللاتينية، مثل المكسيك والبرازيل قد اندمجت اندماجاً كاملاً مع الاقتصاد الأميركي.

يبدو أنّ متغيّرات كثيرة تدفع الولايات المتحدة لإعادة النظر بسياساتها هذه والعودة إلى سياسة القبضة الحديدية، بما تنطوي عليه هذه العودة من تنوّع أساليب إخضاع دول أميركا اللاتينية مرة أخرى للهيمنة الأميركية، وما يجري في فنزويلا أنموذجاً يذكر بما حدث في التشيلي في مطلع سبعينات القرن الماضي عندما نظمت الولايات المتحدة مؤامرة لإطاحة الرئيس التشيلي آنذاك سلفادور الليندي، وهو بداية هجوم أميركي مضادّ لاستعادة الهيمنة الأميركية.

بدأ هذا الهجوم بتدبير «انقلاب ديمقراطي» في البرازيل ضدّ رئيسة البرازيل، ويستمرّ الهجوم الآن لإطاحة الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو.

يبدو أنّ الولايات المتحدة التي ينحسر نفوذها ويتراجع في منطقة الشرقين الأقصى والأوسط، والتي باتت تخشى من دور روسيا العالمي، عادت من جديد إلى سياستها القديمة التي تسعى إلى إحكام هيمنتها على أميركا اللاتينية وإزاحة جميع الحكومات التي تتمتع بالاستقلال حتى لو كان هذا الاستقلال استقلالاً نسبياً…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى