الجيش اللبناني يحظى بصلاحيات تقدير مستلزمات المعركة… وواشنطن تستعرض تطابق الطلب الأميركي مع دعوة «المستقبل» لتدويل الحدود يفتح دفاتر حرب تموز
كتب المحرّر السياسي
كشفت مصادر مطلعة لـ«البناء» أنّ التفاهم كان تاماً بين المشاركين في اجتماعات طهران لرعاة أستانة على رفض أيّ مساس بوحدة سورية، وبالتالي أيّ محاولة للتمهيد لفصل جزء من سورية عن دولتها المركزية، واعتُبر كلّ حديث عن خطوات أحادية لا تنتج عن حوار وطني ويتضمّنها دستور سورية التوافقي الذي يُعرض للاستفتاء، سعياً للتقسيم سيواجه من السوريين ورعاة الحلّ السياسي في سورية على حدّ سواء، ووصفت المصادر الموقف بالرسالة الشديدة اللهجة للقيادة الكردية بعد إقدامها على خطوات من هذا النوع وتلميحها بخطوات أخرى، بينما كان الضغط على الجانب التركي للوفاء بتعهّداته في ما يتعلّق بمصير جبهة النصرة في إدلب، فإنْ أعلن سحب يده من حسم أمرها وضمّ المنطقة لمناطق التهدئة الأخرى، يتمّ التعامل معها عسكرياً وعندها على الأتراك أن يبادروا للخروج من الأراضي السورية، أو أن يتعهّدوا بحسم وضع إدلب وضمّها إلى التهدئة، وأضافت المصادر أنّ الأتراك أخذوا الأمر على عاتقهم، وتعهّدوا بظهور نتائج عملية قريباً.
بالتوازي كانت غارات التحالف الأميركي على المدنيين في مناطق دير الزور والميادين تحصد عشرات الشهداء والجرحى، بينما يتقدّم الجيش السوري في البادية وأرياف الرقة وحمص وحماة، فيما سجل تقدّم في مناطق غوطة دمشق على جبهات جوبر وعين ترما، بينما كانت معارك التصفية المتبادلة بين كلّ من جيش الإسلام وجبهة النصرة وفيلق الرحمن، تشهد تصعيداً على مختلف جبهات الغوطة.
لبنانياً، حظي الجيش اللبناني في اجتماع المجلس الأعلى للدفاع على تفويض مفتوح لتحديد مستلزمات المعركة مع داعش وأدواتها، بما يخفف عن كاهل الحكومة عبء الحديث عن طبيعة التنسيق مع حزب الله ومع سورية، فيما سجلت حركة استعراضية للأميركيين لإثبات الشراكة في المعركة، بتسريب معلومات عن طائرة نقل عسكرية حطّت في مطار الرياق لنقل ذخائر للجيش اللبناني، كما قام ضباط أميركيون بالتنقل أمام الصحافيين للإيحاء بدور الخبراء والاستشاريين للجيش اللبناني في معركته ضدّ داعش، بينما أبلغت واشنطن مَن يلزم بالاعتذار عن أيّ دعم ناري جوي لتداخل المجال الجوي مع مجال حركة الطيران السوري في مدى ضيّق جداً لا يتيح التحرك للفريقين من دون تنسيق، لا ترى واشنطن حاجة له راهناً.
التطوّر اللافت كان التتابع بين كلام كتلة المستقبل النيابية قبل أيام عن المطالبة بنشر «اليونيفيل» على الحدود السورية اللبنانية، مع كلام أمس لممثلة واشنطن في مجلس الأمن الدولي نيكي هايلي بالمضمون ذاته، وما أعاده الكلام المتطابق، رغم عدم امتلاكه عملية وواقعية وبقائه ضجيجاً سياسياً، من تذكير بالشراكة بين الفريقين في حرب تموز 2006 تحت العنوان ذاته، وفتح الدفاتر السوداء لتلك المرحلة.
قوات دولية شرقاً مقابل القضاء على «داعش»؟
لم يبرز أيّ جديد على صعيد العملية العسكرية التي يخوضها الجيش اللبناني ضد تنظيم «داعش» في جرود القاع ورأس بعلبك، باستثناء الغطاء الكامل والواضح الذي وفّرته السلطة السياسية للجيش أمس، بعد اجتماع مجلس الدفاع الأعلى برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وحضور رئيس الحكومة سعد الحريري، بانتظار أن يحدد الميدان الساعة الصفر لانطلاق الهجوم البري.
لكن ما برز أمس، هو الموقف الأميركي اللافت في التوقيت والمضمون، حول توسيع صلاحية قوات «اليونيفيل» العاملة في جنوب لبنان لتشمل الحدود الشرقية مع سورية، في محاولة أميركية واضحة لإنعاش المشروع القديم الجديد، بنشر قوات فصل دولية بين لبنان وسورية، لخلق حالة من العداء بين البلدين وحصار المقاومة اللبنانية وقطع أحد شرايين الوصل الاستراتيجية بين حلف المقاومة الممتدّ من طهران الى بيروت، ما أعاد الى الأذهان كواليس التفاوض إبّان عدوان تموز 2006 بين الحكومة اللبنانية والجانب الأميركي، الذي أصرّ حينها على تضمين القرار 1701 نشر قوات دولية على الحدود مع سورية تحت الفصل السابع، كما كشف الفريق التفاوضي للمقاومة، حيث تفاجأ رئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي قاد عملية التفاوض حينها، بإبلاغه من أحد الوفود الأميركية التي زارته بأن رئيس الحكومة آنذاك فؤاد السنيورة وافق على هذا الطلب الأميركي.
وأعلنت المندوبة الأميركية الدائمة في الأمم المتحدة نيكي هايلي، مساء أمس الأول، عزم أميركا «إدخال تعديلات على قوات حفظ السلام المؤقتة جنوب لبنان، لتشمل الحدود الشرقية مع تجديد تفويضها نهاية الشهر الحالي». ولفتت هايلي إلى أن «واشنطن عازمة على إثارة موضوع التهديد، الذي يشكّله حزب الله، في الوقت الذي تسعى فيه إلى إدخال تعديلات كبيرة على «اليونيفيل»، محذرةً من أن «انتشار الأسلحة غير المشروعة في جنوب لبنان تشكل تهديداً لأمن المنطقة واستقرارها».
فما هو الهدف من إثارة موضوع الحدود مع سورية في الوقت الذي يستعدّ الجيش لإطلاق عملية برية واسعة لتطهير الجزء الثاني من الجرود من إرهابيي «داعش»؟ وفي الوقت الذي أعلن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله استعداد الحزب تسليم الجرود المحرّرة من «جبهة النصرة» الى الجيش عندما تطلب قيادته ذلك، وهل يستطيع مجلس الأمن الدولي إدخال تعديلات على صلاحية «اليونيفيل» المحددة في القرار الدولي 1701 من دون موافقة الحكومة اللبنانية؟
وما هي علاقة الطلب الأميركي الدائم بالسلاح الاستراتيجي والكاسر للتوازن بحسب التعبير «الإسرائيلي» الذي تعلن «إسرائيل» على الدوام قيام دمشق بتسليمه الى حزب الله؟ لا سيما أن أمن «إسرائيل» هو نقطة تقاطع المصالح الأميركية السعودية التي لم تعد تشعر بخجل ووجل العلاقة الجيدة مع «إسرائيل» المحكومة بالتطبيع السياسي والتزام الرياض التام سلامة وأمن الكيان الصهيوني ومناصبة العداء لإيران، مع التذكير بأن وزير الداخلية نهاد المشنوق دعا قبيل أيام قليلة الى نشر قوات دولية في الجرود المتنازَع عليها، بحسب وصفه، على الحدود مع سورية.
ضغوط أميركية سعودية
مصادر مراقبة تساءلت عن سبب تأخر الغطاء السياسي للجيش في المعركة مع «النصرة»، والآن مع «داعش»؟ هل هي الضغوط الأميركية السعودية على الحكومة التي تحاول القول إن إطلاق يد الجيش وتحقيق الانتصار العسكري على الإرهاب دونه أثمان سياسية يجب أن تدفع تتعلّق بالأمن «الإسرائيلي» وإضعاف دور حزب الله وتشويه انتصاراته الميدانية؟
أوساط سياسية تتحدّث لـ«البناء» عن ضغوط من السفارتين الأميركية والسعودية في بيروت على رئيس الحكومة والفريق الذي يمثله، بضرورة ضبط الحدود اللبنانية السورية والحؤول دون تسليمها لحزب الله والطلب من الجيش فور تحريره الجرود من الإرهاب، الانتشار على كامل الحدود وإن لم يستطع، فيمكن تعزيزه ودعمه بقوات دولية جديدة على غرار تلك الموجودة في الجنوب أو توسيع صلاحية القوات الحالية، كما تضغط السفارتان باتجاه استبعاد حزب الله والجيش السوري من أي دور في هذه المعركة، كما أن القلق الأميركي يكمن بأن تحرير الجرود اللبنانية الحدودية مع سورية من التنظيمات الإرهابية «داعش» و«النصرة» خلال أسابيع قليلة، سيكشف الادعاءات الأميركية بمحاربة الإرهاب.
وفي حين لم يخرج أي موقفٍ رسمي من حزب الله رداً على كلام المشنوق الأسبوع الماضي ولا على المندوبة الأميركية، بانتظار خطاب السيد نصرالله في عيد الانتصار في 14 آب المقبل، تساءلت مصادر نيابية مطلعة في 8 آذار عن الهدف من نشر قوات دولية على الحدود اللبنانية السورية، علماً أن لبنان وسورية دولتان شقيقتان وليستا عدوّتين، وبالتالي لا منطق سياسي ولا مبررات قانونية وأمنية وعسكرية لطلب كهذا، ولفتت لـ«البناء» إلى أن «الحكومتين اللبنانية والسورية وبالتنسيق بينهما، هما المخوّلتان بالوضع الحدودي بينهما، كما باقي الدول، وبالتالي لن يرضخا لأي ضغوط من هذا القبيل وأي قرار دولي بهاذ الإطار مرتبط بموافقة الدولتين». ولفتت الى أن «المشروع الذي أرادت الولايات المتحدة فرضه على المقاومة ولبنان لا يزال قائماً، وهناك جهات داخلية تسعى إليه، لكنه سيسقط كما سقطت المشاريع العدوانية في المنطقة».
وأوضحت المصادر أن «تعميم تجربة القوات الدولية على الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة، على الحدود الشرقية والشمالية مع سورية في غير محلها، لأن الأمر مختلف. فالقوات الدولية في الجنوب جاءت بناءً على الاتفاق 1701 بهدف وقف الأعمال الحربية بين لبنان والعدو «الإسرائيلي»، لكن سورية دولة صديقة وتربطها مع لبنان علاقات مميزة، وهذا ما يؤكده الدستور اللبناني وتؤكده الاتفاقيات بين البلدين».
وأضافت المصادر أن «هدف المقاومة من العملية العسكرية في الجرود الحدودية مع سورية هو طرد إرهابيي النصرة إلى إدلب بهدف إبعاد الخطر الارهابي عن لبنان، بينما يتكفّل الجيش اللبناني بالانتشار على الحدود، وبالتالي الجيش يضبط الحدود ويفرض سيادته عليها، فلماذا القوات الأجنبية؟».
عون والحريري: الحكومة ملتزمة تحرير الجرود
وأكد الرئيسان عون وسعد الحريري، بعد اجتماع المجلس الأعلى للدفاع أن «الحكومة ملتزمة تحرير الأراضي اللبنانية من الإرهاب، كما تلتزم التحالف الدولي ضد الإرهاب، ولن تتهاون ولن تضّيع أي فرصة لمكافحته والتصدّي له وردعه». ثم تم عرض المجلس الأوضاع العسكرية والأمنية لا سيما في جرود عرسال ورأس بعلبك والقاع وتمّ اتّخاذ التوصيات والقرارات اللازمة في شأن نجاح العملية العسكرية للقضاء على الإرهابيين. وأبقى المجلس على مقرراته سرية تنفيذاً للقانون».
وحضر الاجتماع إلى جانب عون والحريري، وزراء الدفاع والخارجية والمال والداخلية والعدل والاقتصاد، وشارك فيه قائد الجيش العماد جوزيف عون وقادة الأجهزة الأمنية.
ولفتت معلومات «البناء» إلى أن السلطة السياسية بجميع أركانها الممثلة بالمجلس الأعلى للدفاع أعطت الضوء الأخضر للجيش لتحديد توقيت بدء المعركة، كما أشارت إلى أن المجلس اتفق على أن كشف مصير العسكريين المخطوفين هو الأولية الأساسية في أي تفاوض مع «داعش»، كما لفتت المعلومات الى أن «المجلس ترك لقيادة الجيش تحديد التنسيق مع جهات أخرى موجودة ميدانياً في الجبهة مع «داعش» كالجيش السوري ووحدات حزب الله، بحسب ما يتطلّبه مسار المعركة وطبيعتها وتطوراتها، علماً أن عمل اللجنة العسكرية الأمنية بين الجيشين لم يتوقف في الظروف كافة، وبالتالي التنسيق بحكم الأمر الواقع في هذه المعركة»، وما التحليق الكثيف لسلاح الجو السوري أمس، في أجواء القاع وجرودها إلا دليل على ذلك.
وسبق الاجتماع لقاء جمع الرئيسين عون والحريري وأعقبه آخر بين عون والمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم العائد من مهمة خاصة في الخارج، وسط معلومات عن مفاوضات سرية يخوضها إبراهيم مع «داعش» عبر وسيط سوري، لكن المكان الذي سيُرحَّل إليه مقاتلو «التنظيم» يبقى العقدة الأبرز التي تواجه نجاح المفاوضات بعد رفضهم الانتقال إلى الرقة.
كما عرض الحريري مع قائد الجيش الأوضاع الأمنية في البلاد، ولا سيما الوضع في منطقة القاع بالبقاع الشمالي، واطلع منه على الإجراءات التي ينفذها الجيش لمواجهة مسلّحي تنظيم «داعش».
التغيير والإصلاح: لعودة النازحين إلى سورية
وأشار تكتل التغيير والإصلاح بعد اجتماعه الأسبوعي، الى أن «للجيش اللبناني أن يقرّر تفاصيل وتوقيت المعركة ضد داعش لتحرير جرود القاع ورأس بعلبك»، وقال النائب ألان عون بعد الاجتماع: «يجب اليوم التركيز على الاساس وهو الوقوف موقفاً واحداً الى جانبه والسياسة اللبنانية يجب ان تحثّ النازحين للعودة الى سورية». ولفت عون الى أن «مسار عودة النازحين السوريين الى سورية يجب أن يبدأ وكل الجهود يجب أن تنصبّ على تشجيع هذه العودة».
وفي سياق ذلك، نقل شهود عيان لـ «البناء»، عن تجمع نحو 15 حافلة في وادي حميد قرب الملاهي تمهيداً لبدء عملية ترحيل مسلحي «سرايا أهل الشام» وعائلاتهم والبالغين قرابة الأربعة آلاف شخص، بينهم قرابة الـ450 مقاتلاً تُضاف إليهم نحو مئة احتياط. ويطالبون مقابل رحيلهم إطلاق عدد من السجناء في السجون اللبنانية التي يبدو أنها تسير على قدم وساق وقد لا تتجاوز مهلة ترحيلهم الـ72 ساعة».
بري: تمّت معالجة الأمر مع الكويت
في غضون ذلك، وفي إطار الحملة التي تشنها جهات داخل الكويت بمساعدة بعض الإعلام المرتهن في لبنان على حزب الله من خلال إثارة قضية «خلية العبدلي» لتشويه انتصاره الأخير على «النصرة» في الجرود، ردّ الرئيس بري أمس، على «من ينادي بالحرص على العلاقات الكويتية اللبنانية»، فأوضح أن «ما من لبناني أو جهة لبنانية تتنكر للكويت أميراً ومجلساً وشعباً وإعماراً وتنمية وتضحية ومشاركة في الصمود. وللذي تخيّله البعض قطيعة نقول «قطعاً لا، وقد تمّت معالجة الأمور. فليطمئن ولسنا بحاجة لأي وفد رفيع»».