حكومة مَن تنأى بنفسها عن سورية؟

روزانا رمّال

بات السؤال الرئيس اليوم عن جدوى التخفّي اللبناني وراء الرغبة بالتواصل مع سورية بملفات مصيرية عبر شعار النأي بالنفس بعيداً عمّا تضمره السياسات الدولية أبعد من أن يكون واقعاً ضمن التحديثات التي طرأت على الساحة الدولية، بما يتعلق بالشأن السوري. ففرنسا مثلاً التي بدأت تلمح بتصريحات لرئيسها ايمانويل ماكرون بلسان غربي لا فرنسي، أنها غير معنية بمسألة رحيل الأسد بدأت منذ أكثر من عامين بالتواصل عبر قنوات أمنية مع الدولة السورية وأجهزتها الأمنية من أجل تبادل المعلومات حول مكافحة الارهاب إضافة إلى بلدان أوروبية أخرى. هذا الامر تطور بعد توقيع الاتفاق النووي مع إيران.

أدركت فرنسا حينها أن الموقف في ما يخصّ الشأن السوري والازمة ككل، بالنسبة للاوروبيين والغرب لم يعد سوى موقف خاضع لمسألة تحديد الوقت المناسب لانعطافة تشبه تلك التي توجهت فرنسا نحوها عشية توقيع الاتفاق النووي مع طهران. فحينها كان وزير خارجيتها لوران فابيوس وقبل أيام قليلة من ولادة الاتفاق المنتظر يوحي بان الاتفاق لن يتم وأن الأمور معقدة كثيراً إضافة الى تحذيره بعواقب وخيمة على «اسرائيل» اذا تم توقيع الاتفاق بتصريحات علنية، ما لبثت ان تبدلت خلال اقل من 48 ساعة، حيث كان أول المهنئين واول الواصلين لطهران.

الأزمة السورية التي تنتظر المصير نفسه ستخضع لتلقلبات الدول الغربية والأوروبية بالمنطق نفسه الذي كانت فيه خاتمة الملف النووي المفترض انه الأكثر حساسية وبانتظار انطلاق المفاوضات الكبرى من أجل الحل سيكون الحديث الفرنسي عن إعادة سفارة اول المواقف الغربية المنذرة بالتغيير، ليصبح التعاطي مع إعادة فتح السفارة الفرنسية في سورية كملف ضروري وأساسي في المرحلة المقبلة، من أجل إعادة ما افسدته الحرب من علاقات، خصوصاً لما في ذلك من ضرورة تتيح التنسيق بخصوص اللجوء والتكفيريين الذين يقطنون فرنسا ويجيئون ويذهبون إليها عبر قنوات بحرية وحتى برية فتحت عبر تركيا.

كل هذا يبدو أنه لا يمر مع الحكومة اللبنانية التي باتت تمثل نفسها، فإذا كانت تعبر فعلاً عن موقف لبنان الرسمي، فإن السؤال عن موقف السلطات الثلاث بات ضرورياً وأساسياً هنا من اجل سيادة الدولة، وما يعنيه ذلك من موقف منسجم مع رجالاتها فرئيس الجمهورية العماد ميشال عون لم يخفِ يوماً صداقته بالرئيس الأسد وتأييده إياه في حربه ضد الارهاب، اما الرئاسة الثانية برئاسة رئيس مجلس النواب نبيه بري فهي اكثر الحلفاء الرسميين اهتماماً بدعم سورية نظاماً وشعباً ومصيراً، انطلاقاً من تاريخ المصير الواحد ووحدة الرهان دائماً على شراكة الأمن واحتياجاته. كلّ هذا يُضاف الى الحلف الذي تنتمي اليه حركة امل مع حزب الله الحليف الأول للأسد.

الرئاستان، إذاً تؤيدان اقامة علاقات طبيعية واعادة التنسيق مع سورية، من باب الضرورة. اما حكومة الحريري فوحدها هي التي ترفض ذلك وباقتسام أعداد المشاركين فيها فهي ليست عبارة عن كتلة منفردة او موحدة، بل هي تركيبة وفاقية وزارية. بالتالي يبقى موقف لبنان الرسمي رهن الحريري الذي يمثل وبشكل مباشر الموقف السعودي من دون أدنى شك. وهو ليس موقف لبنان الرسمي فعلاً.

باتت قرارات الحكومة اللبنانية متعلقة مباشرة بموقف الرياض من سورية، من دون الأخذ بعين الاعتبار مواقف عون بري، من الذي ينأى بنفسه اذا كان كل من عون وبري يدركان ضرورة التوجّه نحو سورية من اجل الاقتصاد والأمن والسياسة والانفجار الاجتماعي الذي يكاد يطيح التركيبة الديمغرافية اللبنانية ويؤدي إلى اشتباك جدي بين اللبنانيين والنازحين بسبب الضائقة الكبيرة التي تحيط بوضعهم من جهة، ووضع اللبنانيين الذي لم يعد يطاق من جهة أخرى معيشياً؟

الحديث عن وفد وزاري يزور دمشق يأتي ضمن الإطار نفسه، لكنه حسب مصادر متابعة لـ«البناء» هو لفتة غير مباشرة تكشف عن «تغيير ما» حصل في التعاطي مع الملف. وهي خطوة فعّالة لجس النبض محلياً تمهيداً لزيارات على مستوى رسمي أرفع. ويتابع المصدر «يمكن للرئيس سعد الحريري الاعتراض ببساطة على خطوة الوزراء ورفع الملف لسلم الأولوية التي تمنع اتخاذ خطوات كهذه قانونياً، رغم الحديث عن «فتاوى» تبيح ذلك، يبدو أن الحريري قبل بها، أي بالمخارج. ويضيف «رغم الضجة التي تشاع اليوم حول زيارة الوزراء إلا أنها بلا شك خطوة شجاعة لناحية الإعلان عن نهاية مرحلة ما وبداية مرحلة أخرى، لا يمكن للحريري الاعتراض عليها بعد التوازنات الجديدة التي فرضها حزب الله، بحيث لم يكن ممكناً اتخاذ الوزراء، قراراً كهذا في الظروف السابقة. الحزب مرتاح اليوم والحريري يتعاطى بتفهم للوضع الجديد». ويختم المصدر لـ«البناء» وبهذا الإطار يبدو أن التنسيق مع سورية هو الملف الذي سيتبع معركة تحرير جرود عرسال وبعلبك لا لشقه المتعلّق بعودة العلاقات مع سورية بشكلها العام، بل للشق المتعلق بملف النازحين الذي سيوضع على نار حامية قريباً.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى