قراءة في «إدارة التوحّش» والمعتقد «الداعشيّ» المتهافت ٢
جورج كعدي
نتابع ما بدأناه الخميس الفائت من قراءة «أفكار» المدعوّ «أبو بكر ناجي»، السفّاح «الملهم» الذي وضع «الأسس الفقهيّة»، الهذيانيّة بامتياز، والهزليّة رغم خطورتها وفداحتها وجنونها في كتابه «إدارة التوحّش» صدر حديثاً لدى «دار التمرّد» في سورية ، فنقع في هذا المعتقد الخنفشاريّ على ما لا يتصوّره عقل ولا يتقبّله منطق، مع كمّ لا يوصف من التناقض والعبث داخل «الخطاب» نفسه، من نوع الدعوة إلى «إرهاب العدوّ وتشريده وإثخانه» ورفض «الرخاوة» بحسب تعبيره لأنّها «أحد عناصر الفشل لأيّ عمل جهاديّ»، والاقتداء في المقابل بأبي بكر الصدّيق وعلي بن أبي طالب اللذين «مارسا التحريق بالنار على الرغم مما فيه من كراهة لمعرفتهم بأثر الشدّة المغلظة في بعض الأوقات عند الحاجة، لم يقوما بذلك وينفّذه قادتهم وجندهم من باب شهوة القتل وأنّهم قوم غلاظ، كلا والله فما أرقّ قلوبهم، وهم أرحم الخلق بالخلق بعد الأنبياء وعليهم السلام»! ص 85 .
هذا والله أقصى الهذيان، فـ«أبو بكر ناجي» شديد الإعجاب والتأثّر برقّة القلب ورحمة الخلق بالخلق، ولا يؤمن بالقتل والذبح والحرق والتشريد إلاّ «عند الحاجة» يبدو أنّ «الحاجة» تطغى بنسبة مرتفعة جداً لدى أتباع «فكره» النيّر إذ لم يلمح أي شاهد أو مراقب أثراً ولو ضئيلاً لتينك «الرقّة» و«الرحمة»! . ويعبّر «أبو بكر ناجي» عن شديد إعجابه بصلابة أبي بكر الصدّيق قائلاً: « … وكانت وصاياه للجند تدور حول جزّ الرقاب بلا هوادة أو تباطؤ» ص 86 . أقرأ هذا وأتحسّس رقبتي، في صريح القول، إذ أخال ورثة أبي بكر وقد همّوا بجزّها بتهمة الكفر الصليبيّ!
نمضي بين عجائب «فكر» المدعوّ «أبو بكر ناجي» وغرائبه فنقرأ ص 177 مقطعاً يصيب فيه بـ«رمية» واحدة الأحباش والشيعة و«الإخوان»، مستشهداً بكلام لأحد ملهميه «العظام» الشيخ «العلاّمة» عمر محمود أبو عمر القائل: « … وقد كان بمقدور الشباب المسلم أن يعالجوا الشيخ الضالّ الحبشيّ برصاصة رخيصة الثمن في لبنان في بداية أمره، ولو فعلوا ذلك لكان الآن أثراً بعد عين، ولكنّ هذا الحبشيّ وأمثاله الآن قد اشتدّ عودهم وقويت شكيمتهم حتّى صاروا أكبر من معالجتهم بالأبحاث والدروس، وأهل السنّة في هذا الزمن من أبعد الناس عن الأخذ بالطريق السنني لمعالجة مثل هذه الانحرافات، ولا يعالجونها كما عالجها الصحابة رضي الله عنهم، فأمثال هذه الانحرافات وهؤلاء الشيوخ يجب القضاء عليهم بالذبح في بداية أمرهم، وهم لا شهرة لهم ولا حسّ ولا خبر ولكن أهل السنّة الآن وللأسف يعالجون عامة مشاكلهم بالتباكي ويبدأ صراخهم على الأمور بطريقة جنازئزيّة كأنّهم في محفل كربلائيّ شيعيّ. ولعلّ هذه الفقرة وإن كانت لا تدخل في صلب موضوع الأحباش لكن لا بدّ من معالجتها ولو بطريقة عابرة، تكشف لنا عن عمق الخلل في التنظيمات والأحزاب والتجمّعات التي تنتمي لأهل السنّة، فلو أخذنا مثلاً جمال عبد الناصر وجماعة الإخوان المسلمين لرأينا مثلاً صارخاً لما نقول، فماذا كان يحتاج عبد الناصر ليُقضى عليه وينتهي أمره وهو في بداية أمره؟ الجواب: لا شيء … والأمثلة كثيرة كثيرة، وهذه الأمثلة هي التي تبيّن أنّ أهل السنّة يخافون الدماء، ويتّقون إراقتها فزعاً وخوفاً تحت باب المصلحة، ولكنّهم بعد حين يدفعون الثمن غالياً وأضعاف أضعاف ما اتّقوه وخافوه، ورضي الله عن أبي بكر الصدّيق حين استنفر الصحابة لقتل المرتدّين واجتثاثهم من جذورهم قبل أن تقوى شوكتهم، وتتهيّأ لهم أحوالهم … »!
تحريض على القتل بلا هوادة، هزء بالشيعة وكربلاء، انتقاد لـ«الإخوان» لعدم قتلهم الفوريّ لعبد الناصر، تعيير لأهل السنّة بأنّهم يخافون الدماء، ومزيد من الإعجاب بأبي بكر الصدّيق وعنفه وشدّته! فهل يحتمل كلام واضح كهذا مزيداً من الشرح أو التعليق؟!
… ونصل إلى هوى «االمنظّر الكبير» بالسيف من علامات «داعش» مع العلم الأسود المُصلت فوق رقاب أكثر من قوم وجماعة، قائلاً مع الاستشهاد بآيات نتجاوزها هنا لضيق المجال : «سيفٌ على المشركين من العرب حتّى يُسلموا … وسيف على اليهود والنصارى والمشركين من غير العرب حتى يُسلموا أو يُسترقوا أو يُقادوا بهم وهم مَنْ سبّوا ربّهم بنسبة الولد له أو أشركوا به … أمّا اليهود والنصارى فقد ارتكبوا في القرن العشرين وحده من المذابح فيما بينهم، وعلى رقاب المسلمين ما لم يتمّ ارتكابه في تاريخ البشريّة كلّها، حتى في أقسى الناس سيرة كالتتار لم يسفكوا من الدماء مثلهم، وقد أهدروا من أموال المسلمين وأموالهم ـ التي هي مال الله في الحقيقة ـ على ترويج الكفر والفسق والفجور بينما ملايين البشر تموت جوعاً ما لو تمّ تعداده في كتاب لما صدقته بعض العقول» ص 261 ـ 262 .
قلب هذا السفّاح «السايكوباتيّ» المدعوّ «أبو بكر ناجي» يتفطّر ألماً على ملايين البشر الذين يموتون جوعاً، فيما لا يكفّ لسانه وقلمه عن الكلام على القتل وجزّ الرقاب والحرق والتشريد! وإذا كان يتحدّث عن بعض العقول التي لا تصدّق، فإنّ كلامه لا تصدّقه العقول كلّها لا بعضها فحسب!
لا يوفّر «تروتسكي داعش» الخنفشاريّ هذا أحزاباً كبرى وعريقة، علمانيّة متنوّرة وغير طائفيّة ظلاميّة، على عكس عقله المظلم، فينقضّ في هذا المقطع من كتابه الهذيانيّ تحت تأثير مخدّر ما، لا أدري! على أكثر من حزب وجهة سياسيّة قائلاً: «أمّا القوميّون والبعثيّون والديمقراطيّون فقد جرّوا على الأمّة من إفساد الدين وهلاك النفوس ما تقشعرّ له الأبدان، فما قام به صدّام والأسد ومبارك وفهد والحزب الاشتراكي باليمن وغيرهم في جانب هلاك النفوس فقط يفوق من قتل في جميع حروب المجاهدين في هذا القرن، مع الفارق أنّهم أهلكوا الناس في سبيل الشيطان، وما دفعوا عذاب الله عن الأمّة سواء بتسليطنا بعضنا على بعض أو بغير ذلك، بينما المجاهدون قاموا بذلك في سبيل الحقّ والعدل ونصرة دين الله، ودفعاً لعذاب الله أن ينزل على الأمّة ـ فيجب أن ننتبه لذلك ـ أنّه لو لم يقم الجهاد في بلد لأنزل الله من العذاب عليه أو مَنْ تمكن الكفر ما يتضاءل بجواره أيّ مفاسد متوهّمة من الجهاد والتي هي في حقيقتها من أفعال المجرمين ولا تلام عليها فريضة الجهاد بحال» ص 263 .
هذيانات «أبو بكر ناجي» وعجائبه «الفكريّة» وغرائبه «الإيمانيّة» لا تقف عند هذا الحدّ، إذ يعرّج طويلاً على «السياسة» و«الإعلام» و«النفط»، وثمّة في كلّ منها ما يضيء على المشروع «الداعشيّ» الذي نحيا فصوله يوميّاً، وبنهج غير بعيد عن المرسوم في هذا الكتاب الذي يستحقّ لهذا السبب متابعة قراءة.