من تلعفر إلى الجرود اللبنانية… تثبيت معادلات القوة بعناصرها كلّها

معن حمية

الحملات المنظمة والضجة التي أثيرت حول مشاركة الحشد الشعبي العراقي في معركة تحرير مدينة تلعفر العراقية المتاخمة لسورية، وقفت وراءها أطراف دولية وإقليمية، ولكلّ من هذه الأطراف حساباته وأسبابه.

في حسابات الولايات المتحدة الأميركية، الحشد الشعبي قوة رديفة للقوات المسلحة العراقية، وهذه القوة كناية عن جيش حقيقي، فاعل ومنظم، ولديه مناعة كافية لكي يكون قراره مستقلاً، ولا يتأثر بالإملاءات الخارجية. ولذلك، فإنّ واشنطن ترى بمشاركة الحشد الشعبي في معركة تحرير تلعفر، ما يتعارض مع مواقفها المعلنة، خصوصاً لجهة رفضها أيّ شكل من أشكال التنسيق بين الجيش اللبناني وقوى المقاومة في معركة تحرير جرود القاع ورأس بعلبك اللبنانية.

إقليمياً، فإنّ تركيا هي الأخرى تحرّض ضدّ مشاركة الحشد الشعبي، ليس لأنّ منطقة تلعفر تسكنها غالبية تركمانية، بل لأنّ هذه المنطقة بالتحديد تشكل جزءاً من «ولاية الموصل»، التي كانت تخضع لاحتلال السلطنة العثمانية. وكما بات واضحاً فإنّ تركيا الأردوغانية، مهجوسة «بميراث» السلطنة الذي تشكّل بفعل الظلم والاحتلال والمشانق. وهذا يظهر من مواقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزبه والمسؤولين الأتراك.

الموقفان الأميركي والتركي حيال مشاركة الحشد الشعبي، لم يلقيا آذاناً صاغية من قبل الحكومة العراقية، التي تصرّ على أنّ الحشد هو تشكيل عراقي يتبع سلطة الدولة، وينفّذ التعليمات والمهامّ الموكلة إليه بدقة كلّية، وهو أظهر فعالية كبيرة في معركة تحرير مدينة الموصل. ومن الطبيعيّ أن يكون له دور أساسي في معركة تحرير تلعفر، من أجل تسريع حسم المعركة.

على هذا الإصرار الذي فيه مصلحة عراقية، اتخذت حكومة حيدر العبادي القرار، بمشاركة الحشد الى جانب التشكيلات العسكرية العراقية، وبدأ الحشد والاستعداد لمعركة تحرير تلعفر، علماً أنّ لهذه المعركة، أبعاداً أوسع من الجغرافيا العراقية، ومفاعيل تؤثر إيجاباً على سير المعارك التي يخوضها الجيش السوري وحلفاؤه ضدّ الإرهاب.

إضافة الى ذلك، فإنّ تزامن معركة تحرير تلعفر العراقية، مع معركة تحرير الجرود اللبنانية، أسقط «الفيتو» الأميركي حول التنسيق بين الجيش اللبناني وقوى المقاومة، بعدما سقط مثل هذا «الفيتو» على مشاركة الحشد المقاوم في معركة تلعفر. أما تركيا فتتخبّط في قراراتها وخياراتها، بين حنين غرائزي لاستعادة بطش وظلم وتوسّع السلطنة العثمانية البائدة، وبين تلمّس مخاطر جدية. ولذلك، لا عجب في أن يكون موقف أنقرة عرضة للاهتزاز، في لحظة مفصلية تشعر فيها تركيا بالقلق من جراء كابوس كردي يقلق، لا بل يهدّد مصيرها.

وعليه فإنّ النتيجة الحتميّة لمعركتي تلعفر العراقية والجرود اللبنانية، القضاء على تنظيم «داعش» الإرهابي، وسقوط الخطوط الحمراء الأميركية وفشل التحريض التركي لمصلحة تثبيت معادلات القوة القائمة في لبنان وسورية والعراق.

عميد الإعلام في الحزب السوري القومي الاجتماعي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى