صوت الكرامة ودموع أمي وأبي
صابرين دياب
ليست المرة الأولى، التي يقودنا فيها جموح عاطفتنا إلى البكاء الجميل! حين يصدح صوت رسول الكرامة، في بيتنا الصغير، وفي معظم بيوت جليلنا المحتلّ… وليست هي المرة الأولى التي أكتب فيها بعاطفة طاغية، ولا أبغي إلا التعبير، عن مدى امتناننا للبنان الشقيق الحبيب الذي أنجب للأمة رسول الكرامة…
سمعنا في الفترة الأخيرة، خطابات متعاقبة لسيد المرحلة، وجميعها تبعث في وجداننا ما يتوق إليه من آمال وبشائر، بيد أنّ ما ميّز خطابه الأخير بالنسبة لطغيان عاطفتنا – هو دموع أبي الحبيب! فأبكت عينَيْ أمي فعينَيّ أنا! وحين هفت نفسي الى التمعّن في عيني والدي، قال لي وهو يمسح دموعه المنهالة غير المتوقفة: عبد الناصر يعود حياً، ها هو يتجدّد في لبنان، ويمسح عنّا عار وخزي أوغاد الأمة، وفي تلك اللحظة ارتفعت وتيرة صوت السيد، فقال لي أبي: ارفعي الصوت أكثر، رغم قوة صوت التلفاز أصلاً! وفعلت وسط موقف سوريالي مهيب، الأب والأم والابنة، يدمعون وحشة للكرامة، كالظماء إلى الشموخ والاعتزاز في وطننا المحتلّ، تحت وطأة عربدة الاحتلال وعنجهيته، واستخفافه بحقنا المشرّع وحلمنا في التحرّر من براثنه، وقد أكد السيد على الحقيقة الدامغة، بأنّ المحتلّ يقيم وزناً ضخماً لزئير المقاومة اللبنانية، فلم تختف بسمتي اليوم عن وجهي، أثناء متابعتي لوسائل إعلام دولة الاحتلال على أشكالها كافة، التي تتحدث عن زئير رسول الكرامة…
إنها الحقيقة التي لا يستطيع أحد أن يجادل فيها، إلا إذا كان غبياً أو صهيونياً بهيئة إنسان! المحتلّ لم يقم حساباً جاداً لأيّ حاكم عربي، ليس لأنه يضمن انبطاحهم ونصال غدرهم فحسب، بل لأنه يدرك جيداً بأنهم أشباه رجال، لا يفقهون أدبيات التحدي والمواجهة والبسالة! وهذا ما يؤكده شعبنا الفلسطيني البطل، بأنّ دولة الاحتلال لم تطمئن على سلامتها في البلاد العربية، إلا بعد رحيل الزعيم عبد الناصر، ولم ترتدع إلا بعد قدوم رسول الكرامة الذي مرّغ أنف العدو في التراب، يوم اندحاره من الجنوب اللبناني، ثم تمريغ أنفه المتغطرس في حرب 2006، مروراً بكلّ عدوان على غزة هاشم، وأضيف إلى ذلك، فشل المحتلّ في ضرب وعي الشباب الفلسطيني المقاوم، الذي يستمدّ طاقاته المعنوية الكبيرة من قائده الروحي، ولا زال الزئير المهيب يقضّ مضاجعهم..
روى لي والدي كيف كان الاحتلال، يُحدث اضطراباً ويشوّش على إذاعة «صوت العرب»، عندما كانت تنقل خطابات عبد الناصر، كي يُحرم الفلسطينيين من حقهم في الشعور بشيء من العزّة والقوة وزاد من العزائم، وحين رحل الزعيم الخالد بعد فترة قصيرة، تلاشى التشوّش! وصدح صوت السادات، وحسين حاكم الأردن، من دون أيّ اضطراب!
وأتساءل بموضوعية وعاطفة في آن: ما الذي جعل فلسطينيّي الجليل والساحل شمال الوطن المحتلّ، أن يعتلوا أسطح منازلهم ابتهاجاً، كلما سمعوا صفارات الإنذار، التي كانت تدوّي يومياً في شمال فلسطين في حرب 2006! في حين كان كلّ المستوطنين يسكنون جوف أرضنا وترابنا ومنهم من هرب إلى جنوب الوطن، وبعضهم غادر فلسطين هرباً!؟ ما الذي كان يدعوهم للنزول إلى الشوارع، ومشاهدة مواقع سقوط صواريخ المقاومة في وطنهم المغتصب!؟ لماذا لم يبالوا بالخطر المحدق بحياتهم وتجاهلوا الخطر، وفضّلوا الاستمتاع بصوت صفارات الإنذار ومشاهدة صواريخ الشرف!؟ ما فسّر سقوط عدد من الشهداء الفلسطينيين إكراماً وتكريماً للمقاومة وفرسانها الأشاوس. ولست أعتقد أنّ الإجابة على التساؤلات المذكورة آنفاً، تحتمل تحليلاً أو فلسفة، إنه ببساطة – الحنين للشرف وللكرامة، الشرف الأغلى والأقدس من الروح!
هذا الشعور بالكرامة الذي وُهب لنا بمنتهى الإيثار والسخاء، فُقد بعد الزعيم جمال عبد الناصر والأسد الخالد حافظ الأسد، وبُعث مع قدوم سماحة رسول الكرامة، الفقد والحنين واتساع الأمل معاً، فسّروا لي دموع أبي الغالية الحبيبة، وفسّروا لي جموحي بالتعبير عما يجول في نفوسنا، في نفس كلّ فلسطيني ينتمي بالولاء المطلق لفلسطين، ويحلم بالتحرّر والكرامة الوطنية، راجية المعذرة ذلك أنني قرّرت، أن أكون كاتبة عاطفية فقط في مقالي القصير هذا.
كاتبة وناشطة فلسطينية