زيارة ما كانت لتكون لولا …
روزانا رمّال
لم تكن العلاقة اللبنانية السورية بحال أسوأ مما هي عليه اليوم بين البلدين، مع العلم ان امكانية تحسينها كانت ممكنة، فيما لو قرر أحد الافرقاء اللبنانيين المغامرة باستعراض بعض النفوذ وقلب الطاولة على الشريك الآخر في السلطة والتضحية باستقرار الداخل الذي يعني بالنسبة لحلفاء سورية نصف «الإنجاز»، والنصف الآخر انتصار حليفهم المحليّ وحليفهم الإقليمي على كل من انتظر سقوطه. فالحليف المحلي المتمثل بالعماد ميشال عون، هو اليوم رئيساً للجمهورية أما الحليف الخارجي فهو الرئيس السوري بشار الأسد الذي صمد امام مجهود دولي لإلغائه وبقي رئيساً بعد سبع سنوات من أزمة كارثية عاشتها الأرض السورية.
لطالما راعى الحليف المحلي للرئيس السوري بشار الأسد مسألة الحساسية الداخلية من اي علاقة مباشرة مع سورية، لكن هذا لم يكن يعني أن شخصيات حليفة وازنة لم تكن تزور سورية طوال السنوات تلك، هذا ما يكشفه مصدر متابع لـ«البناء» لحركة الذهاب والاياب للجارة وبوابتها، مضيفاً «حلفاء سورية لم يقاطعوها يوماً، هناك شخصيات كبيرة ووازنة زارتها، لكن الضجيج لم يكن مطلوباً او مقبولاً، والظروف كانت مختلفة عن اليوم». ويتابع «لم الاستغراب من زيارة علنية لوزراء لبنانيين إذا كان مقاتلو حزب الله أصلاً في سورية يقاتلون الى جانب الرئيس السوري وجيشه لسنوات. وهو الأمر الذي اراد رئيس مجلس النواب نبيه بري تذكير البعض به؟
من زاوية أخرى، يعتبر الرئيس نبيه بري بدوره هو أحد أهم حلفاء سورية وعائلة الأسد الذي يعرف تماماً، معنى الأزمة المتشعّبة. وهو جزء أيضاً من الابتعاد عن كل ما قد يعكس تشنجاً داخلياً محلياً وإقليمياً، ومسألة عدم زيارته لسورية طيلة هذه السنوات وحدَها مدعاة تساؤل، وواضح أنها لم تكن خطوة عبثية مع العلم انه لا يوفر جهداً او موقفاً للوقوف أمام سورية شعباً وجيشاً ومع حزب الله الذي يقاتل من أجل الأمن اللبناني السوري المشترك ومن أجل القضية الأبرز وهي مكافحة الإرهاب.
حسابات الرئيس بري الدقيقة كانت تصبّ في خانة إدارة الحياة السياسية المحلية كرئيس مجلس نواب يتحمّل مسؤولية جميع الكتل السياسية بشكل يجعل من توسيع الخلافات أمراً غير ضروري في أوقات عصيبة مرّت على لبنان. وهي أمور يعرف بري الذي يمثل حركة أمل أنها لا تعالَج بالتّحديات، وأن أحد أوجه الوقوف مع سورية هو استقرار لبنان.
زيارة حزب الله وحلفائه اليوم الى سورية علنية، وهذا لا يعني أنها لم تكن سابقاً «سرية»، وإذا كان لا بد من معالجة لهذا المتغيّر، فإن الحديث عن التطور السياسي اليوم هو سيد المشهد. وبمعنى آخر، هذه الزيارة ما كانت لتكون لولا أن حزب الله اتخذ قراراً واضحاً «بالتخلي» عن سياسته السابقة التي تمحورت حول الابتعاد عن كل تفصيل صغير قبل الكبير من شأنه فتح العيون على اتهامات بـ «السلطوية» أو بسياسات أحادية مشابهة لقرار الذهاب لسورية وما عرف حينها، وفق لغة خصومه بـ«توريط لبنان». وبالتالي لا داعي أن يورط لبنان سياسياً أيضاً بمواقف بالغنى عنها، خصوصاً في مرحلة تشنّج وصلت حدّ التهديد بفتنة طائفية «سنية شيعية».
قرار حزب الله وحلفائه اللافت اليوم والمتمثل بثلاثة وزراء يصلون سورية بصفاتهم كوزراء في حكومة الرئيس سعد الحريري هم يوسف فينيانوس عن تيار المردة إلى الوزيرين حسين الحاج حسن وغازي زعيتر عن حزب الله وحركة أمل، هو موقف يؤكد أن الحزب مرتاح لموقعه الإقليمي بشكل كبير يجعل من قرارات من هذا النوع مسألة طبيعية وخطوة يجب ان يعتاد عليها اللبنانيون في مرحلة مقبلة افتتحها الآن، وبالتالي باتت مشكلة خصومه أن يتقبّلوا او لا يتقبّلوا انتصار أجندته وحلفائه وتأثير ذلك على لبنان، لكن اللافت ايضاً كان «تكنيك» حزب الله الذي بدا واضحاً انه يعرف من اين تؤكل الكتف، فيختار الاوقات المناسبة في اعلاناته الكبرى كاختيار موعد عملية تحرير جرود عرسال من دون النظر إلى أصوات الداخل ويليها اليوم قرار الزيارة الواضحة الأسس.
زيارة ما كانت لتكون لولا أن حزب الله مرتاح ايضاً لجهة اختيار رئيس لبناني حليف تمسك فيه حتى آخر لحظة من تاريخ الانتخاب، مستنداً الى ميزان قوة بالمنطقة حتّم إيصال عون للرئاسة وقبول حزب الله بالرئيس سعد الحريري مجدداً رئيساً للوزراء. وهو الامر الذي جعل من الحريري متأقلماً مع مسألة اعتبار ان مصير عودته لرئاسة الحكومة هو بيد حزب الله بعد الانتخابات النيابية المقبلة. وقد قبل بذلك مظهراً براغماتية سياسية تقر بان الظروف تغيرت فعلاً وأن أي مكابرة لم تعد لصالحه وصالح فريقه الاقليمي. ولهذا لن يكون الوزراء اللبنانيون أمام اصوات بثقل وحجم الحريري القادرة على إحداث صخب محلي.
زيارة ما كانت لتكون لولا أنها لم تأت بعد انتخاب عون رئيساً، والاتفاق على قانون جديد للانتخابات وتحرير جرود عرسال، وبالمختصر ما كانت لتكون لولا أنها نتيجة مباشرة لترجمة مرحلة عنوانها: «قرار» حزب الله بالبدء بصرف رصيده أو «نفوذه» الاقليمي محلياً. وهو الأمر الذي لم يكن قادراً عليه من سنوات مضت.
حزب الله ينجح مجدداً باختيار الزمان والمكان للتحرك..