جعجع ومعادلات التزوير الجديدة
صفاء صوايا
كانت لافتة الزيارة الأخيرة التي قام بها سمير جعجع إلى زحلة… إنْ من حيث التوقيت أو الكلام الذي أطلقه.
طبعاً هي ليست الزيارة الأولى للمدينة، ولكنها كانت الأطول يومين والأكثر كلاماً لتعدّد مناسباتها، بعدما أصرّ على المشاركة في افتتاح أحد مهرجانات المدينة التي تضجّ بتعدّد مهرجاناتها، في ظلّ كيدية تعتمدها بلدية زحلة، «فإذا ببارك جوزيف سكاف» البارك البلدي يصبح مكاناً لمهرجانات ماجدا رزق بريدي التي شارك جعجع في افتتاحها، بينما هجرت ميريام سكاف من البارك إلى موقع آخر استحدثته مؤخراً بنفسها.
هكذا يمكن القول إنه كان واضحاً التسابق الحاصل على المدينة من الأفرقاء السياسيين من دون أن يفوّت جعجع فرصة الإفصاح عنه علناً في عشاء حزبه، مطالباً الزحليين بالمزيد المزيد من النواب خمسة وعشرين نائباً . ليعطيهم حسب قوله «ما يُدهش»، غير غافل عن الغوص في مغالطات تاريخية وجغرافية جاءت تكرّس إصراراً على الاستمرار في ابتلاع الأحداث، من دون الاستفادة من عبر المكان والزمان، ومن دون أيّ حدّ أدنى من تقييم للمراحل بما يمكن الاستفادة منه لصياغة نظرة مستقبلية بعيدة عن الارتكابات والأخطاء الماضية.
فلا يغيب عن بال جعجع أنّ حدث هذه الأيام صنعته المقاومة في البقاع الشمالي، التي اقتلعت الإرهاب من مساحة واسعة من السلسلة الشرقية بعدما احتلها لسنوات، جاعلاً منها مكان انطلاق إلى لبنان كلّه للموت والتفجير والذبح والقتل للبنانيين ولقواهم العسكرية والأمنية، وحارماً أهالي منطقة واسعة من الاستفادة من أرزاقهم وأرضهم ومقالعهم.
قصد جعجع التعامي عن الصانع الحقيقي لهذا النصر، كما عادته وآخرين، عامداً إلى إطلاق معادلة جديدة هي «الدولة والجيش والشعب»، رامياً الى إلغاء معادلة «الجيش والشعب والمقاومة» التي تكرّست بالدم والشهادة.
في مغالطاته أيضاً، يصرّ جعجع على اعتبار أرض لبنان وحدَه أرض المسيحيين، وكأنه يستثني بإصرار مسيحيين آخرين في المشرق، تعرّضوا ويتعرّضون إلى نوع من الإبادة تبدأ في فلسطين المحتلة من عدوّ وجودي إلى آخر تكفيري في العراق وسورية وكيانات أخرى… لكنه لم يُكلّف نفسه حتى المرور على تلك الممارسات كلّها، متغاضياً عن قصد، كما هو دأبه في سياق طويل من حياته السياسية، ومكرّساً «لنفسه ولحزبه مصطلحات أقلّ ما يُقال فيها إنها تعيد بناء جدران من الكراهية بين الزحليين أنفسهم وبين الزحليين وأبناء البقاع… كانت قد ألغتها إرادة التلاقي وإرادة التفاعل والعيش في حياةٍ واحدة ومصيرٍ واحد وبلد واحد، موحّد الرؤية والهدف.
يبقى السؤال، لماذا الإصرار على البقاء في أغلال الماضي وتداعيات الحروب المذهبية المقسّمة المشتّتة للمجتمع، رغم مرور الزمن على حقبة يجب أن يُقال عنها «تنذكر وما تنعاد»…
نحن دعاة وحدة الشعب، لا نخاف على أنفسنا من فكر هؤلاء السياسيّين، ولكننا نشعر بالقلق… نعم بالقلق، ليس على الجيل السابق الذي عايش تلك الأجواء، بل على أجيال شابّة وفتية لم تعاصر واقع تلك الحروب ولا نتائجها… جيل لا يريدونه أن يدرك أنّ الجغرافيا تصنع التاريخ، وأنّ زحلة اليوم لا يجب أن تكون زحلة الأمس، ومثلها الجبل وشرق صيدا.
وحذار من المتغنّين بزحلة «دار الأسود»، لأنهم لا يرون فيها سوى مطيّة لمشاريع «خاصة جداً» و«كيدية جداً»، وكلّ ذلك من أجل مشاريع «شخصية جداً»، أو جعلها كأنها جزيرة في بحر بدلاً من أن تكون مدينة التآلف والمحبة…