ملتقى اللاذقية للنحت على الرمل يختتم أعماله… والبحر بأساطيره وحكاياته هو الطاغي

ياسمين كروم

أصوات شبابية شجيّة غنّت التراث الفولكلوري السوري، معلنةً ختام فعاليات ملتقى النحت على الرمل الذي استمر لمدة أسبوع، استطاع خلاله عدد من الفنانين السوريين ترجمة أفكارهم ونقلها عبر الرمال بأسلوب فنّي تحدّى صعوبات التعاطي مع هذه المادة التي يكتشفها بعضهم للمرّة الأولى.

البيئة البحرية بأساطيرها وحكاياتها ظهرت في قسم من أعمال الفنانين المشاركين سواء بحوريات البحر أو بتجسيد إله البحر بوسيدون الذي تفنّنت النحاتة ميسون حبل بإبراز تفاصيل وجهه، مظهرة إياه بشكل نصفي ولحية كثّة مثقلة بكرة حديدية كدلالة على وجود بوسيدون داخل كل منّا، لكننا لا نستطيع إطلاقه على حدّ تعبيرها، لتحتلّ حورية البحر وأمواجه باقي أجزاء العمل.

تفاصيل حورية البحر المستلقية أعلى الكتلة لينساب جسدها نحو الأسفل ظهرت أيضاً في عمل الفنان أكثم السلوم الذي اعتبرها بمثابة قربان مقدم لآلهة البحر ليعمّ السلام والأمن في بلادنا. بينما قدّم الفنان عادل خضر موضوعاً بسيطاً اقتصر على جسد امرأة مستلقية على ظهرها لتظهر بعض التفاصيل البسيطة المرتبطة بالبيئة البحرية في باقي الكتلة.

إجماع الفنانين على تحكم الرمل باختياراتهم كان سائداً أثناء حديثهم عن اختلاف علاقتهم معه كمادة أساسية للنحت يتعرفون إليها للمرّة الأولى، وخصوصاً أن المنحوتات الناتجة لن تحمل صفة الديمومة التي تخلق رابطاً قوياً بين الفنان وعمله. لذلك اكتفى بعضهم بعمل بسيط خلق حالة تفاعل مع الجمهور ضمن فضاء فني منوع يتيح الإجابة عن استفساراتهم حول هذه المادة وطبيعة العمل بها. وهذا ما جنح إليه الفنان غازي عانا الذي جسّد بورتريه فيه الكثير من التفاصيل التعبيرية.

وتحدّث عانا قائلاً: على النحات معرفة طريقة التعامل مع هذه الخامة، خصوصاً أنها غير مهيّأة للنحت. ولا بدّ لإنجاز عمل فنّي من مراعاة شكل الكتلة والزوايا اللازمة لتحافظ على صمودها مع ضرورة تمتع الفنان بالصبر لتحمل مفاجآت الرمل وهبوطه. لكن بالمجمل يعتبر الملتقى فرصة لاكتساب هذه الخبرات وخلق ثقافة بصرية يساهم تراكمها في تعريف الجمهور بمكامن الجمال التي يمكن تشكيلها بواسطة الرمال.

ولا يمكن إغفال دور مساعدي النحاتين الذين توزّعوا قرب كلّ كتلة رملية ليقوموا بعمليات ترطيب الرمال والمساعدة في ضغطها أثناء تنفيذ المنحوتة مع اجتهادهم في جعل السطوح ملساء، بحيث يتفرّغ النحّات لإنجاز التفاصيل الباقية والاعتناء بها. فالشاب آندريه عبد وهو طالب في كلّية الفنون الجميلة يعتبر مشاركته مع مجموعة من زملائه من داخل الكلّية وخارجها، ضمن هذا الملتقى، فرصة كبيرة لاكتساب خبرات فنية وعملية حصل عليها بشكل شخصي أثناء عمله مع الفنان محمد بعجانو لإنجاز منحوتة تجسّد الثيران، وهي تقرأ في دلالة على ضرورة تعميم حالة القراءة لدى الجميع.

وقال عبد: يتجسّد دور الفنان بوضع الكروكي الأساس للعمل وتنفيذ الخطوط العريضة له، ليأتي دوري بالفصل بين السطوح وتمليسها. مشيراً إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي يشارك بها كمساعد نحات في الملتقى، فالجميع هنا لديهم تجارب سابقة في التعاطي مع الرمال، أو يعملون نحاتين لخامات أخرى.

فنانون ونقاد كثيرون زاروا المعرض وأبدوا إعجابهم باستمراريته مع إبداء ملاحظات على بساطة الطرح لدى بعض الفنانين وتميّز الأفكار لدى آخرين. فالنحات جابر أسعد أشار إلى إعجابه الشديد بمنحوتة الفنان علي معلا التي تجسد العرس السوري، منوّهاً باللمسات التشكيلية وروح الفرح التي قدّمتها الشخوص. لافتاً أيضاً إلى ضرورة اعتناء باقي النحاتين بتفاصيل تشريح الجسد وإظهارها بشكل أفضل لكنه أثنى في الوقت نفسه على اجتهاد وسعي الفنانين لإظهار مواهبهم رغم نوعية الرمال التي تزخر بشوائب وفراغات أعاقت العمل.

القائمون على الملتقى من متطوّعي وإداريي الجمعية الوطنية لإنماء السياحة في سورية أكدوا مضيهم قدماً بجعل هذه الفعالية حدثاً سنوياً ينتظره أبناء مدينة اللاذقية. حيث لفتت رئيسة مجلس إدارة الجمعية سحر حميشة إلى التعاون الناجح مع الجانب الحكومي لإنجاح هذا الملتقى الذي استقطب جمهوراً واسعاً من مختلف الأعمار، اطّلعوا على كيفية تشكيل الأعمال بشكل مباشر وحصلوا على إجابات عن مختلف الأسئلة التي تجول في ذهنهم عن هذا الفنّ.

يذكر أن ملتقى النحت على الرمل 2017 الذي استضافه نادي اليخوت في اللاذقية نُفّذ برعاية وزارتَي السياحة والثقافة ومحافظة اللاذقية وبالتعاون مع مجلس مدينة اللاذقية واتحاد الفنانين التشكيليين ومديريتَي ثقافة الطفل والفنون الجميلة في دمشق. وشارك فيه ثمانية فنانين حصلوا في ختامه على شهادات مشاركة وهم: غازي عانا، محمد بعجانو، علي معلا، ميسون حبل، عفيف آغا، عادل خضر، أكثم السلوم، وكوثر صالح.

«سانا»

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى