نموذج جديد يقدّمه الحريري ونواب حزب الله ردّوا على الأميركيين
روزانا رمّال
يؤكد رئيس مجلس الوزراء النائب سعد الحريري في كل يوم أن انتهاج سياسة التهدئة هو قرار استراتيجي اتخذه وحلفاءه المعنيين بحيثية تيار المستقبل محلياً وخارجياً، وليس خياراً مرحلياً. الأمر الذي سيتكفل بتخليص التيار بالمرحلة المقبلة من صبغة أخذته اليها الحرب السورية وتحالفاته فيها بالتوازي مع ما تسعى اليه المملكة العربية السعودية برفع يدها عن بعض المجموعات المسلحة في سورية مسهلة بطريقة غير مباشرة على الجيش السوري بعض المعارك التي كانت تُعتبر عقدة من يوميات الأزمة، يُضاف اليها ما تؤكده المصادر عربية لـ البناء عن تراجع ملموس في الاهتمام العربي بالمعارضة السورية، أهمها المعروفة بمعارضة الرياض التي أصبحت بأجواء التأقلم مع فكرة بقاء الرئيس السوري بشار الاسد .
وتضيف المصادر لا يوجد أي أفق مقبل مفتوح أمام المملكة لإحداث تغيير في هذا المستوى، خصوصاً أن تطور الموقف السعودي تجاه تقارب أكبر بينه وبين روسيا عبر العلاقة الجيدة جداً التي يحرص الامير محمد بن سلمان على تعزيزها، إضافة الى خطوط التلميح غير المباشر عبر قنوات دبلوماسية عراقية، باتجاه تحريك ملف التقارب بين إيران والسعودية وآخر تنسجه الإمارات على خط تحفيز سلطنة عمان لإنجاز ارضية مشتركة في الازمة اليمنية .
لا يخرج الحريري نهائياً عن هذا التطور اللافت في الموقف السعودي. وهو يدرك جيداً ومن على ضفة المعارك بالجرود ان هذه المعارك بالذات التي يقودها الجيش هي اشارة مباشرة أن المملكة ماضية في سياسة الاعتدال وإخفاء معالم دعم القتال المسلح في سورية والجوار في وقت زجت الرياض قطر بواجهة الأزمة منفردة وبواجهة الاتهام.
الحريري الذي تحدث أمس في جلسة المساءلة العامة للحكومة في ظل الاستماع إلى كلمات كانت مستفزة حافظ على هدوء واضح بإشاراته الى حزب الله تحديداً وابتعد بشكل كبير، عن كل ما يتعلق بالمشاكل الخلافية التي اتفق فيها حزب الله وتيار المستقبل على إزاحتها جانباً كأساس لبناء التقارب المستجد على خلفية الصفقة الرئاسية الحكومية المشتركة.
يقول الحريري في كلمته إنه مستعدّ للمثول كل اسبوع أو عشرة أيام او ما تحدده رئاسة مجلس النواب امام الناس والمجلس النيابي والإجابة على كل الأسئلة التي تدور في اذهان الذين يتهمونه بالتقصير أو الذين يرغبون بالاطئمنان على أي ملف أو قضية كحق بطبيعة الحال. ويقول أيضاً إنه مستعدّ لذلك شرط عدم اللجوء الى التعميم بل الى التخصيص بملف واضح، ولو كان فساداً أو ما شابه، وكأنه يقول أنا جاهز لأي حساب.
هذا النموذج الأوروبي الشعبوي الذي يرغب الحريري كشاب طرحه على الناس هو نموذج ذكيّ في وقت يعرف فيه أهمية تحريك الرأي العام، خصوصاً الشاب الذي يراهن عليه الحريري في مرحلة مقبلة تضع الانتخابات النيابية نصب عينيه.
الحديث عن الانتخابات النيابية وربط فحوى كلام الحريري فيها وتكريسها نمطاً في سلوكه الحالي الذي يفرض عليه التقيد بالتهدئة مع الأفرقاء، ليس استعجالاً فهو بدأ نشاطه في الآونة الأخيرة على هذا الأساس، وضمن هذا العنوان، الكل يلاحظ اهتمام الحريري بحل أزمة الكهرباء لتصبح 24-24 في لبنان وأهل طرابلس تحديداً استمعوا جيداً لخطط الحريري في هذا الإطار. وهم انفسهم استمعوا في وقت سابق الى نيات الوزير أشرف ريفي بانشاء محطة كهربائية محلية، فباتت الكهرباء واحدة من مسارح تحدي الرجلين كتحدٍّ مسموح سني سني ، في وقت يعرفان أن تحقيق مطالب الناس المعيشية اكثر ما يمكن الرهان عليه انتخابياً، مع العلم أنهما يعترفان ان هذا الخيار منبعث من واجب او تقصير سابق.
الحريري الذي لم يرغب الخروج في كلامه عن الإجماع أو التفاهم والدخول في ردود مباشرة على نواب حزب الله تحديداً، وجد نفسه ايضاً غير مستعد للجدال في ما اشار اليه نائب حزب الله نواف الموسوي الذي يحمل رسالة تكذيب مباشرة للأميركيين الذين يستغفلون الشعب اللبناني، بما يعرفونه مسبقاً في حديثه عن التفاهم السياسي الذي أدى الى اتخاذ قرار تحرير الجرود، فاعتبر الموسوي أن هذا إنجاز لحكومة الحريري، قائلاً تمكنا بفعل التفاهم السياسي من أخذ قرار تحرير الجرود. هذا التفاهم في هذه الحكومة هو الذي أمن المظلة السياسية والشعبية التي أتاحت للبنانيين الذين يسمّيهم البيان الوزاري مواطنين لهم الحق في مقاومة المحتلّ، وتمكنوا بفعل المظلة من تحرير أراضينا من العدو التكفيري . كلام الموسوي وتذكيره بالبيان الوزاري القائم بأساسه على معادلة الجيش والشعب والمقاومة هو تذكير بأن التنسيق السياسي بين حزب الله والقوى السياسية الذي هو اساس القرار بانطلاق عمليات الجيش لا يخرج عن صيغة التنسيق الذي يقوم فيه حزب الله مع الأفرقاء خلال ممارسة العمل الوطني الطبيعي. فلا الحزب مستثنىً سياسياً ولا بعيد عن القرارات المفصلية ولم يصنف حتى الساعة نشاطه بجناح سياسي وجناح عسكري على الطريقة الغربية.
نجح الحريري بالتهرّب من مواطن الجدالات التي قد لا تصب لمصلحته او الردّ عليها، بما يفسر تصعيداً كلامياً قادراً على إضفاء مشهد متشنج، رغم ان بعض نواب المستقبل حاولوا في كلماتهم الإشارة الى مسألة قدرات الجيش اللبناني على الانتصار وإظهار أنه وحده قادر على حماية لبنان ووحده حاصل على شرعية الجميع.