مساءلة الحكومة… «الناس شبعت كلاماً»
هتاف دهام
شبع الناس كلاماً. ما يحتاجه المواطن أفكاراً محدّدة تتصل بأحواله المعيشية. لذلك عزف الرأي العام عن سماع المطوّلات السياسية المجرّدة. اهتمّ بالمداخلات التي وضعت يدها على جرح المواطن.
لقد وجّه رئيس المجلس النيابي نبيه بري الدعوة إلى جلسة عامة لمساءلة الحكومة قبل توقيع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لقانونَيْ سلسلة الرتب والرواتب وتمويلها. ربما جاءت الدعوة، بحسب ما ألمحت مصادر نيابية في كتلته، كمؤشر على انزعاجه من التأخير في توقيعها واحتمال ردّها، لأنّ الرئيس بري، كما تقول المصادر، كان يتوقع أن ينجز هذا الأمر السبت، إلا أنّ إصرار الرئيس عون على توقيعها يوم الاثنين جعل رئيس المجلس في موقع من ليس قادراً على التراجع عن دعوته وإمكانية تحويل الجلسة تشريعية فهذا الأمر يستدعي توزيع جدول الأعمال قبل 48 ساعة وهو ما بات متعذراً.
لكن الأكيد أنّ جلسة مناقشة الحكومة التي استغرقت سبع ساعات توزّعت بين الصباحية والمسائية، بدت وكأنها عُقدت في غير أوانها. النصاب لم يتوفر إلا عند افتتاح «الأستاذ» للجلسة وتلاوة رئيس الحكومة سعد الحريري بيان إنجازات حكومته. أما ما عدا ذلك فحدّث ولا حرج. جلسات المساءلة لا تتطلب نصاباً. لذلك لم يتجاوز عدد النواب الحاضرين الـ 35 خلال إلقاء كلمات بعض طالبي الكلام. فما إن يُنهي صاحب السعادة كلمته حتى يغادر القاعة وكأنّ حملاً أزيح عن ظهره. فيما كان البعض يدخل القاعة قبل موعد كلمته بدقائق محدودة. فـ»سعاداتهم» اضطروا لهذه المداخلات ظنّاً منهم أنّ المزايدات الشعبوية قد تفيدهم في أيار المقبل. وكأنّ الانتخابات على الأبواب. هذا فضلاً عن غياب عدد من الوزراء المفترض أنهم سيتعرّضون للمساءلة، إذ اقتصر عدد الحاضرين منهم في بعض الأوقات على 5 وزراء لا سيما في الجلسة الصباحية.
كان الحريري هادئاً طيلة الجلسة (الصباحية والمسائية) لحين سماعه كلمة النائب نقولا فتوش الذي كان «مسك ختام» طالبي الكلام في الجلسة المسائية. أوجز الحريري في بيان مكتوب في بداية الجلسة الصباحية إنجازات الحكومة بإشارته إلى أنّ مجلس الوزراء عقد 38 جلسة وأصدر خلالها 1268 قراراً، وصدر استناداً إليها 518 مرسوماً وأحال إلى المجلس النيابي 32 مشروع قانون.
أعلن الحريري أنّ الحكومة أوفت بمعظم ما تعهّدت به، لا سيما في قطاعات الاتصالات والكهرباء والمياه والبترول والغاز وإقرار قانون الانتخابات النيابية والموازنة، وتحسين شبكات الطرق، وحلّ أزمة النفايات، والتشكيلات الدبلوماسية، وإنشاء جامعات، وإعادة الجنسية للبنانيين، بالإضافة إلى تفعيل حركة التواصل مع الدول الشقيقة.
لم ترق إنجازات حكومة استعادة الثقة لـ»الحاج نقولا». لا سيما تلك المتعلقة بالتواصل مع الدول الشقيقة وقيام رئيس الحكومة بتسع زيارات رسمية لتلك الدول استهدفت تصحيح العلاقات مع بعض الأشقاء والعمل على حماية لبنان في ظلّ المخاطر الإقليمية المعروفة. فسأل فتوش: «أليست سورية دولة شقيقة، وتربطنا بها اتفاقيات تعاون؟ لماذا عدم التواصل مع سورية وبيننا اتفاقيات آخرها عام 1991 من خلال المجلس الأعلى بين الدولتين، ودولة رئيس الحكومة هو عضو في المجلس الأعلى اللبناني السوري؟». وتابع: «أنت يا دولة الرئيس تستطيع أن تنأى بنفسك، لكنّ أحداً لا يستطيع أن ينأى عن القانون». داعياً للتوقف عن توجيه التهم، لأنها تشعل الشارع. من ناحية أخرى دعا فتوش الحريري إلى الاعتراف بأنّ قانون الانتخاب الذي أُقرّ هو عبارة عن المشروع الذي قدّمه الوزير مروان شربل خلال حكومة الرئيس نجيب ميقاتي والمؤلف من 113 مادة.
بدا واضحاً أنّ النقاشات جميعها لم تخرق سقف التمسك بالحكومة، رغم حدّتها أحياناً. فإذا استثنينا رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل الذي ما إن بدأ الكلام حتى غادر رئيس الحكومة القاعة، ليعود قبل انتهاء الكلمة بقليل، بدت الكلمات نقدية في مساءلة الحكومة مع دعوة إلى التضامن معها وتفعيلها في الوقت نفسه. وبدا الخلاف حول معركة الجرود ودور المقاومة والجيش السوري فيها على الحدود الشرقية عابراً. قورب هذا الموضوع بالمواربة وبطريقة غير مباشرة، بحيث لم يُثِر حساسيات أحد. فالنائب علي فياض أكد في مداخلته أنّ ما يمكن اعتباره سليماً في البلد هو ما يتصل بالأمن والسيادة أيّ ما يتصل بإنجازات القوى المسلحة والمقاومة، أما ما عدا ذلك فهو خراب بخراب.
ما يمكن اعتباره لافتاً في المداخلات النيابية هو التأكيد على وجع الناس وعلى معاناتهم وقلة ثقتهم بالحكومة والطبقة السياسية. من مشكلة النفايات إلى مشاكل أزمة السير وإذلال المواطنين يومياً على الطرقات غير المؤهّلة إلى مشاكل الأقساط المدرسية، كما قال النائب روبير غانم، إلى الهدر المقونن الذي ورد في كلمة النائب حسن فضل الله عن أنّ «الحكومة تقدّم هبة لجمعية بقيمة 6 مليارات ليرة سنوياً، أيّ نحو 60 مليار ليرة خلال 10 سنوات» و700 مليار ليرة كديون مترتبة على وزارة الاتصالات، وهي «ديون الوزراء والمؤسّسات الذين يستخدمون الاتصالات لمصالح شخصية، بالإضافة إلى 450 مليار ديون على خطوط متوقفة». هذا فضلاً عن ارتفاع معدلات البطالة، ومطالبة النائب فياض بوضع الواجهة البحرية لبيروت الممتدّة من الرملة البيضاء إلى الدالية قيد الدرس تمهيداً لتحويلها متنزهاً وطنياً، والحاجة لتصدير المنتوجات الزراعية إلى العراق عبر سورية الأمر الذي يستدعي بحثاً وتنسيقاً مع السلطات السورية. يُضاف إلى ذلك ما بدا أنه نقاط اختلال في سلسلة الرتب والرواتب التي أقرّت. فهذه الاختلالات تحتاج إلى تصويب ومعالجة، وفق فياض.
كما تحتاج السلسلة، بحسب ما أكد الرئيس نجيب ميقاتي، إلى إعادة النظر بطريقة هادئة في الشق المتعلق بالسلك العسكري الذي نسمع، كما قال، «أنّ غبناً لحق به بالتزامن مع العمليات البطولية الباسلة التي يقوم بها الجيش والتضحيات التي يقدّمها من دمائه وأرواحه من أجل الوطن».
ودعا ميقاتي في موضوع قانون الانتخاب الى توضيح بعض الشوائب في عملية احتساب الأصوات بشكل عام، لا سيما أصوات الفائزين، من قبل الحكومة أو إعداد مشروع قانون أو اقتراح قانون لبحث هذا الموضوع بطريقة هادئة وتوضيح كيفية احتساب الأصوات من دون المسّ بجوهر قانون الانتخاب.
أما النائب كنعان فتحدّث عن «المادة 87 من الدستور التي تنصّ على أنه لا يجوز نشر الموازنة قبل الموافقة على الحسابات المالية»، داعياً الحكومة إلى «القيام بهذا الواجب، لأنّ المبادرة في هذا الملف حكومية، وليست مسؤوليتنا كلجنة مال أو كمجلس نيابي».
كذلك سأل النائب عماد الحوت عن التعيينات الإدارية فهناك كما قال 127 موظفاً يقبضون منذ عام 2016 من دون أن يقوموا بمهامهم. وتابع: «إلى متى نبقى نجري امتحانات لمجلس الخدمة المدنية من دون توظيف بحجة التوازن الطائفي؟» وطالب النائبان فتوش وبطرس حرب بالالتزام بالدستور وإجراء الانتخابات الفرعية، فالمادة 41 من الدستور تؤكد ضرورة إجرائها خلال شهرين.
ماذا يعني كلّ ذلك في السياسة؟
لقد ردّ رئيس الحكومة على مساءلات النواب. الردّ مقبول إلى حدّ ما. فهو صوّب بعض النقاط التي كانت ملتبسة على غرار أنّ الدعم الذي تحدّث النائب فضل الله أنه يذهب لجمعية خيرية، هو مخصّص للمركز اللبناني لحفظ الطاقة، المكلف بتقديم خدمات علمية لوزارة الطاقة. في حين أنّ رئيس الحكومة بدا عاجزاً عن الردّ على النائب فتوش لا سيما في ما يتعلق بالعلاقات مع سورية. أما في ما خصّ قانون الانتخاب، لم يستطع الحريري التهرّب من الاعتراف لأوّل مرة بأنّ جزءاً كبيراً من القانون الانتخابي أقرّ في حكومة الرئيس ميقاتي. والتزم الصمت حيال الانتخابات الفرعية. فهو لا يملك الجواب المقنع.
لقد أكد الحريري أنّ ما يحصل في الجرود هو أكبر ثقة بدور الحكومة والدولة و الجيش. وشدّد رداً على النائب الجميّل أنه لم يخرج لبناني واحد أو أجنبي واحد محكوم من السجون اللبنانية في اتفاق التبادل مع جبهة النصرة. سُلّمت لائحة للجانب اللبناني المفاوض فيها 23 اسماً، رفضت كلّ الأسماء باستثناء أسماء 3 أشخاص غير محكومين وغير لبنانيين. وجاء الرفض من السلطة السياسية ومن القضاء المختص، ايّ من النيابة العامة التمييزية ومن مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية.
أربك فتوش الرئيس الحريري. وجه السعد تعكّر قليلاً. لكن الأجواء بقيت تحت السيطرة. الجميع بقي ملتزماً سقف التهدئة. فعلاقات المكوّنات السياسية في خلافاتها إنما هي محكومة بحالة المساكنة وعدم الاندفاع باتجاه الانفجار، وأنّ الستاتيكو الراهن مرشح للاستمرار، وأنّ أولويات اللبنانيين في المرحلة المقبلة بعد استتباب الحدود الشرقية هي الملفات المعيشية، الانتخابات النيابية المقبلة، ملفات النفط والغاز، الكهرباء والاتصالات واحتواء الشكوك حول الصفقات لدى الرأي العام.