في آب النصر.. ارتفعت هاماتهم شهداء
عبير شروف
بين الرئيس عون والجيش حكاية تاريخ وكفاح حياة واحتفال فروسية وكان بما يليق وما يتحلّى به الجيش اللبناني. هذا الجيش الذي خاض معارك مخيمات نهر البارد. الجيش الذي قارب اقتلاع داعش من جرود عرسال وحسمُ المعركة لصالحه، دونها كيلومترات معدودة، وربما لأول مرة في تاريخه تكون المعركة محسومة بنتيجة من احتمالين: الموت او الاستسلام، والمطلب الملحّ كشفُ المصير الغامض للجنود المختطفين لدى «داعش».
ولو كانت مقاليد القيادة منوطة بالجيش لحسم الأمر منذ البدء على طريقة الجنرال روكز: أقفل خطه، والأمر لي. عندما كانت كرامة الجيش على محكّ النطع والخضوع، فانتفض لوقفة عز في عبرا وبعدها في عرسال. لكنّ الجيش أوقفت عمليّته في العام 2014 في ذروة التحدي، بأمرٍ سياسيّ أوقف إطلاق النّار بعد تدخّلات عدة.
الصمت الاضطراري للجيش، بحكم خضوعه للسلطة السياسية التي تردّدت طويلاً قبل أن تفوّضه بإدارة المعركة للنصر، لحماية لبنان وتحرير الجرود، والتنسيق مع سورية والمقاومة، إن تطلّبت ظروف المعركة، لمصلحة واقعية سياسية ووطنية كانت مطلوبة منذ زمن طويل. وقبل أن تستدرك السلطة السياسية واجبها الوطني تحمّلت المقاومة المهمّة النبيلة وقامت بها على أكمل وجه. وكادت تضحياتها أن تلاقي إجماعاً وطنياً مطلقاً لولا بعض مكابري «عنزة ولو طارت».
ماذا يقول المواطن اللبنانيّ لمَن دافع عن أرضه وحرّرها من دنس الإرهاب؟ ماذا يقول لأهالي الشّهداء الّذين كانوا يَزفّون الشّهيد تلو الآخر إلى ضاحية بيروت الجنوبيّة والجنوب اللبناني والبقاع؟ ماذا يقول لـ«الإعلام الحربيّ» الذي لم يبخل بنقل تفاصيل المعارك؟ لا يسع هذا اللبنانيّ إلا أن يقبّل نعوش هؤلاء الأبطال، وأن يضع أيادي أهاليهم على رأسه، لا يسعه إلا أن تدمع عيناه خجلاً من أي تقاعس مهما كان مصدره، خجلاً من بأسهم هم!
سيقول لسيّد المقاومة: «لولاك لَمُتْنا»، سيقول «مباركةٌ لك العزّة». ولن ينسى الدّولة المحترمة بعد زيارة أبطال المقاومة؟ بل سيكون له موعدٌ مباشر مع مَن تولوا سدة السلطة الرسمية في وطنه، مع حكومته ونوابه. سيسائلهم قريباً، كيف لا وقد خذلوه فيهم، ولا يمكنه في حضرة الحقيقة سوى القول: «شكراً حزب الله»، الذي غطّيْتَ فراغاً وطنياً هائلاً حتى استشعر مسؤولونا مسؤولياتهم الكبرى! ماذا كان فعل اللبنانيون لولا وجود حزب الله في هذه الفترة العصيبة من تاريخنا الحديث، لولا وجود قيادة فذة على رأس تنظيم متماسك ومبدع، قيادة وقتالاً، نصراً وعزاً، كحزب الله، وشركائه من القوى الشريفة في ميادين الشرف القومي؟
حزب الله عانى النصر وعاشه فعلاً، وواكبته قلوب اللبنانيين، وهو يدحر أتباع «النّصرة» ويرحّلهم بـ «الباصات الخضر»، وفوقها ترفرف رايته الذهبية، وكأنها تقول «العفة عند المقدرة». تلك الحافلات التي خصّصها لإذلالهم وكشعار لهزيمتهم بهمّة سواعد المقاومين، رجال الله، كما هتف المذيع على قناة المنار الذي قال أيضاً: «يغادرون ويعبرون من تحت راية المقاومة»، وردّد مراراً وتكراراً عبارة «من تحت راية المقاومة»، وأضاف: «سيعود أهالي عرسال إلى أراضيهم وسيرون دماء الشهداء المقاومين على التّراب… سيعلمون أن حزب الله أول بطل حرّر أرضهم…». ومن حينها بدأت المعادلة الذهبية الثّلاثيّة تتكرّس وتتعزّز قولاً في أوساط الحكومة اللبنانيّة، شعباً وجيشاً ومقاومة، في أجلى صورها وتسمو إلى اعلى قمم الإنجاز والتحقيق.
لم أفاجأ حين سمعت وزير الأشغال يوسف فنيانوس خلال إعلانه مشروع «مسارات مخصّصة حصراً للنّقل المشترك»، حيث ابتدأ تصريحه بالقول: «تحيّة مقاومة للمقاومة والجيش اللبناني».
ومع اقتراب نهاية هذا الآب المضمّخ بدماء الشهداء، والطويل بانتظار أهالي الجنود المختطفين بصيص ضوء عن أبنائهم، وبين جرود الجبال في عرسال ورأس بعلبك والقاع، وجرود السّياسة بين عكاظ المواقف والمزايدات التي كادت تودي بلبنان قبل توافق سياسي وأمني شبه شامل. بين جرود وجرود كادت تتهاوى الأحلام، لولا رايات فخار ونور مشرعة للمقاومة رفعت الأرز مجدداً فوق القمم وأعلته، ولولاً قاماتهم جنوداً ومقاومين، وهتاف جراحاتهم لتشق الدروب نحو قمم نحن جديرون ببلوغها: لو لم تكن المقاومة لوجب إيجادها حتماً!
مهندسة معمارية