الملف الرئاسي يراوح بانتظار النقلة الجنبلاطية
كتب المحرر السياسي:
العنوانان الأمني والسياسي يشغلان اللبنانيين في ظلّ غموض قاتل يحيط بكليهما، ليضاف إليهما غموض ملف العسكريين المخطوفين، ولا يبدو في دائرة الضوء والوضوح سوى ما بات محسوماً لجهة أمر التمديد للمجلس النيابي.
الاستحقاق الرئاسي الذي سجل أمس رقماً جديداً لجلسة نيابية جديدة بلا نتائج تشبه سابقاتها وستشبهها اللاحقات، ينتظر بلا آمال، ولا آفاق، لا داخلية ولا خارجية، إلا ما قد يطرأ على موقف النائب وليد جنبلاط لجهة سلوك خيار إنقاذي، يقوم على التفاوض مع العماد ميشال عون على أحد خيارين، السير به رئيساً خلافاً لمشيئة الرابع عشر من آذار وتوفير النصاب والانتخاب، مقابل صفقة تضمن لجنبلاط مكانة تشبه مكانة والده كمال جنبلاط في عهد الرئيس فؤاد شهاب، أو التعهّد بضمان الإجماع بشراكة قوى الرابع عشر من آذار وخصوصاً تيار المستقبل إذا قبل العماد ميشال عون التنازل للنائب سليمان فرنجية، ليكون لجنبلاط ما كان لوالده من ميزات في عهد الجدّ الرئيس سليمان فرنجية، وبانتظار ذلك يتقاذف الفرقاء مسؤوليات التعطيل بمن فيهم جنبلاط، الذي يرميها تارة على العماد ميشال عون وتارة على التفاهم المؤجل بين إيران والسعودية، وطوراً على تباطؤ الرئيس سعد الحريري في التفاهم مع حزب الله وصولاً إلى صيغة تسوية ما.
في المقابل، القادة الأمنيون والعسكريون في الجيش والأجهزة الأمنية والمقاومة منشغلون بكيفية إدارة الصراع المفتوح على طول الحدود اللبنانية ـ السورية من الهرمل إلى مزارع شبعا، حيث مجموعات مسلحة يقدّر عددها ببضعة آلاف، تواجه مستقبلاً يائساً لمعركتها مع الجيش السوري، الذي نجح بفرض الحصار القاتل عليها في مناطق المرتفعات الجردية الممتدّة على طول السلسلة الشرقية، وقطع خطوط تواصلها مع كلّ المجموعات المسلحة الباقية في ريف دمشق وريف حمص وريف حماة، بعد المعارك التي ظفر بها في يبرود والقصيْر وزارة وقلعة الحصن.
موسم الشتاء يقترب وآلاف المسلحين يواجهون خطر الموت في الصقيع والجليد، حيث لا طرقات ولا مؤن ولا محروقات ولا استشفاء، وحيث السوريون منهم خصوصاً أبناء الأرياف المجاورة من القصيْر وفليطا والزبداني وصولاً إلى حمص، يفكرون جدياً بالبحث عن تسويات لأوضاعهم مع الدولة السورية وأجهزتها تضمن عودتهم إلى بلداتهم وخروجهم من لعبة الموت، ما يضع قادتهم وهم في غالبهم من المجموعات التكفيرية في «النصرة» و«داعش» ومن غير السوريين، أمام الحاجة الماسّة إلى المخاطرة، بدافع هستيريا الحصار القاتل، لمخرج يحفظ بقاءهم ومعهم جسم عسكري يمكن الاستناد إليه في أي معارك مقبلة بعد تخطي الخطر.
المنفذ الوحيد الواقعي كما يصفه مصدر أمني رفيع يتابع وضع هذه المجموعات عن كثب ليس أكثر من واحد من خيارين، خيار النجاح في إحداث اختراق عسكري، يوفر ملاذاً دافئاً مجهّزاً بالمؤن والمستشفيات والمحروقات، كعرسال أو بريتال أو أي بلدة مشابهة على الكتف الغربي للسلسلة الشرقية، وليس بالضرورة ربط ذلك سلفاً بمخططات بعيدة المدى، فيكفي الاختراق والتمركز وبعدها لكلّ حادث حديث، أما البديل فهو التفاوض الذي يؤمّن واحداً من حلّين، إما تسهيل خط الإمداد الذي طرحه الموفد القطري عن لسان قادة المسلحين بانتزاع خصوصية معينة لبلدة عرسال تنال فيها المجموعات التكفيرية المسلحة وضعاً شبيهاً بالوضع الذي حصلت عليه المنظمات الفلسطينية أواخر ستينات القرن الماضي، في ما عرف بـ«فتح لاند» في العرقوب، أو ما نص عليه اتفاق القاهرة بالنسبة إلى سلاح المخيمات، التي يتطلع قادة «النصرة» و«داعش» إلى نيل مثلها في بعض مخيمات النزوح، أو إذا فشل كلّ شيء عسكرياً وتفاوضياً تخفيض سقف التفاوض نحو القبول بالمساومة على مبدأ البقاء، والقبول بنزوح جماعي منظم يفضلونه نحو الجنوب، إلى القنيطرة، ومستعدون لقبوله نحو تركيا بحراً، ومنها إلى الداخل السوري، وربما من تركيا عبر «إسرائيل» إلى القنيطرة مجدداً، أو إلى ضفة حدودية مع لبنان، كما تردّد من تداعيات وخلفيات عملية مزارع شبعا الردعية.
في هذا المناخ الهستيري والقلق، والطرق المسدودة، والارتباك بين سقوف عالية وسقوف أشدّ انخفاضاً، بيد هذه المجموعات ورقتان هما قدرتها العسكرية والعسكريون المخطوفون، وكلما بدا أنّ القدرة العسكرية تصطدم بجدار الاستعدادات واليقظة وتفشل في إحداث أي اختراق، صارت ورقة العسكريين رأسمالهم الوحيد، ولأنه ليس بينهم عقل قيادي بمستوى إدارة تحديات بهذا الحجم يتصرّفون بغباء الهستيريا، فيهدّدون بالذبح ويوقفون مسارات التفاوض، ويرفعون سقوفاً لا يملكون أدوات فرضها، وتصير هذه الورقة عبئاً عليهم ومصدر المزيد من الإرباك لهم بسبب سوء التقدير وسوء التصرف، والجهل بأنها تصلح لتكون بوليصة تأمينهم إذا سلّموا بالعجز عن إحداث أي اختراق للمناطق اللبنانية، وباستحالة القبول التفاوضي بمنحهم أيّ ميزات من التي يحلمون بها، وبأنّ العودة إلى قتل العسكريين، يدفع الحكومة اللبنانية أكثر وأكثر لوقف التفاوض وحسم أمرها باللجوء إلى الخيار العسكري بالتنسيق بين الجيشين اللبناني والسوري وحزب الله، وأنّ العقل يقول بالقبول بالرحيل حلاً أحادياً، بضمانات استقبالهم في قطر، مقابل الإفراج عن العسكريين، وتسريع ملف محاكمات الموقوفين، والتعامل معها بإيجابية من الحكومة اللبنانية.
تسارعت التطورات على صعيد قضية العسكريين المخطوفين من قبل تنظيمي «داعش» و«جبهة النصرة» بالتزامن مع محاولات تسلل لمسلحي التنظيمين إلى مراكز الجيش في بلدة عرسال، والتي صدها الجيش بعد اشتباكات مع المهاجمين.
وتطرق رئيس الحكومة تمام سلام خلال جلسة مجلس الوزراء أمس إلى موضوع العسكريين المخطوفين ووضع الوزراء في جو المساعي لتحريرهم، مؤكداً الاستمرار بكل الأوجه للتوصل إلى تحرير العسكريين، كما أكد عدم اليأس «لأن هذه القضية هي على رأس أولوياتنا، وسلامة العسكريين من سلامة الوطن، وسنبذل المساعي على مختلف الصعد حتى تحرير العسكريين». وناشد الرأي العام اللبناني وأهالي المخطوفين الوقوف إلى جانب الحكومة حتى تحريرهم.
ولفت وزير الصحة وائل أبو فاعور إلى أن «هناك حلقة مفقودة في هذا الملف يجري العمل على علاجها والدولة اللبنانية جدية في مسألة المفاوضات، وتريد أن تصل إلى نتيجة».
عودة التهديدات والابتزاز
وكانت حالة ذعر انتابت أهالي العسكريين صباح أمس إثر اتصالات مفاجئة تلقوها من أبنائهم المخطوفين ودعوهم فيها باستمرار التحرك في الشارع لتحريك المفاوضات وحض الحكومة على القبول بالمقايضة، وإلا سيذبحون خلال أيام قليلة، بحسب ما روى الأهالي.
وأكدت مصادر مطلعة لـ«البناء» أن المجموعات المسلحة ساءها فك أهالي العسكريين الحصار عن البقاع فلجأت إلى التهديد بقتل العسكريين، ولا سيما أنها كانت تسعى إلى إبقاء البقاع معزولاً وإدخاله في حرب استنزاف. وأشارت المصادر إلى أن المسلحين ردوا على خطوة الأهالي نقل الاعتصام إلى ساحة رياض الصلح بابتزازهم مجدداً تحت وطأة التهديد بالقتل، مشيرة إلى أن إقدام هؤلاء على ارتكاب الجرائم ليس مستبعداً إذ أنه ليس أمراً جديداً.
وعلمت «البناء» أن المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم سيلتقي اليوم أهالي العسكريين، بعدما كان وفد منهم التقى أمس الأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع اللواء محمد خير الذي أبلغهم «أن الحكومة ستطلق المفاوضات لإطلاق سراح العسكريين والإفراج عنهم».
لكن عضو «هيئة علماء المسلمين» الشيخ حسام الغالي أكد لـ«البناء» أن «الأمور معقدة جداً والبلد على كف عفريت» سائلاً: «طالما أن الموقوفين في سجن رومية الذين يطالب بهم تنظيما داعش وجبهة النصرة، يديرون مجموعاتهم من داخل السجن عبر الهواتف وأجهزة الكومبيوتر والانترنت المتوافرة لديهم، لماذا لا يطلق سراحهم؟».
وأشار إلى أن المفاوضات القطرية لم تصل إلى حائط مسدود، ولو حصل ذلك، لكان المسلحون عمدوا إلى قتل العسكريين.
أمنياً، واصلت المجموعات المسلحة المتواجدة في جرود بلدة عرسال محاولاتها التسلل إلى مراكز الجيش، إذ بعدما صد الجيش إحدى هذه المحاولات في وادي حميد ليل أول من أمس، صدت مساء أمس محاولة أخرى للمسلحين في منطقة المصيدة في البلدة المذكورة بعد اشتباكات معهم.
وليلاً أفادت قيادة الجيش بأنه وأثناء مرور آلية تابعة للجيش في محلة قشلق- الأوتستراد الجديد في عكار، تعرضت لإطلاق نار من داخل الأراضي السورية. كما أطلق مجهولون من داخل مخيم المصيدة في عرسال النار باتجاه آليتين تابعتين للجيش عند مرورهما في المكان فردت الدورية بالمثل على مصادر النيران من دون إصابة أحد.
وكان جنديان تعرضا لإطلاق نار من قبل مسلحين مجهولين قرب بلدة الريحانية في عكار ما أدى إلى استشهاد أحد الجنديين وإصابة الثاني إصابة حرجة. وبعيد منتصف الليل تعرّض الجيش لاعتداءات متفرّقة في طرابلس من دون الإبلاغ عن إصابات.
توقع حصول اعتداء في أي لحظة
وأوضح مصدر عسكري لـ«البناء» أن محاولة المجموعات المسلحة التسلل إلى بعض مراكز الجيش في محيط عرسال كان الهدف منه أحد أمرين: إما محاولة معرفة جاهزية الجيش استعداداً للقيام بهجمات أوسع، وإما خطف جنود لممارسة المزيد من الابتزاز على الحكومة والمؤسسة العسكرية. وأكد المصدر أن الإرهابيين تيقنوا مجدداً أن الجيش جاهز للتصدي لأي اعتداء. مشيراً إلى أن محاولات التسلل ليست الأولى من نوعها بعد أن كان المسلحون قاموا قبل ذلك بزرع عبوات وتفخيخ إحدى السيارات. ورأى أن الإرهابيين من الممكن أن يقوموا في أي وقت ليس بالتسلل فقط، بل باعتداء واسع على مواقع الجيش، لكنه أكد أن الجيش جاهز للتصدي لأي اعتداء والرد عليه بقوة.
التعقيدات الرئاسية تطيح جلسة الانتخاب
سياسياً، فشل المجلس النيابي للمرة الثالثة عشرة بانتخاب رئيس للجمهورية بسبب فقدان النصاب، إذ حضر الجلسة 58 نائباً علماً بأن النصاب القانوني لانتخاب الرئيس هو الثلثان أي 86 نائباً من أصل 128.
وحدد رئيس المجلس نبيه بري التاسع والعشرين من الجاري موعداً للجلسة الرابعة عشرة وذلك استباقاً لانتهاء ولاية المجلس الحالي في 20 تشرين الثاني المقبل. ونقل زواره عنه قوله إن موضوع الاستحقاق الرئاسي تواجهه تعقيدات داخلية وخارجية، لافتاً إلى أن «الداخلية معروفة أما الخارجية فمرتبطة بمصير الخط الأميركي- الإيراني والخط الإيراني السعودي مع أن الخطين منفصلان. وبغض النظر عن هذا لو جرى تذليل العقد الداخلية فأنا أضمن انتخاب رئيس جديد».
وفيما أكدت مصادر نيابية في «جبهة النضال الوطني» لـ«البناء» أن المشهد في الجلسة المقبلة لن يتغير، وستكون كسابقاتها، إذ لا شي يوحي أن هناك انتخابات رئاسية قريبة، أشارت مصادر بكركي لـ«البناء» إلى «أن الانتخابات الرئاسية لا تزال تدور في حلقة مفرغة. واعتبرت «أن الكرة ليست في ملعب الرئيس سعد الحريري ولا البطريرك بشارة الراعي إنما في ملعب العماد ميشال عون وحزب الله الملتزم ما يقرره الجنرال». وأكدت المصادر «أن البطريرك الماروني منزعج من الفراغ الرئاسي، إلا أنه لم يعد بمقدوره التأثير، فالتفاهم على الرئاسة بات يتطلب تفاهماً إقليمياً». وهذا الموضوع إضافة إلى ملف التمديد للمجلس النيابي والتهديدات التي يتعرض لها لبنان من جانب التنظيمات الإرهابية ستكون محور لقاء الراعي-الحريري في روما الاثنين المقبل.
إلى ذلك، حذر النائب وليد جنبلاط خلال اجتماع استثنائي للمجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز، من «المخاطر المحدقة التي تهدد لبنان في هذه المرحلة الحساسة من تاريخه»، ومشدداً على «ضرورة العمل الحثيث على تقريب المسافات بين اللبنانيين لتجاوز التحديات السياسية والأمنية والاقتصادية المتنامية».