أردوغان كلمنجي
ناصر قنديل
– عندما أعلن الرئيس التركي رجب أردوغان ما بدا أنها شروطه للانخراط في تحالف الحرب على الإرهاب، توقّع أغلب المحلّلين في الغرب والمنطقة أننا ندخل مرحلة جديدة من التعقيد، فشروط أردوغان صعب رفضها من قبل واشنطن وصعب التورّط بقبولها، خصوصاً أنه تماشى مع الجمع الأميركي والسعودي والفرنسي بين الحرب على «داعش» و«النصرة» من جهة وبين مواصلة الحرب على الدولة السورية من جهة أخرى، وما ترجمه قادة الحلف بالإعلان أنّ الشريك السوري في الحرب هو ما أسموه بـ«المعارضة المعتدلة»، مصنّفين الرئيس بشار الأسد في خانة الأعداء مصرّين على طريق التصادم رافضين كلّ تنسيق.
– جاء أردوغان كضرورة لمنح الحرب مصداقية يدرك أهمية معادلة العرض والطلب، ففي أزمة أوكرانيا كان يعرض نفسه وبضاعته كاسدة في السوق، قدم أردوغان الإسناد الناري والخط الخلفي وفوقهما وحدات نخبة، لتكون معركة كسَب مؤشراً على الانتقال إلى مرحلة حبس أنفاس لمخاطر الانزلاق إلى مواجهة مباشرة سورية ـ تركية تهدّد بتفجير المنطقة، ووصلت التهديدات الإيرانية، وبقي أردوغان يوجه الرسائل إلى واشنطن بعنوان مستعدّ لحالة حرب مع سورية، وبذريعتها اعتبار السفن الروسية العابرة للبوسفور محظورة المرور باعتبارها لدولة حليفة لدولة في حالة حرب مع تركيا، ووصل الجواب الأميركي أنّ مثل هذا الجنون يفجر العالم، فتراجع أردوغان وعرفت سورية لعبة الزمن فاستعادت كسب.
– قبل ذلك كانت أزمة سقوط الطائرة التركية بواسطة الدفاعات الجوية السورية، وجاءت في ذروة تصعيد سياسي من أردوغان ووزير خارجيته السابق ورئيس حكومته الحالي داوود أوغلو تحت عنوان مناطق الحظر الجوي، ولن نقف مكتوفي الأيدي أمام ما يجري للمعارضة المسلحة في سورية، ومستعدون لكلّ الاحتمالات بما فيها الخيار العسكري، وعلى رغم سقوط الطائرة احتفظ أردوغان بحق الردّ ومرّت تهديداته كزوبعة في فنجان وابتلع أردوغان لسانه ومضى.
– هذه المرة قال الجميع إنّ الأمر مختلف، فأميركا تدخل الحرب في المنطقة تحت عنوان «داعش» و«النصرة»، ووضع أردوغان تحت حال طلب وليس في حال عرض، هو رئيس الدولة الوحيدة في حلف الأطلسي التي تملك حدوداً مشتركة مع الدولتين المعنيتين سورية والعراق، وجيشه منظم وقادر، وعلاقاته بـ«داعش» و«النصرة» تثير الشبهة على أميركا ما لم يدخل الحرب، كأنها تنافق في حربها وتوزع حلفاءها بين من يحالف الإرهاب برضاها ومن يخاصمه بقيادتها، وأردوغان فوق ذلك يعرض ثمناً للمشاركة يفترض أنه يتلاقى مع الثنائية الأميركية السعودية فيجب أن تدرّ عليه غطاء سياسياً ومالاً وفيراً، لا لـ«داعش»، لا للأسد، هكذا قالها أردوغان ووضع للدخول في الحرب شرط الإصرار على مواصلتها حتى إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد وتغيير نظام الحكم في سورية، وعرض الآلية، إقامة مناطق عازلة وحظر جوي على الحدود بذريعة تأمين مكان آمن يتسع للنازحين السوريين داخل الأراضي السورية، وبدأت التساؤلات عن موعد الدخول البري التركي إلى الأراضي السورية، والكلّ بات يناقش ماذا بعد حرب أردوغان، فكيف ستردّ سورية التي اعتبرت موقفه عدواناً موصوفاً، وكيف ستتصرف إيران وروسيا، لكن أحداً لم يطرح السؤال هل يكمل أردوغان طريقه؟
– حتى وزيرا خارجية أميركا وبريطانيا أول من أمس لم يتجرأ أحد منهما على القول لا داعي لورطة أردوغان، فأولويتنا واحدة وهي الحرب على «داعش»، بل قالا إنّ الفكرة جديرة بالدراسة وستدرس، حتى لما جاء كلام نائب الرئيس الأميركي جو بايدن التوبيخي لتركيا والسعودية كاشفاً رعايتهما ومسؤوليتهما عن نمو الإرهاب، والتنبيه الضمني لكون باب الاجتهاد مقفل وعلى الجميع الانضباط بالأجندة الأميركية، وتلاه الاعتذار الذي وزعه أردوغان وليس مكتب بايدن، من دون أن يصدر توضيح أو تصحيح أو نفي لما قاله بايدن، فاكتفى أردوغان بنشوة الإعلان عن الاعتذار، حتى جاء موقف روسي قاطع بأن لا مشروعية لأيّ حديث عن منطقة عازلة بلا قرار من مجلس الأمن، فتلاه فوراً الكلام الرسمي للبيت الأبيض يقول لا مناطق عازلة، فهرول أردوغان ووزير خارجيته للإيضاح، أن لا تدخل برياً تركياً في الأراضي السورية ولا مناطق عازلة، وجرى التداول سراً بمعلومات عسكرية وصلت للجيش التركي أبلغ أردوغان بنتيجتها أنه يورّط تركيا بمغامرة لا يقدر الجيش على مجاراته بها، طالما أنّ سورية ستردّ بقصف كبريات المنشآت العسكرية التركية بالصواريخ المتوسطة والبعيدة المدى، ومع تفاقم الحرب واستهداف تركيا للمدن السورية الكبرى لن تكون مثيلاتها التركية بمنأى، وجاءت عملية المقاومة في مزارع شبعا مصداقاً لحسابات جديدة لدى الحلف المقاوم تريد قلب الطاولة إذا ما تواصل الاستفزاز.
– في كلّ مرة يذهب أردوغان لصعود شجرة الحرب على سورية يعبّر عن حقيقة موقفه ورغباته، فالسلطنة وهم بلا سورية، وحكم الإخوان في تركيا سيتخلع بلا نصر في سورية بعد نكسة مصر، لكن عندما يصل الأمر للأفعال يجد أردوغان معادلته الشهيرة التي لو قالها منذ البداية لأثار الضحك والسخرية، أنّ الأمر يحتاج إلى قرار من مجلس الأمن وفقاً للفصل السابع ولا يبدو ذلك متوفراً.
– أردوغان كلمنجي.