داعش والانتشار السريع… الهزيمة أسرع

محمد ح. الحاج

مع بداية الربيع العبري في بعض الدول العربية بدا الأمر ملتبساً، هي إذاً الفوضى الخلاقة التي تمّ التبشير بها على مدى سنوات وعلى لسان الكثير من المسؤولين في الإدارة الأميركية عندما تبدأ الفوضى في أيّ مكان في العالم فهذا يعني أنّ أحد رجالنا يقودها وأنها لخدمة مصلحة ما من مصالحنا عبر العالم كلام لغلاة قادة الماسونية في العالم، وأما الالتباس في بيان ملامح ما يحصل فهو لتكون الصبغة داخلية بوجوه محلية يتمّ التحكم بها من الخارج، وهكذا كان يظهر صهيوني يهودي في مقدمة أو بين ثوار الغفلة من العربان أو الأعراب، الأكثر ظهوراً كان برنارد هنري ليفي، في ليبيا، في اسطنبول مستقبلاً زبانية الفورة، في باريس، ثم في الشمال السوري بين الأكراد، وما كان ظهوره إلا للدلالة والتأكيد لمن يهمّهم الأمر في المحافل أنّ ما قيل سابقاً من أنّ الفوضى هي صناعتنا، وهي حقيقة تقوم حالياً وهذا دليلنا، لم يكن ليفي هو الوحيد، كان هناك ومن خلف الستارة عشرات أمثاله وربما أكثر أهمية وفاعلية منه.

دولة إسلامية في العراق والشام، واختصروها داعش، وفي الغرب ISIS ويمكن أن تكون النظام العالمي للأمن الاسرائيلي International System for Israel Security وهذا يجسّد جوهر ما يحدث ويبيّن حقيقة الأهداف، لكن نظام ISIS لم يظهر في البدايات خصوصاً في الشام خدمة لاستكمال عملية التضليل رغم انكشاف أنّ القيادة والتحكّم في الحراك هي للإخوان المسلمين وليست حركة شعبية عادية كما تمّ تصويرها في البداية، مع أنّ التغرير طال فئات من البسطاء ولزمن غير قصير، وهنا لعب التحريض والمال دوره بحيث أنّ سندويتش من اللحوم ومعها خمسمائة ليرة سورية وزجاجة صغيرة من المياه الغازية كانت تستدرج المئات من الشباب وخاصة في حمص وحماة وربما في محافظات أخرى، لكننا كنا على تواصل واطلاع مع كثيرين في هاتين المحافظتين وفي مرحلة لاحقة بدأت عمليات توزيع الحبوب المخدّرة.

«النظام الدولي لأمن إسرائيل»، والذي جسّدته منظمة داعش تمّ إنجازه في مكاتب الاستخبارات الصهيونية الموساد – التي استقدمت البغدادي من المعتقلات الأميركية ودرّبته ليكون البديل للزرقاوي الذي خرج عن الخطط الموضوعة واتخذ قرار تصفيته تمهيداً لظهور توأم القاعدة بقيادة الخليفة وهذا التنظيم طبقاً للخطة الموضوعة سيكون الأقدر على استقطاب كلّ التنظيمات أو أغلبها بعد مبايعته على قاعدة إيمانية وهابية، تماماً كما بايع بن عبد الوهاب معلمه هيمفر، وكما بايع الإخوان بريطانيا.

«الجيش الحرّ» الذي تشكل من الذراع العسكري للإخوان وهو بطبيعته تكفيري سلفي متعصّب، يتماهى واقعياً مع كلّ من النصرة الجناح الذي بقي على ولائه للقاعدة، ومع الوليد الجديد داعش، وقد يكون البعض من خلص القادة يعرفون أنّ التنظيم بكليته يعمل في خدمة مشروع غربي كبير يستهدف سورية كدولة مقاومة بوجه المشروع الصهيوني، كما يستهدف المقاومة ذاتها في طرق امدادها وبيئتها الحاضنة وما جرى على أرض الواقع يثبت ذلك واقعياً وليس مجرد تحليل فقط.

انتشار داعش بعد أن التحقت به أغلب الفصائل والألوية والتشكيلات المقاتلة من «الجيش الحرّ» الذي كان يقوده ضباط خونة هم بالأصل من تنظيم الإخوان أمكن لهم بوسائط عديدة اختراق البعث والوصول إلى الكليات العسكرية بعد الحصول على أرقام حزبية وهذا له مبحث آخر، هؤلاء هم من اجتهدوا والتحقوا بتنظيم داعش حيث كان له السيطرة، وبعضهم الآخر التحق بالنصرة حيث سيطرت وما بقي لهم من حرية حركة حتى في معاقلهم الأولية في ريف حمص الشمالي أو محيط كلّ من حلب وإدلب.

انتشرت داعش بسرعة فائقة في المناطق التي تخلو من وجود عسكري كبير، وكان انتشارها بموجب خرائط غربية وتوجيهات مباشرة مع إمداد كثيف بالعتاد والرجال عبر تركيا بشكل رئيس ومحاور أخرى أهمّها الأردن وجانب من الحدود العراقية، أما عملية احتلال الموصل فكانت لعبة أميركية مع تواطؤ عراقي من بعض الضباط لتمكين داعش من السيطرة على السلاح الحديث الذي تمّ تزويد العراق به بموجب عقود وتمّ تركيزه في المنطقة المذكورة.

لقد ساهمت الاستخبارات المركزية الأميركية برعاية التنظيم وإمداده وحمايته بكلّ الطرق، واكتشف الجيش العراقي، وبعض وحدات الحشد الشعبي عمليات الإنزال الجوي تحت جنح الظلام للإمداد أو الإخلاء وما يؤكد ذلك هو وجود قواعد عديدة للحوامات وبعض المارينز وأغلبهم من عناصر الاستخبارات المركزية في الشمال السوري كما أنّ العملية الأخيرة في دير الزور كانت بالتنسيق مع قيادات داعش المحلية هناك، وبأنّ الهدف منها وهو إخلاء قيادات داعش الأجنبية وتصفية بعض القيادات المحلية الذين يعرفون ما لا يجب كشفه والاطلاع عليه بعد أن لاحت بوادر الهزيمة النهائية، ونرى أنّ العملية إياها تؤكد اليقين الأميركي باقتراب النهاية.

التسارع العجيب في سقوط مواقع داعش يثير مكامن الخوف الصهيونية ما يؤكد أنّ الإصابة القاتلة ليست في صدر دولة إسلامية في العراق والشام، بل هي في قلب النظام الدولي للأمن الصهيوني وهذا ما يدفع بقادة الصهاينة إلى هستيريا التصريحات والتهديدات والزيارات الفاشلة إلى عواصم القوى الكبرى… وأغلبها حمل في عودته… خفي حنين.

الائتلاف الذي يتباهى بحمل اسم الرياض ما زال يعيش في عصر مضى وذهنية المأخوذ بغروره، وقد أصمّ أذنيه عن وقع الأحذية الثقيلة لجيش النصر، وعن صراخ أدواته واستغاثتهم التي يوجهونها للعدو اليهودي، وما زال بعض رجال هذا الاعتلاف يردّدون اسطوانة قال لهم محاوروهم على شاشات الفضائيات إنها مشروخة وممجوجة، ولقد دفع بي أحدهم إلى ضحكة طويلة وساخرة، إنه الضابط المشقوق أحمد رحال الذي لم يجد من رسالة أخيرة يوجهها سوى أنه وجماعته يراهنون على أطفال المخيمات وهم حوالي 500 ألف… هؤلاء بعد عشرين عاماً سيعملون لإسقاط النظام ورحيل الأسد…!

قال أحمد رحال أنّ خدمته بلغت 32 عاماً في الجيش، ولم يكن مسموحاً إطلاق رصاصة على العدو عبر الجولان… كنا نحن نحرسه! كما قال، وعندما سئل لماذا لم يفعل كما فعل جول جمال باعتباره ضابط بحرية ليسجل في قائمة الأبطال أجاب: «أنا لوحدي ما فيني اعمل شيء»!

أيها القارئ الكريم، يبدو أنه لا بدّ من توضيح مهم وهو أنّ اتفاقية الفصل تمّ إدراجها تحت الفصل السابع، وخرقها يعطي الحق لدول العالم وأولها الولايات المتحدة التي ضمنتها وتضمر لسورية الشرّ ان تقوم بعمل عسكري، وهكذا تمّ الحفاظ على هدوء هذه الحدود دون التوقف عن محاربة العدو، ويذكر الجميع المعارك الطاحنة عبر لبنان وجنوبه، وكم قدّم جيشنا من تضحيات، وكم لحق بالعدو من خسائر، النظام الذي يعمل على حماية العدو لا يمدّ منظمات المقاومة بالسلاح ولا يدرّبها، لكن المغرضين وأدوات العمالة لا يستطيعون رؤية ذلك ولا يرغبون بذكره.

اتفاقية خط العرض 17 بين جزئي فيتنام كانت مشابهة تماماً لاتفاقية الفصل في الجولان، وقد حافظ القائد هوشي منه على هدوء الخط 17 وفتح جبهات لاوس وكمبوديا واستمرّ حتى ألحق الهزيمة بأميركا، وفي الواقع السوري وحده الأردن حمى الحدود الطويلة القادرة على إنهاك العدو، وطرد المقاومة ما اضطر الرئيس الأسد أن يحذو حذو القائد هوشي منه، الفارق أنّ المرحوم الرئيس الأسد لم تكتب له الحياة ليعيش انتصار 25 أيار 2000 بكلّ تفاصيله وهزيمة العدو التي عمل لسنوات طويلة بكلّ قوته لتحقيقها، لكن المنية وافته بعد في 10 حزيران 2000، أيّ بعد أسبوعين فقط من التحرير.

الضابط المنشق أحمد رحال تجاهل خسائر العدو البحرية والجثث التي انتشلها الأتراك وأعادوها للصهاينة، فهل تقوم معارك طاحنة بين نظامين متحالفين أيها العميل الغبي، إنما أنت وجماعتك رغبتكم رؤية وطنكم يقع تحت طائلة الحصار والعقوبات والانهيار، وكأنكم ترقصون فرحاً ساعة اغتصاب أمهاتكم.

هزيمة داعش على الأبواب وبعدها النصرة… وسريعاً ما تتحقق، أما سقوطكم فهو الأكثر سرعة إنه السقوط المريع… وطنياً وأخلاقياً وإنسانياً، وتذكّروا أنّ أغلب سكان المخيمات هربوا من بطش داعش والنصرة ومنهم آلاف من أقربائي وهؤلاء ليسوا معكم ولا تستطيع الرهان عليهم أنت ومشغلوك الذين تاجروا بهم وسبوا بناتهم… العار يلبسكم!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى