…والنظام الطائفي السفّاح مَن يحاسبُه؟
حسين حمّود
رغم أن انتصار الجيش اللبناني على الجماعات الإرهابية وطردها من جرود رأس بعلبك والقاع وتقديمه شهداء في المعركة العنيفة التي خاضها بالتزامن مع الانتصار الذي حققه الجيش السوري والمقاومة في جرود القلمون السوري في الجهة المقابلة، وبالتالي إراحة وحماية لبنان واللبنانيين من جرائم الإرهابيين التي ذاقوا مرّها.
ورغم الفضائح التي تكشّفت عنها قضية الجنود الذين اختطفتهم التنظيمات الإرهابية إبان تفجيرها معركة شرسة ضد الجيش اللبناني في عرسال في آب 2014، وتبيّن أن القرار السياسي اللبناني هو وراء استمرار الجنود في الأسر حتى استشهادهم.
ورغم المطالبات الواسعة بفتح تحقيق حول ملابسات تلك الحقبة وأبوابها ونتائجها ومحاسبة المسؤولين المباشرين وكل من يظهره التحقيق محرّضاً أو متدخلاً في تلك الجناية الكبرى التي تصل حدّ الخيانة الوطنية، علماً أن هذا الأمر لن يحصل، لأنه يطال رؤوساً كبيرة كانت في موقع القرار السياسي آنذاك.
ورغم كل ذلك، فإن القوى المسؤولة عما حصل، محلياً وعربياً ودولياً، في المعركة أو في جريمة اختطاف العسكريين الشهداء، لم تقفل على الأقل فمَها عن تبخيس حجم الانتصار المنجز، ولو خجلاً من شهداء الجيش اللبناني والمقاومة وإلحاق الأذى المعنوي بالجيش والمقاومة وشهدائهما.
طبعاً، الكلام أو السكوت لن يَعيد أيٌّ منهما عقارب الساعة إلى الوراء، ولن تتلاشى الإنجازات المحققة ولو كره الكارهون، لكن تلك المواقف المخزية، تشير إلى أن المعركة مستمرّة ضد المقاومة، كما التشكيك في الجيش، وذلك ضمن المعركة الإقليمية والدولية المتواصلة ضد كل ما هو مزعج لـلكيان الغاصب في فلسطين المحتلة، لا سيما أن ما باتت تملكه المقاومة من سلاح وما اكتسبته من خبرات قتالية جديدة، بات يهدِّد فعلاً وجود الكيان «الإسرائيلي» على أرض فلسطين.
وبالإضافة إلى استمرار هذه الجبهة مفتوحة ضد المقاومة، وهي كفيلة وذات ثقة في مواجهة مَن يريدون سحقها وإزالتها، فقد ظهر مجدداً أن النظام الطائفي الذي يحكم لبنان ومنذ إنشاء كيانه، ليس استغلالياً وحامياً للسارقين والفاسدين ولا رجعياً ومتخلفاً في بنيته وروحه، عن الحضارات الإنسانية والفكرية والتربوية والاجتماعية التي تسبقه بأجيال لا تُعد ولا تحصى، بل هذا النظام هو أخطر من ذلك إذ تبيّن من خلال بدء المواجهات مع القوى الإرهابية عام 2000، أنّه نظام مجرم بامتياز لا بل سفّاح بحق أبنائه من الأديان والطوائف والمذاهب كلّها بلا استثناء.
ولا يعني ذلك أن الطوائف منفردة تخوض حرباً ضد طوائف أخرى، بل في كل مرة يرى قسمان من طائفتين أو ثلاث أو أربع، أن مصالحهما أو مشاريعهما السياسية مهدّدة، فينشأ تحالف غير مقدّس بين تلك الأقسام الطائفية، يخوض حرباً شرسة ضد من يعتبره هذا التحالف عدواً له، حتى لو كان، أي التحالف، غير محقّ ويحمل مشروعاً ضد الكيان والأمة ويخدم أعداء الأخيرَيْن، حتى لو كلّف ذلك ارتكاب مجزرة بحق أبناء الوطن، طالما أنهم سيبقون خارج المحاسبة، لأنّهم محميون طائفياً على المستوى الرسمي وإلا سيكون التسعير المذهبي والطائفي جاهزاً لتجييش الشارع والصدام الدموي مع مَن يعارضهم.
وهذا ما حدث عام 2014 في معركة عرسال وخطف العسكريين الذين استشهدوا لاحقاً. إذ حينها تعرّض الجيش لحرب قذرة من جانب قوى طوائفية حملت على الجيش وأطلقت مزاعم كاذبة حول عقيدته الوطنية، وأكثّر من ذلك سهّلت خطف العسكريين ونقلهم من قبل تنظيمي «داعش» و»جبهة النصرة» إلى الجرود، وتوزيعهم بينهم بعد احتجازهم في منزل أحد أخطر المطلوبين للقضاء وبحقه مذكرات توقيف عديدة، لكنه كان محميّاً وما زال.
«الله فوق كل شيء»، لكن يبدو أن في لبنان الطائفة، على مستوى ممثليها الرسميين، هي أولاً وأخيراً وقبل وبعد كل شيء، مهما كانت رفعته. ويبدو أننا بعد التطورات السياسية والعسكرية في لبنان والمنطقة ذاهبون إلى مواجهات كبرى قد تُعدم لبنان الكيان هذه المرة بفضل النظام الطائفي السفّاح.