إصلاح قانون العمل يطرح تحدّياً كبيراً للرئيس الفرنسي.. ومنتقدوه يعتبرونه «تدميراً اجتماعياً»
واجه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي يسجل تراجعاً كبيراً في استطلاعات الرأي، التحدي الأول الكبير في ولايته مع عرض حكومته أمس إصلاحاً لقانون العمل ينتظر بترقب كبير.
وهذه الورشة الكبرى التي تسبق الإصلاح المرتقب لإعانات البطالة ونظام التقاعد والنظام الضريبي، هي المحطة الأولى من «تجديد للنموذج الاجتماعي» وعد به الرئيس الذي انتخب في 7 أيار في بلد وصفه بنفسه بأنه «غير قابل للإصلاح».
وعرضت أمس خمسة مراسيم حكومية أعدّت خلال الصيف على الشركاء الاجتماعيين قبل أن يتناولها وزير العمل بشكل مفصّل خلال مؤتمر صحافي.
والهدف هو منح الشركات المزيد من المرونة من أجل تشجيعها على التوظيف في وقت تبقى البطالة التي تتصدّر اهتمامات الفرنسيين، مرتفعة جداً إذ تطاول 9.5 في المئة من القوة العاملة وخصوصاً الشباب.
وأوضح ماكرون في مقابلة مطوّلة نشرتها مجلة «لوبوان» أمس «أن الهدف هو تحقيق تحوّل عميق وطموح».
وقال في المقابلة المفصلة التي تشكل ابتعاداً عن استراتيجية «الندرة في الكلام» التي اعتمدها بعد انتخابه، إن الهدف ليس الإصلاح من أجل الإصلاح، بل هو يعتبر «وسائل وأدوات من أجل التوصّل إلى شيء آخر: تحرير الطاقات».
وقال الأستاذ في مركز الأبحاث الدولية في معهد الدراسات السياسية في باريس كريستيان لوكين «إن أبعاد هذا المشروع لا تقتصر على الصعيد الوطني لأن ماكرون يجسّد أملاً لجميع الذين ينتظرون إصلاحاً في فرنسا، وخصوصاً ألمانيا».
وتابع «إنه اختبار» في حين أن «ما يطغى دائماً في نظرة الدول المجاورة إلى فرنسا هو عجز هذا البلد عن إنجاح إصلاح سياساته العامة من دون أن تندلع على الفور الحرب الاجتماعية».
وينطوي هذا الإصلاح على أهمية كبرى بالنسبة لماكرون الذي يرى فرنسا في دور المحرّك لأوروبا و«زعيمة للعالم الحر»، إذ أشار الباحث إلى أن «الزعامة التي يمكن ممارستها على الساحة الدولية أو الأوروبية العابرة للحدود الوطنية، تتوقف بشكل متزايد على القدرة على قيادة البلاد بصورة جيدة».
وعلى الصعيد الداخلي، يبدو الوضع معقداً مع التطلعات الكبرى التي يبديها أرباب العمل، والمعارضة التي تؤكدها بعض النقابات.
ويرى منتقدو الإصلاح أنه «تدمير اجتماعي» و«قانون عمل مضاعف» في إشارة إلى القانون الذي أقرّ في عهد الرئيس السابق الاشتراكي فرنسوا هولاند وأثار تظاهرات حاشدة شارك فيها الآلاف على مدى أشهر، لتشهد البلاد أسوأ أزمة اجتماعية واجهتها حكومة يسارية في تاريخ فرنسا.
ودعت الكونفدرالية العامة للعمل، إحدى النقابات الفرنسية الكبرى، إلى «يوم تعبئة في 12 أيلول»، من دون أن تلقى تجاوباً في الوقت الحاضر من التنظيمات العمالية الكبرى الأخرى.
وفي ما يتعلق بالأحزاب السياسية، دعا حزب «فرنسا المتمردة» اليساري الراديكالي إلى «التدفق» إلى باريس في 23 أيلول لمقاومة «الانقلاب الاجتماعي».
لكن لا يعرف في الوقت الحاضر إن كان زعيمه جان لوك ميلانشون، المرشح سابقاً للانتخابات، سينجح في تعبئة الذين لا ينتمون إلى قاعدة ماكرون الانتخابية، وسط مشهد سياسي طبعه انهيار الأحزاب التقليدية.
فبعد ثلاثة أشهر على انتخابه في ظلّ التفاف سياسي حوله لصدّ مرشحة اليمين المتطرّف، سجلت شعبية الرئيس الوسطي البالغ من العمر 39 عاماً تراجعاً كبيراً في استطلاعات الرأي.
وبلغ هذا التراجع في آخر أرقام صدرت أول أمس 11 نقطة خلال شهر و19 نقطة خلال ثلاثة أشهر، وباتت غالبية من الفرنسيين 55 تبدي رأياً سلبياً حوله.
وأقرّ المتحدّث باسم الحكومة الأحد بأنّ السلطة التنفيذية تواجه «صعوبة»، ناسباً ذلك إلى «نقص في الشرح والتلقين».
و»التلقين» هو شعار هذا الفصل الذي يشهد استئناف العمل السياسي وسط توتر بعد العطلة الصيفية.
وقال رئيس الوزراء إدوار فيليب الاثنين «ما نريده هو أن يفهم الفرنسيون تماماً ما نريد القيام به بكليته، وتماسكه والمغزى منه، ليتمكنوا لاحقاً من الحكم عليه».
غير أنّ ماكرون يتوقع من جهته أن «يتعايش على مدى أشهر مع نفاد صبر الشعب»، بحسب ما قال في المقابلة.