خيارات الحريري… أحلاها مرّ
هتاف دهام
هل يُطيح التصعيد السياسي المتبادل بالحكومة؟
خُرقَ مناخ التهدئة الذي طبع عمل حكومة استعادة الثقة في مرحلة ما بعد انتخاب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون. «تمرَّد» وزراء 8 آذار على موقف رئيس الحكومة سعد الحريري، وقام عدد منهم (حسين الحاج حسن، غازي زعيتر، يوسف فنيانوس) بزيارات رسمية لسورية. استتبع ذلك، باضطرب الجو السياسي مع عملية تحرير الجرود وتسوية التبادل مع تنظيم «داعش» والحديث عن التنسيق مع سورية لحلّ أزمة النازحين. فخرجت التصريحات النارية المتبادلة بين فريقي 8 و14 آذار من عقالها، ليطلّ فجأة وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج ثامر السبهان ويطلق موقفاً يطالب فيه اللبنانيين بتحديد موقف من حزب «الشيطان» (حزب الله) . وهو يقصد باللبنانيين حلفاء المملكة في 14 آذار وفي طليعتهم الرئيس سعد الحريري.
أربكت تغريدة السبهان الشيخ سعد. لذلك من الطبيعي أن يكون الحريري خلال الفترة المقبلة في موقع محرج. سيجد نفسه أمام خيارات صعبة أحلاها مرّ. فتبنّي موقف الوزير السعودي يعني تصعيداً سياسياً مستمراً وحاداً تجاه حزب الله. مما يعني زجاً بعوامل التأزم والتوتر المستمرّين في العملية السياسية.
ثمة مَن يتساءل هل موقف السبهان سيطال الحكومة المشتركة مع حزب الله ويدفع باتجاه تهديد استمرارها؟ أم أنه سيقتصر على تحديد المواقف تجاه سلوك حزب الله المرفوض من الرياض؟
في الواقع ثمة احتمالات ثلاثة ترتسم في معرض الإجابة على هذه الفرضيات:
1 ـ أن لا يكترث الحريري لدعوة السبهان وأن يبقي على سلوكه الذي دأب عليه منذ التسوية الرئاسية – الحكومية والمنسجم مع خفض التوتر.
2 ـ الذهاب بالتصعيد المستقبلي – القواتي إلى حدوده القصوى بما يهدّد الحكومة فعلاً.
3 ـ التمسك بالحكومة وتفعيل عملها، لكن مع خطاب سياسي ذي نبرة أكثر ارتفاعاً في نقد حزب الله.
وهنا ترجح أوساط سياسية مطلعة لـ «البناء» الاحتمال الثالث على قاعدة استبعاد انفراط عقد الحكومة، لأنّ وضعية البلد لا تسمح بذلك. هذا فضلاً عن أنّ الرئيس الحريري هو الأحوج لبقاء الحكومة وعدم تطييرها، فهي الموقع الذي جهد ودفع في سبيله أثماناً باهظة للعودة إليه. ولذلك لن «يدعس» رئيس تيار المستقبل «دعسة ناقصة» يدفع ثمنها في الانتخابات النيابية وبعدها.
يوم الاثنين الماضي أطلّ النائب نواف الموسوي في احتفال تربوي في الجنوب، بكلام عالي النبرة تجاه رئيس الحكومة، معتبراً أنّ مواقفه المتعلقة بكيفية عودة النازحين السوريين إلى بلادهم (لن يعود النازحون إلى سورية طالما أنّ النظام موجود ولن أفعل أيّ شيء قبل أن أتلقى الضوء الأخضر من الأمم المتحدة لعودة آمنة لهم) ، هي «مواقف شخصية لا تعبّر عن موقف الحكومة اللبنانية، ولا تعبّر عن رأي مجلس الوزراء اللبناني، ويحق لنا كنواب أن نعتبر أنّ رئيس الحكومة قد تجاوز الدستور حين عبّر عن رأيه الشخصي ولم يعبّر عن موقف الحكومة، لا سيما أنّ الدستور يقول إنّ رئيس الحكومة يتحدث عن السياسة العامة ويعبّر عن سياسة مجلس الوزراء».
ضرب الموسوي على اليد التي توجع الحريري، مشيراً إلى أننا «نرفض العلاقة مع النظام السعودي الجائر المطعون في شرعيته، والتي لم يستمدّها لا من شرعية شعبية ولا من شرعية دستورية»، بحسب الموسوي. و»ندين أفعاله بحق الشعب في الجزيرة العربية التي تسمّى المملكة السعودية، وندين إجرامه بحق اليمن دولة وشعباً».
حتى الساعة لم يتضح للبعض، إنْ كان خطاب الموسوي هو بتوجيه رسمي من قيادة حزب الله أم أنه موقف شخصي.
وتؤكد مصادر مقرّبة من المقاومة لـ «البناء» أنّ حزب الله يميل إلى التهدئة السياسية، لكن إذا قرّر الفريق الآخر التمادي في تصعيده وافتراءاته، فإنه سيردّ بالطريقة المناسبة مع تأكيد المصادر نفسها أنّ حزب الله لن يفرط الحكومة ولن يبادر إلى ذلك لأسباب عدة، لعلّ أبرزها أنه لن يُحرج رئيس الجمهورية، فأمد هذه الحكومة لا يتجاوز الثمانية أشهر.