هجمات أميركية مضادّة على «النصر» بأسلحة سعودية و«إسرائيلية»!!

د. وفيق إبراهيم

تتراجع السياسة الأميركية في «الشرق الأوسط»، لكنّها لا تعلن هزيمتها… فتتقهقر وهي تطلق النار عشوائياً لإحراز مكتسبات نسبية عند بدء التفاهمات الكبرى..

ضمن هذا المفهوم، تتموضع الغارة «الإسرائيلية» الجديدة على بلدة مصياف السوريّة والمناورات «الإسرائيلية» الضخمة على مقربة من حدود لبنان، والهجمات الإعلامية لمسؤولين سعوديين استهدفت بشدّة حزب الله وإيران، كما يمكن إضافة بيان لجنة التحقيق المستقلّة الذي اتّهم الدولة السوريّة بحادثة خان شيخون الكيميائية، والحصار الأميركي لقافلة «داعش» التي انسحبت بعد هزيمتها من أعالي عرسال إلى البادية السوريّة نحو مناطق تحتلها «داعش» قرب البوكمال ودير الزور.

ولا يجوز استثناء تحريك قوى لبنانية وعراقية لا تنفكّ تهاجم انسحاب «داعش» من جبال عرسال نحو العمق السوري بعد هزيمته المدوّية من قِبل حزب الله.

لإظهار سطحية هذه التحركات التي تؤدّي دور «بخار مصنوع للتعمية» على الانتصارات، يجب تحليل الغارة على بلدة مصياف. فهذا هجوم «إسرائيلي» جوّي قصف البلدة من أجواء لبنان مستهدفاً مركزاً للبحوث العلمية معروفاً للقاصي والداني، وكانت الدولة السورية حوّلته مركزاً عسكرياً صغيراً بسبب حالة الحرب.

فما الذي يضيف إلى خانة المهزومين المحليين والدوليين قصف مركز عسكري لا يؤثّر أبداً في التوازنات؟

لذلك يجب اعتبار الغارة إجراءً سياسياً يُعيد التذكير بالدور «الإسرائيلي» الممكن تنشيطه خدمةً للسياسة الأميركية التي فقدت معظم أوراقها السوريّة والإقليمية.

هناك «قطبة مخفية» أخرى في هذه الغارة، وتتعلّق باحتمال خرقها تفاهمات روسية «إسرائيلية» تحظر على «إسرائيل» استهداف مراكز سوريّة لا علاقة لها بتحرّكات حزب الله ونشاطاته. لذلك بدأت المعارضة السورية ومرصدها الموجود في لندن تقول إنّ «إسرائيل» قصفت معملاً لإنتاج أسلحة كيميائية في مصياف، فهل بالإمكان وجود معمل لا تراه العين الكونيّة الأميركية… وفي بلدة مصياف؟!

أمّا لجهة المناورات «الإسرائيلية» الضخمة التي جرت منذ أيام عدة قرب حدود لبنان مع فلسطين المحتلة، فهي رسالة موجّهة لشدّ عصب حلفائها الخليجيين المنهارين والمنظّمات الأصولية المنكفئة، باعتبار أنّ حزب الله يعرف بدقّة قوّة «إسرائيل» التي هزمها مرات عدّة ولا يخشاها، مرابطاً قبالتها مباشرةً في جنوب لبنان وعند سفوح الجولان السوري المحتلّ. لذلك فإنها عرض عضلات، للزوم الانكفاء الأميركي وإعادة الثقة لأزلام واشنطن في المشرق العربي، بما فيه لبنان.

على مستوى الهجمات الإعلامية السعودية التي قادها وزير الشؤون الخليجي السعودي ثامر السبهان، المتخصص بالشؤون العراقية اللبنانية، ووزير الخارجية عادل الجبير، فليست أكثر من صراخ في صحراء الربع الخالي لا ينفع أحداً، لكنّه يضرّ صاحبه ويصيبه بـ «الكحّة» و«البحة».

والطريف أنّ السبهان وجّه تهديداً إلى أصدقاء السعودية في لبنان بضرورة حسم موقفهم إمّا مع الرياض أو مع إيران وحزب الله. وإذا طبّق حزب المستقبل نظريات «التآمر»، فقد تنفجر حكومة رئيسه سعد الحريري في مرحلة هو أحوج ما يكون إليها لإعادة لملمة قواه المتناثرة على وقع الإمكانات الاقتصادية الممكن الاستحصال عليها بطرق متعدّدة من الأموال العامّة!

على مستوى هجمات الجبير على حزب الله وإيران، فإنّه لم يحدّد الوسائل التي لا يزال يمتلكها لتنفيذ تهديداته، فها هي المعلومات الأميركية تقول إنّ الرياض خفضت كثيراً دعمها للمعارضة السوريّة، ما يعني خسارة دورها السوريّ، وأصبحت خارج العراق فيما تكبر أزمتها في اليمن، ولا تنفكّ تسجّل قلقها على البحرين، وتسجّل عجزاً كبيراً في صراعها مع قطر. فأين هي أوراقها التي يمكن أن تستخدمها في وجه إيران وحزب الله؟!

لذلك يمكن اعتبار هذه «العنتريات» تأجيجاً جديداً ومستمراً للفتن الطائفية والمذهبية في العالم الإسلامي، ومحاولة واضحة لحماية دولة آل سعود بـ «الفرار إلى الأمام» على الطريقة الهزلية. وقد تؤدّي دوراً للقوى العربية المرتبطة بالرياض في تحديد وجهة الاستمرار في استهداف إيران وحزب المقاومة، حتى ينال آل سعود ضمانات لحكمهم وامتيازات سياساتهم.

لكن نتائج لجنة التحقيق المستقلّة في الأمم المتحدة بإدانة الدولة السورية في الهجمة الكيماويّة على خان شيخون، يمكن اعتبارها الأكثر سطحية في حركة انبثاق الأوراق الأميركية المتتابعة بخفة متناهية. بداية، تعمّدت اللجنة إصدار النتائج الهزيلة مع الانتصار في عرسال ودير الزور الذي حققه الجيش العربي السوري وحزب الله… والطريف أنه استند إلى أدلّة وشهود «عيان»، حسب ما زعم.. في تركيا، أيّ أنه لم يحضر إلى مكان الحادثة، بل تدبّر أمر الاتهام مع المخابرات التركية وأزلامها في منظمات التكفير.

فهل عجزت الأقمار الاصطناعية عن تحديد المتسبّب، أم أنّها تتعامى عنه عن قصد، وهي التي تصوّر ليلاً نهاراً كلّ ما يجري في سورية؟

هناك نقاط أخرى أكثر فضائحية، لقد ذكر البيان أنّ الدولة السوريّة مسؤولة عن ثماني هجمات كيميائية من أصل ثلاث وعشرين، لكنّها لم تتّهم أحداً بالهجمات الـ15 المتبقّية! فلماذا يا تُرى؟!

وحكاية قافلة «داعش» المنسحبة بعد هزيمتها من جرود عرسال والقلمون على أيدي مقاتلي الجيشين السوري واللبناني وحزب الله نحو منطقة بين دير الزور والبوكمال، وهي آخر منطقة لـ «داعش» في سورية… فأمرها أصبح مكشوفاً. لم تتحرّك القوّات الأميركية مرة واحدة في عشرات المرّات التي انسحبت فيها منظمات إرهابية من مناطق سوريّة إلى مناطق سوريّة أخرى. فلماذا تقصفها هذه المرّة ولا تصيبها كالعادة، إنّما تمنع حركتها.. لتزامنها مع الانتصارات في تلّعفر ودير الزور وعرسال؟

والواضح أنّ الاستثمار الأميركي في قافلة «داعش» كان مرجوّاً منه تفجير علاقة العراق بحزب الله، لكنّ اللعبة لم تنطلِ على قوى المقاومة من العراق إلى لبنان مروراً بسورية..

فهل تحقق هذه الهجمات الأميركية بأيادٍ سعودية و«إسرائيلية» وبإسناد من قوى في لبنان والعراق، ما خسرته في الميادين؟

تريد واشنطن إثارة عاصفة من الغبار الكثيف على الانتصارات، مع تجديد الاشتباكات السياسية ذات البعد المذهبي والطائفي، والتلويح بالذهاب نحو استخدام الورقة «الإسرائيلية». وتعلم علم اليقين أنّ مفاعيل هذه الأمور قد ترجئ إعلان النتائج لوقت قليل، لكنّها لا تحوّل الانتصار هزيمة. وهذا ما أعلنه الوسيط دي ميستورا، الذي طالب المعارضة السورية بالاعتراف بانتصار الدولة والتخفيف من رعونتها في مطالب مستحيلة.

فهل تذهب «إسرائيل» إلى حرب؟ موازنات القوى تجزم بعكس ذلك، على قاعدة أنّ حلفاً عالمياً كبيراً قد تشكّل مطالباً بدورٍ أساسي في التفاعلات الدولية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى