دماؤهم تتطهِّر.. شهادتهم تُطلق قيامة لبنان

هاني الحلبي

محمد حسين يوسف من مدوخا راشيا ، إبراهيم سمير مغيط من القلمون طرابلس ، سيف حسن ذبيان من مزرعة الشوف الشوف ، علي زيد المصري من حورتعلا بعلبك ، خالد مقبل حسن من فنيدق عكار ، حسين محمود محمود عمار من فنيدق عكار ، مصطفى علي وهبي من اللبوة بعلبك ، علي يوسف الحاج حسن من شمسطار بعلبك ، يحيى محمد علي خضر من عزقي الضنية ، عباس علي مدلج من الحرفوش بعلبك .

عشر قامات عادت رفاتاً، ترابٌ بطلٌ لفّه ترابٌ أقدسُ إلى أبد الآبدين.

عادوا على الأكفّ رفاتاً يلفّها أرز لبنان راية نصر بعد أن أشرق فجر الجرود، بمعادلته الماسية: جيش وطني، مقاومة شريفة، وشعب مستعدّ لكبرياء الدماء وفرح الانتصار.

ما تركوا الميدان، ولم يتركهم رجال الميدان وحيدين، لكن بعض قادة القرار السياسي لم يكونوا على سويّة التحدي، فخذلوهم، حين مسّت الحاجة لقرار سيادي ووقفة عز.

اختفت عناوينهم سنوات ثلاثاً. حتى خضع خاطفوهم المهزومون لسيف قوة الحق، ففضحوا، وهم أذلاء صاغرين، ما ارتكبوا تحت عتمة كهف وجنح خطف.

هكذا المجرمون يفعلون: لا مواثيق، لا قيم ولا عهود. هم فقط كائنات عجماء للعدوان والظلم.

مسوخٌ يأنف منها عالم الإنسان. هم ومشغِّلوهم ومتعهّدوهم ومقاولوهم الدوليّون والإقليميّون والمحليّون ساقطون من عالم الإنسانية القيمي والأدبي.

أحدهم، الشهيد عباس مدلج، تمّت زفته إلى مثواه الأخير، فرفعت في ذكرى ميلاده زينة عرس. لكنه عرس من نمط آخر لعروس من نمط آخر حام طيفها فوق الجموع بثوبها الأبيض تمسح الجباه بعنفوان بطولة.

زوجة أحدهم الجندي أول الشهيد محمد يوسف، أودعت لرفات حبيبها وردة في مثواه، سلوان وحدة وعهد اشتياق…

نجلُ أحدهم الشهيد سيف ذبيان أدّى التحية باليد اليسرى مودّعاً رفات والده، بالقول: وداعاً يا وطن…

..قصص قلوب فُجعت، زوجات ثُكلت، أمهات نُحِرت قلوبهن، وأسر يُتِّمت يصعب الكشف عنها هنا…

..قصص أرواح ابتُليت، لكنها تعملقت بصبرها وبطولة حرصها على شرف التضحية، فما هانت وما ضعفت.

أسر، آباء وأمهات وأخوة وأبناء وزوجات، تطهّرت بالشهادة والكرامة والسموّ.. عندما أصبحت شهادتهم في عهد لبنان ولعزّ لبنان وفي عنق جيش لبنان.

معهم تحوّل الدمَ مداد نصر، والنصر تحوّل قصة عز ترددها بفخر ألسنة الأجيال..

استُعيدوا.. لكنهم لم يقبلوا عودة هيّنة، وبثمن هزيل، بل كانت كلفة استعادتهم أكثر من 37 مقاوماً شهيداً و7 شهداء جنود وعشرات الجرحى..

عادوا مواكب فخر ورياحين وزغاريد أمهات تمدّ في شرايين الوطن من راشيا إلى بعلبك، الشوف، طرابلس، الضنية، عكار دفق حياة جديدة، لم يذق طعمها إلا المقاومون، حين تزفّ جثامينهم قرابين فداء في أرض الوطن، بعد أن يحملوه وعداً صادقاً في قلوبهم وعهد تضحية في خطاهم والجباه ألا تنحني وألا تهون.

عادوا مواكب عز وفخار تعصف في الصفر الوجوه من سياسييه، في الجباه المعفرة بالخيانة من متواطئيه، بانتظار إذن خليجي أو ضوء أخضر أميركي أو أوروبي يستأخر التحرير كي لا يكون تطهير لوطن ولا إنقاذ لبلد، ليس ما يُراد منه سوى ورقة ابتزاز لأمة تقوم.

عادوا وبعودته استفاق لبنان التحدّي يرفع البطاقة الحمراء لكل مَن تهاون وتواطأ واستخفّ بدمنا، بوحدتنا، بدولتنا، وما زال يكمن عن منعطفات عدة، صبح مساء لمقاومتنا ليزجّها في حسابات صغيرة، كأحجامهم. بعودتهم قام لبنان الشرف يحتج ويرفض استباحة أجوائه لاستهداف سورية الشقيقة الكبرى.

من وزارة الدفاع، حيث نصبُ الأمير المعني الكبير فخر الدين، أول مؤسس للبنان المشرقي الأكبر من عجلتون وخان يونس إلى حلب، حيث نصبُ السلام الذي صُبّ فيه الإسمنت المسلح على آلات الحرب ومصفحّاته لتكون الوحدة الوطنية قدرنا الأبدي، وقربَ نُصُبِ الجندي المجهول، كرَّس لبنان نفسه دولة، بعد أن كرّسها مقاومة، أننا قوم لا ننسى أسرانا في السجون، كرّس أيضاً كذلك أننا قوم لا ننسى مخطوفينا في الجرود، ولو كانوا رفاتاً رميماً وجثامين شهداء… كلّ شعرة منهم، كل بقية من ثيابهم وأحذيتهم هي قيمة وطنية.

يثبت لبنان القويّ بقوته، القويّ بقيادته السياسية والعسكرية، القويّ بجيشه المقدام المحترف ومقاومته العظيمة، أنه الخبير في مواجهة عدو وجود منذ معركة المالكية في 1948، في الجنوب اللبناني، إلى مواجهات أيلول 1971 وكسره محاولة اجتياح واسعة حينذاك، أنه دولة مقاومة ودولة مواجهة عتية، بجيشٍ وشعبٍ ومقاومةٍ لا تَهاب تنين الاغتصاب، دفعت زمن الهزائم وافتتحت زمن الانتصارات المقبلة منذ 17 سنة ومستمرة..

ها قد تمّت مواراة الشهداء في التراب بيوم مشهود، وبدأ الحساب..

حسابٌ بالتحقيق، بالمحاكمات المسؤولة، بروح أمّ الصبي وأبيه، بإرادة فولاذية وقلب مقاوم جسور «أقربهم إليه غائبهم حتى يعود، صغيرهم حتى يكبر. مريضهم حتى يشفى».. وكذا: متواطئهم حتى يعترف، ضعيفهم حتى يقوى بشعبه ودولته ومقاومته، متورّطهم حتى يصحّ من عقدة العداء للمقاومة ويرى في «إسرائيل» عدواً وليس صديقة الصديق وخليلة راعيه.

حسابٌ نظيف كشهادتهم المباركة: ليكون دمُهم أول الفجر.. شهادتهم آخر الإرهاب.

باحث وناشر موقع حرمونharamoon.com

وموقع السوق alssouk.net

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى