موسكو تخشى التحوّلات الأميركية في سورية
د. هدى رزق
تخشى موسكو من تحوّلات سياسية محتملة تجريها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في سياستها حيال سورية، الخشية أثارها انسحاب ستيف بانون رئيس الاستراتيجيين في البيت الأبيض.. يرى البعض أنّ ذهاب بانون سوف يعود بالنفع على ترامب بحيث سيكون أكثر استقلالية في صنع القرار أو سيعتمد على خبرة جنرالاته، إلى جانب المحافظين الجدد والصقور الموجودين حول حكومته. وبذلك يمكن ان يصبح ترامب أكثر ميلاً نحو التدخلات العسكرية التي عارضها بانون بشدة.
ضمن هذا الإطار تخشى روسيا أن تتحوّل سياسة ترامب في الشرق الأوسط، وأن تخضع لتعديلات سياسية مماثلة للاستراتيجية الجديدة التي اتبعت في أفغانستان.
تدرس روسيا ما إذا كانت خيارات ترامب في منطقة الشرق الأوسط ستتغيّر. تعطي في علاقتها مع أميركا الأولوية للبراغماتية على الأيديولوجية، أما في ما يتعلق بسورية، لكنها استغلت موقف بانون الايديولوجي المعادي للإسلاميين وخاضت الحرب ضد معظم تجمّعات المعارضة السورية وليس فقط ضدّ داعش وجبهة النصرة.
وكانت وزارة الدفاع الروسية قد أعلنت في 23 آب الماضي عن تشكيل مركز للمراقبة المشتركة فى عمّان من أجل منطقة الجنوب بعد المحادثات الروسية الأميركية – الأردنية. وأقامت خطاً هاتفياً ساخناً يربط بين مراكز العمليات الجوية الروسية والأميركية، للمساعدة على التنسيق. يكتسب هذا التواصل أهمية الآن، فواشنطن وموسكو تعملان على توسيع خط ترسيم الحدود الذي سيفصل القوى التي تدعمها روسيا عن تلك التي تدعمها الولايات المتحدة. ومن المفترض أن يمتدّ الخط من الجنوب الغربي من الطبقة شرقاً إلى نقطة على نهر الفرات ثم ينزل على طول النهر باتجاه دير الزور بعد تحريرها.
تخشى روسيا على كيفية تعامل الولايات المتحدة مع إيران. لكن بالرغم من العداء ترى الولايات المتحدة انه ليس من مصلحتها الدخول في محاولة إسقاط النظام الايراني في هذه المرحلة بل سيتمّ الحفاظ على الاتفاق النووي.
الموضوع الآخر الذي يشغل بال روسيا هو عدم تأكدها من سلوك الولايات المتحدة اتجاه «إسرائيل».
فعقب اجتماعه مع الرئيس الروسى فلاديمير بوتين حذر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو من مخاوف «إسرائيل» بشأن الوجود المتزايد لإيران فى سورية، وانّ «إسرائيل» يمكنها تفجير قصر الرئيس السورى بشار الأسد فى دمشق وضرب الاتفاق السوري لوقف إطلاق النار الذي تفاوضت عليه الولايات المتحدة وروسيا.
ترى موسكو انّ لـ«إسرائيل» باع في هذه المسائل وهي مستعدّة لتوجيه ضربة لإيران في سورية ومنع توافد السلاح الى حزب الله. هناك الكثير من المؤيّدين لتقارب أكبر بين الولايات المتحدة و«إسرائيل» في الإدارة الأميركية ناهيك عن موقف الكونغرس…
لا تزال روسيا تأمل في الحفاظ على علاقات سليمة مع تل أبيب والعمل من خلال مخاوف «إسرائيل» مباشرة. وفي الوقت نفسه، لا تستبعد روسيا أسوأ السيناريوات. وقد أقامت نظاماً للدفاع الجوي مع الجيش السوري يربط بين اتصالاتها ومواردها التقنية.
أما تركيا على الرغم من غضبها من الولايات المتحدة، فإنّ التطورات على الأرض تشير إلى أنّ مشكلتها في سورية ليست فقط مع الولايات المتحدة ولكن أيضاً مع روسيا. بعد استهداف تركيا لمقاتلي وحدات حماية الشعب في نيسان الماضي واجهت تركيا اعتراضاً روسياً.
اعتماد تركيا المتزايد على روسيا، وتدهور علاقاتها مع الغرب، يجعلها متردّدة في التحدّث ضدّ موسكو. كما أنها تحرص أيضاً على إقامة علاقات طيبة معها حيث انها توشك على إبرام اتفاق حول أنظمة صواريخ بعيدة المدى من طراز «أس 400» الروسية.
ومع ذلك، تشير التطورات إلى أنّ روسيا قد تشكل العقبة الرئيسية أمام عملية تركية جديدة ضدّ وحدات حماية الشعب.
وكانت وحدات حماية الشعب قد أعلنت يوم 29 آب انّ المراقبين العسكريين الروس سينتشرون فى عفرين وفي منطقة الشهباء فى شمال غربى سورية «للتنسيق مع القوات الكردية والمحلية بهدف الحفاظ على الأمن». صمتت أنقرة على بيان وحدات حماية الشعب التي لم تنكرها موسكو، لا سيما أنّ المراقبين العسكريين الروس سيتمّ نشرهم أيضاً فى بلدة تل رفعت فى منطقة الشهباء التي تقع تحت سيطرة قوات سورية الديمقراطية التي تدعمها الولايات المتحدة والتي تتكون أساساً من مقاتلي وحدات حماية الشعب.
تقوم روسيا بنشر مراقبين عسكريين في أجزاء تقع تحت سلطة قوات الدفاع الذاتي. تتعاون بشكل غير مباشر مع واشنطن بشأن حماية هذه المجموعة، وترفض إدراجها كمنظمة إرهابية. نشرت موسكو «مراقبين» روس في عفرين في أيار بعد الضربات التركية على وحدات حماية الشعب. كما نشرت الولايات المتحدة قوات بين الجيش الحر وخطوط وحدات حماية الشعب بعد الغارات التركية. وقالت موسكو إنها أنشأت في عفرين لجنة مصالحة وطنية.
أتى تحرك موسكو على خلفية تصريحات أردوغان الأخيرة حول توغل تركي جديد في سورية.
ويأتي التحرك الروسي في منطقتي عفرين والشهباء في الوقت الذي اتهمت فيه الولايات المتحدة تركيا بالسماح لـ«الجيش الحرّ» بالتعدي على قواتها في شمال سورية خلال الأسابيع الماضية. في الوقت الذي كان فيه وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس في أنقرة لإجراء محادثات. أكدت على اثرها القوات الأميركية بالاحتفاظ بحق الردّ ليس على «الجيش الحرّ» بل على تركيا.
على الرغم من الحديث عن «مناطق تخفيف التصعيد»، ليس هناك من تقدّم. لكن الولايات المتحدة تطالب بوضع اليد على هيئة تحرير الشام ومجموعات إسلامية أخرى في إدلب.
للولايات المتحدة وروسيا مصلحة مشتركة في سورية إعطاء الأولوية لمحاربة الإرهاب الإسلامي كما أنهم لا يتفقون مع تركيا على وحدات حماية الشعب أو حزب الاتحاد الديمقراطي. أما أنقرة فعليها ان تتغلب على هذا التوافق قبل أن تأمل في تحقيق أيّ تقدّم ضدّ عدوها الكردي…