«حوّاء»… إضاءة على تجارب أنثوية وطاقة المرأة السورية الإبداعية بأسلوب تشكيليّ
غسّان خيّو
يسلّط معرض «حواء» الذي افتُتح في نسخته السنوية الثالثة مؤخراً في صالة «منتدى الفن آرت فورم» في مدينة السويداء السورية، الضوء على التجربة الأنثوية في الفنّ التشكيلي، وقدرة المرأة السورية وطاقتها الإبداعية رغم كل الظروف.
المعرض يقدّم أعمالاً فنّية لثلاث وعشرين فنانة تشكيلية، عزفت كلّ منهن بفُرشاتها إيقاع لغتها الخاصة وهواجسها الحياتية على سطح لوحتها، فتنوّعت موضوعاتها ومشاهدها الحسّية وتقنياتها، وتدفّقت ألوانها بانسياب ينبض بطاقة الأنثى وإشراقها وآمالها وأحلامها وأحاسيسها بجميع حالاتها الإنسانية.
صاحب صالة «آرت فورم» الفنان ناصر عبيد، أشار في تصريح صحافيّ إلى أنّ المعرض يسعى إلى إبراز جمالية التجربة الفنية التشكيلية للمرأة السورية وأهميتها، وما تمتلكه من طاقة وإبداع وقوة في جميع الظروف بشكل عام، وذلك عبر استقطاب عددٍ من الفنانات الأكاديميات وغيرهن كلّ سنة، لتقديم تجاربهن ورؤيتهن وإتاحة الفرصة أمامهن للّقاء والتعارف وخلق صداقات وروابط تساهم في تطوير الحركة النسائية الفنية المظلومة.
ويلفت عبيد إلى أنه تمّ اختيار عنوان المعرض «تحية إلى روح الفنانة التشكيلية السورية الرائدة إقبال قارصلي»، لتسليط الضوء عليها كنموذج للمرأة السورية وطاقتها وثقافتها عموماً، خلافاً لِما كان يحاول البعض تسويقه عن صورة المرأة الجاهلة الخاضعة لنواميس المجتمع، بقصد تغييب دورها.
وقال إنّ الفنانة قارصلي ولدت في دمشق عام 1925 لتبدأ رحلتها الفنية التشكيلية في ساحة كانت ملعباً حصرياً للرجال، فاستوحت أعمالها من جمال الطبيعة واستمدت مفرداتها منها. وشاركت في معارض جماعية وأقامت أربعة معارض كأوّل فنانة سورية تقيم معرضاً فردياً عام 1964، حتى أطلق عليها لقب «امرأة من كريستال»، إلى أن رحلت عام 1969 بعد أن أتعبها المرض. وقال عنها فاتح المدرّس إن قيمتها تكمن في الطاقة المهمّة التي تتمتع بها المرأة السورية المثقّفة.
رئيس فرع اتحاد الفنانين التشكيليين في السويداء الفنان حمد عزام يرى أن المعرض تحدّث عن نفسه بما يضمّه ويبرزه من غنى وتنوّع في الأعمال النسائية المقدّمة، وجمالية أسلوبها وموضوعاتها وتقنياتها المختلفة ما بين الرسم الزيتيّ والحفر والتصوير والنحت. فجاءت جميعها بسويّة متميّزة. معتبراً أن المعرض يشكّل حافزاً للفنانات التشكيليات للعطاء وتجدّد نشاطهن بما ينعكس في ديمومة الحركة الفنية التشكيلية.
وتعتبر مشاركات عدّة أنّ فكرة المعرض تمثّل ملتقى مهماً لدعم الطاقات الأنثوية الفنية التشكيلية وتشجيعها، وتحفيز الفنانات التشكيليات على المزيد من العمل والإبداع للتأكيد على حضور المرأة والفنانة السورية في الحركة التشكيلية، وتميّزها بما تقدّمه من أعمال.
الفنانة التشكيلية ناديا نعيم أكّدت أهمية هذه المعارض في تشجيع النشاط الفنّي النسائيّ. مبيّنةً أنها تعكس من خلال مشاركتها وعملها الفنّي، عالم الأنثى الداخلي وأحاسيسها وانطلاقتها وأحلامها وأمنياتها ورغبتها بالحياة والحرّية والحبّ، وإيجاد ذاتها، مستخدمة الخطوط المنحنية للتعبير عن الليونة والمرونة والحميمية الموجودة لدى المرأة. إضافة إلى تقارب الخطوط الليّنة مع جسدها، فتناولتها من خلال الجانب اللونيّ بما يملكه من غنى للتعبير عن جمالية المرأة كجسد وروح.
فيما تجسّد الفنانة جمانة شجاع في لوحتها المقدّمة بأسلوب واقعيّ تعبيريّ بتقنية الأكريليك، ما يختلج داخل الأنثى رغم هدوئها، من رغبة للانطلاق والتعبير عن كينونتها، عبر الربط بين عنصر المرأة الحالمة والعصفور بما يحمله من رمزية في عشقه الفضاءَ المفتوح، مع نور قادم من نافذة خلفها، حاملاً آمالها مستخدمة اللون الأزرق الذي يبعث على النقاء والهدوء الذي تتّسم به الأنثى.
الفنانة ريم أبو عسلي حاولت في لوحتها إيصال فكرة روحية في العودة إلى أصل كلّ شيء من خلال اشتغالها بطريقة تعبيرية بسيطة وبلمسات متناغمة بالألوان الزيتية على عنصر الحركة الدائرية المشابه للمولوية في طواف دائريّ تتماهى فيه روح الأنثى برغبتها في التحليق اللامحدود.
فيما تركت حياة الفنانة راما ظاظا التي عاشت طفولتها في بيئة شامية وسط عائلة تهتمّ بالشرقيات والخزفيات كما تقول، أثراً واضحاً على تجربتها التجريدية وعملها المقدّم المشغول بتقنية الأكريليك مع المعجون ومواد قريبة من الكولاج، فضلاً عن استخدامها ألواناً باردة تعكس عمقاً داخلياً لديها، يعبّر عن حالة حزن أو ما شابه.
كما حاولت الفنانة رينال ركاب من خلال لوحتها المشغولة من مجموعة تقنيات الكولاج وألوان متداخلة العمل على السطوح لتعبّر عمّا يعلق على حياتنا من آثار من جرّاء ظروف الحرب، أو من شكليات الحياة ومظاهرها وصخبها، التي طغت وأثّرت على حياة الأنثى لتجعلها موجودة وغير موجودة في آن، مع التأكيد على إصرارها على البقاء والحياة.
ويشارك في المعرض الذي يستمرّ 15 يوماً، فنانات من دمشق والسويداء بعضهن خرّيجات كلّية الفنون الجميلة ومن معاهد فنّية، وأخريات يمتلكن الموهبة وتدرّبن ونمّين تجاربهن بشكل خاص.
«سانا»