بعد ثلاث سنوات «الجمهورية» في نيويورك
روزانا رمّال
لطالما تعايشت الأروقة الدولية والأجهزة المخصّصة لاستقبال الوفود التي تُعنى بالترتيب والتنظيم لاستقبال رؤساء وزعماء الدول المشاركة مع أوضاع لبنان المتقلّبة وباتت مسألة تمثيل رئيس الحكومة في الجامعة العربية بدلاً من رئيس الجمهورية أو وزير الخارجية في مؤتمر إقليمي ما بدلاً من رئيس الحكومة «المستقيلة» أو تلك التي تصرّف الأعمال أمراً عادياً ومتوقعاً. ففي بلد مثل لبنان يقع على طرفَي نقيض من الخيارات السياسية والوطنية يمكن أن تقتحم الأحداث أكثر الأولويات قدرة على كشف حالته ومتانة الاستقرار فيه.
الحديث اليوم عن تمثيل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وفد لبنان في مقر الأمم المتحدة بنيويورك بعد ثلاث سنوات من الغياب عنها هو بديهي في فترة، تتوالى فيها إنجازات العهد الذي يحرص على تكريس الحضور اللبناني في البعثات الدولية والإقليمية، وكما كان حضور الرئيس عون في القمة العربية لافتاً يحضر الى نيويورك بالزخم الذي يغلق فيه مشهد العبث بكرسي ومصير الرئاسة التي بدت أحد أكثر دلالات الاهتزازات الحاصلة، فإحدى صور تعافي البلاد هي تمثيل كرسي الرئاسة في المحافل المفترض الحضور فيها وإحدى صور انتكاسته غياب رئيس الجمهورية عنها.
تتوقع المصادر «أن يحضر ملف الإرهاب والإنجازات المتتالية لتخطّيه في كلمة عون المقرّرة في 21 من الحالي، وهي كلمة لبنان الرسمية. وتضيف المصادر أنه من المفترض أن يأخذ ملف النزوح حيّزاً أساسياً من كلمة الرئيس أمام رؤساء الدول، خصوصاً أولئك الذين من المفترضض أن يتوصّلوا لصيغة حل واضحة بخصوص اللجوء في لبنان والأردن وتركيا، وبالأخص أن لبنان يرفض التوطين بالكامل أو التعامل مع هذا الملف على أساس انه واحد من الملفات التي تتطبّع مع الزمن بالواقع اللبناني، هذا بالاضافة الى التشديد على تمسّك لبنان باسترجاع كامل الأرض والالتزام بالقرارات الدولية، خصوصاً 1701 بما أجمع عليه اللبنانيون وسط إمعان «اسرائيل» بخرق الاجواء اللبنانية واستباحة السيادة اللبنانية آخرها جدار الصوت فوق الجنوب».
كلمة الرئيس عون التي تأتي ضمن ظروف الإنجاز الكبير الذي حققه الجيش اللبناني، وفي وقت لا تزال ملفاته العالقة التي تحكي التطاول «الاسرائيلي» لناحية الالتزام الكامل بالقرار 1701 قائمة، وإذا كانت مسألة الخرق «الاسرائيلي» الذي قدم لبنان على أثرها شكوى عبر مندوبه الدائم في الأمم المتحدة نواف سلام مسألة اعتيادية في المرحلة السابقة إلا أنها لن تعود كذلك في الوقت الذي يخشى أن تتطور الامور في المنطقة لتصل نحو اندلاع اشتباك او حرب مع «اسرائيل»، خصوصاً من الجهة السورية ومسألة الرسائل التي تريد «اسرائيل» ايصالها الى لبنان وسورية معاً باتت واضحة وتحتاج اجوبة من المجتمع الدولي الذي يوحي أنه ينشد سبل الحل السياسي للأزمة السورية بدون الالتفات الى ان السيادة اللبنانية المستباحة هي منطقة أجواء عبور الصواريخ فوق سورية لقصف أهداف محددة تخطط وتحدد «اسرائيل» مصيرها ومسارها.
السؤال الذي يحضر هنا على وقع الاجتماعات التي سيجريها الرئيس عون في نيويورك أبرزها مع الامين العام انطونيو غوتيريس تفرض الاستفسار حول الوضع الذي بات فوق طاقة التجاهل والتساهل فيه فـ»اسرائيل» تعتبر ان الأجواء اللبنانية ساحة مناسبة لاستهداف سورية من دون أن تتجرأ على دخول الأجواء السورية لأسباب معروفة أولها الوجود الروسي والتحدّي الذي يشكله، مثل تطوّر كهذا إضافة الى الخشية من تدهور دراماتيكي يؤدّي فعلاً الى حرب، لا تبدو ان «اسرائيل» مستعدّة لها، لكن هذا لا يعني على الإطلاق أن تصبح مسألة تمرير الرسائل عبر الأجواء اللبنانية أمراً عادياً، وهو ربما لم يتم التطرق اليه منذ بداية الازمة السورية. وتكرار هذا الامر حتى اللحظة باعتباره شكوى يجب ان يرفعها لبنان معترضاً على السلوك «الاسرائيلي» هي من أوجب البديهيات في هذه المرحلة.
من جهة أخرى، تحضر احتمالات مثل توسيع مهام اليونيفل لتشمل الحدود مع سورية في أي حل مفترض للازمة السورية بشكل يسمح لقوات الطوارئ اعتراض اي قافلة سلاح او ما شابه لغير الجيش اللبناني والمقصود حزب الله، كما ارادت نيكي هايلي مندوبة الولايات المتحدة في مجلس الأمن لتكون أحد اذرع الامم المتحدة مسخّرة للمصلحة الأميركية بشكل صريح.
بهذا الإطار يجزم مصدر عسكري لـ «البناء» بأن هذا لن يتم وإن أياً من القرارات الاممية لن تطال الحدود مع سورية. وبالعودة الى زيارة الرئيس ميشال عون وأهمية ذلك على صعيد هالة وكيان الجمهورية اللبنانية، فإنه ما من شك أن خطا عون نحو بناء الدولة بدأت منذ لحظة الانتخاب بنفس توافقي انسحب على مختلف الاستحقاقات، وصولاً لقانون الانتخاب النيابي والتعيينات الأمنية. وهي كلها أمور خلافية كانت قادرة على ضرب العهد منذ أوائل أيامه. وهو الأمر الذي كان من الممكن أن ينسحب على الحكومة ويهدّد حضورها المحلي كما الدولي.
تحضر الرئاسة اللبنانية بعد 3 سنوات من الغياب بسبب ظروف الفراغ الرئاسي الذي أكد اهتزاز الأوضاع السياسية في البلاد ليحضر الرئيس عون اليوم على رأس وفد لبنان الذي ينعم بهدوء ملحوظ نسبة للهيب دول الجوار ليؤكد عودة الحياة لكرسي الرئاسة وعودة العمل بالمؤسسات الدستورية القادرة على البتّ بالملفات الكبرى التي تعني الساحة المحلية مع آمال في أن يحقق ما يعود بالفائدة على لبنان بالمرحلة المقبلة على صعيد الأولويات السيادية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية.