الرقة.. بروباغاندا غربيّة سقطت بفكّ حصار الدير
بهاء خير
دير الزور المدينة التي تتربّع على ضفّتَي نهر الفرات… لها من الأهميّة الاستراتيجيّة الشيء الكبير، وهي أكبر المدن في الشرق السوري وسلّة البلاد الغذائية والخزّان النفطي الكبير، ما جعل منها ثروة اقتصادية بكلّ ما للكلمة من معنى…
وطوال فترة الحرب على سورية، كان لمدينة الرقة النصيب الكبير من التركيز الإعلامي عليها، بصفتها المدينة الأولى التي يسيطر عليها تنظيم «داعش» الإرهابي بشكل كامل ويفرض عليها سواده، إلّا أنّ نظرة شموليّة للواقع الميداني والجغرافي وحتى الاستراتيجي، تجعل الجميع يدرك، أو من يريد البحث والتعمّق، بأنّ السمعة كانت للرقة أو كما أرادوا من خلال التهويل لها، بينما واقعياً فالفعل هو لدير الزور، وذلك لأسباب عديدة أهمّها:
القرب من الحدود العراقيّة المفتوحة على قضاء الأنبار المسيطر عليه «داعشياً»، وأيضاً لما تشكّله من خزّان غذائي ونفطي لعناصر التنظيم الإرهابي، ما يشكّل لهم المنطلق والتمويل لعناصرهم المنتشرة في الرقة.
عند النظر لمدى الاهتمام الدولي بمدينة دير الزور والتصريحات الروسيّة الأخيرة، تحديداً عن مدى التأثير العمليّاتي على بنية التنظيم الإرهابي في حال الانكسار في الدير، فهنا تكمن الأهميّة وما سيحمله النصر هناك من متغيّرات ميدانيّة، والأهم سياسيّة..
الخط الناري الذي فتحه الجيش السوري عبر محاور ثلاث قصمت ظهر «داعش»، لم يترك خياراً للتنظيم ولا لمن يموّلونه بحجّة مكافحة الإرهاب إلّا بذل كلّ الجهد للدفاع، وهو ما فشلوا به.. لتنحصر العمليات اليوم وخلال الأيام القادمة على استكمال التطهير، وصولاً إلى الميادين المعقل التابع للمعقل الأكبر لهم في الدير. أمّا مدينة الرقة التي تبعد عن مدينة دير الزور قرابة 140 كم، فليست بذات الصعوبة التي رُسم لها في البروباغندا الغربيّة والأميركيّة تحديداً، وما مسألة تحريرها إلّا تحصيل حاصل له من التفاهمات السياسيّة الدوليّة النصيب الأكبر.
قد يكون تحرير الرقة قبل مدينة دير الزور في الفترة ما قبل فكّ الحصار صعباً وفق المنظور التوقّعي، أمّا اليوم فما تحرير الرقة إلّا تحصيل حاصل أمام الكثافة الناريّة والسيطرة والقطع لكلّ خطوط الإمداد للتنظيم المنكسر في العراق والمسحوق في سورية. حوض نهر الفرات بريفه تحت سيطرة القوّات السوريّة المعزّزة بسلاح جوّي روسيّ سوريّ لا يرحم، وهو أفقدَ التنظيم أيّ زمام للمبادرة، وأفقدَ معه سلاح الجوّ الأميركي أيّ تدخّل قد يسعى من خلاله لتغيير في قواعد الميدان.
الرقة اليوم باتت في انتظار الحسم المقبل، ولكن قبلها الميادين.. وما الأفعال إلّا بانتظار أيام قد تحمل مفاجآت لها من التأثير الكبير، خصوصاً في ميدان أستانة المقبل الممهَّد له عسكرياً، حمَل الوفد السوري السياسي ذخيرة حواريّة، غيّرت اليوم وستغيّر في المستقبل كلّ ما كان لدى الأميركي من طموحات، خصوصاً ما كان مرسوماً له تقسيميّاً لسورية.