«خطة الحسم»… كانتونات وترانسفير
راسم عبيدات ـ القدس المحتلة
بات من الواضح بأن كل مكوّنات ومركبات الحكومة «الإسرائيلية» اليمينية المتطرفة، تتسابق أحزابها على أيها يحمل أفكاراً أكثر عنصرية وتطرفاً ضد الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة، ولعل حزب « البيت اليهودي» الذي يتزعّمه المتطرف نفتالي بينت، وما يضمّه هذا البيت اليهودي من مركبات عنصرية متطرفة، هو الأكثر مبادرة نحو سن قوانين وتشريعات واتخاذ قرارات، تهدف الى ممارسة أعلى قدر من التطهير العرقي بحق الشعب الفلسطيني، بهدف المحافظة على ما يُسمّى بيهودية وديمقراطية دولة الاحتلال، فبينت هو مَن بادر الى طرح مشروع قرار «توحيد» القدس، وعدم الانسحاب من أي جزء منها وتسليم السيادة عليه لقوة أجنبية او للسلطة الفلسطينية، من دون موافقة 80 عضواً من اعضاء الكنيست البرلمان «الإسرائيلي» من أصل 120 عضواً في أي تسوية سياسية مقبلة، وقد جرى التصويت على هذا القرار وإقراره بالقراءة الأولى في الكنيست، وكذلك بينت هو من دعا ويدعو الى ضم مناطق سي من الضفة الغربية لدولة الاحتلال، وهي التي تشكل 60 في المئة من مساحتها.
في إطار هذا التسابق الصهيوني الحزبي المحموم لطرد الشعب الفلسطيني من أرضه ضمن سياسة تطهير عرقي، يبدو انها العنوان الأبرز في السباق «الإسرائيلي» للكنيست والحكومة ولخلافة نتنياهو وحزبه الليكودي في رئاسة الوزراء، في ظل مؤشرات تقول بأن دولة الاحتلال قد تذهب نحو انتخابات مبكرة، على ضوء الاتهامات والفضائح المتلاحقة لرئيس الوزراء نتنياهو بالفساد والرشى. وتحت هذا العنوان عقدت أمس الثلاثاء ما يُسمى بحركة الاتحاد الوطني الصهيوني، وهي إحدى مركبات البيت اليهودي، مؤتمرها برئاسة زعيمها بتسلئيل سموتريتش والذي قدّم المشروع السياسي لهذه الحركة، حيث جرى إقرار تلك الخطة تحت عنوان «الحسم»، لتصفية القضية الفلسطينية من خلال فرض السيادة «الإسرائيلية» على الضفة الغربية المحتلة وتكثيف الاستيطان وحلّ السلطة الفلسطينية وتشجيع الفلسطينيين على الهجرة لخارج فلسطين التاريخية.
وهذه الخطة مستوحاة من الفكر الصهيوني التلمودي التوراتي المغرق في العنصرية والتطرّف ونفي وجود الآخر، مستوحاة من «الإنذار» الذي بعثه يهوشع بن نون عشية اقتحامه مدينة أريحا قبل ألفي عام.
ويقول إن يهوشع بن نون أنذر أهل أريحا بأن «مَن هو مستعد بالتسليم بوجودنا هنا فليسلم بذلك، ومن يُرد المغادرة فليغادر، ومن يختَر القتال فعليه أن ينتظر الحرب». وهذه الخطة تضع الفلسطينيين أمام خيارات صعبة بالتخلّي عن حلمهم بدولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من حزيران 1967 وعودة لاجئي شعبهم المشرّدين قسراً والقبول بهذه الخطة، أو الطرد والتهجير، أو مواجهة الخيار العسكري بالقمع والبطش والقتل. وبتسلئيل يزعم ويرى أن خطته تحفظ لـ«إسرائيل» ديمقراطيتها. وهو محقّ عندما يقول بأن جوهر خطته العنصرية لا تختلف كثيراً عن البرنامج السياسي لرئيس الوزراء «الإسرائيلي» القائم على تصفية الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، من خلال ما يُسمّى بمشروع للسلام الاقتصادي، جوهره تأبيد وشرعنة الاحتلال، مقابل تحسين شروط وظروف حياة الشعب الفلسطيني الاقتصادية تحت الاحتلال. وبتسلئيل يقول بما معناه، إنه ليس أقل عنصرية وتطرفاً من نتنياهو، الذي لن يمنح الفلسطينيين السيطرة على الحدود والأجواء البرية والبحرية، كما أنه لن يعطيهم جيشاً، ولن يمنحهم الحق بالتصويت لبرلمان صاحب سيادة.
وبتسلئيل هذا العنصري الأهوج يكشف لنا عن مدى حقده وعنصريته، وهو حاله كحال أي مستعمر يغلفها بغلاف الإنسانية، وبأن هذا الاحتلال عصري، وأرحم وأحنّ على الشعب الفلسطيني من قيادته. وهو يزايد على ما يسمى باليسار «الإسرائيلي» الذي يطرح انسحاباً «إسرائيلياً» من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 67 دون القدس والاحتفاظ بالكتل الاستيطانية الكبرى. فهو يقول «أنا أكثر أخلاقية من اليسار، انا على استعداد أن يبقوا هنا، – بالإشارة للفلسطينيين – والعيش بحياة طيبة، مع عشرة أضعاف حقوق مقارنة مع أي اقتراح آخر على الطاولة، أنتم بالإشارة لليسار والمركز بـ«إسرائيل» – تقدمون لهم الحياة تحت احتلال حماس أو كيان فاسد».
هذه الخطة حظيت بدعم ومباركة رئيس الوزراء «الإسرائيلي» الذي أرسل تحية مسجلة للمؤتمر خلال نقاش الخطة وتصديقها. وتأتي الخطة لقطع الطريق على أية مشاريع سياسية أو مقترحات تدعو إلى التنازل او الانسحاب عن ومن أجزاء من «أرض إسرائيل» في أية مفاوضات وتسوية سياسية مقبلة، والخطة تريد الشطب الكلي للرواية الفلسطينية للتاريخ، وفرض رواية تاريخية صهيونية، تقوم على أساس «صهر» و«تطويع» الوعي العربي والفلسطيني، بأنه لن تقوم أبداً دولة عربية ما بين النهر والبحر، فالفلسطينيون حسب زعم بينت لهم دولتان واحدة في غزة والأخرى في الأردن، ولا حاجة لهم بدولة ثالثة.
ما تعرضه هذه الخطة على الفلسطينيين من حلول لقضيتهم يلتقي مع مشروع نتنياهو وغيره من المشاريع السياسية لليمين الصهيوني المتطرف، وهو تأبيد وشرعنة الاحتلال، ولا غير الاحتلال، لا دولة ولا قدس ولا عودة لاجئين ولا حقوق وطنية، شطب وتصفية وأقل من حكم ذاتي. والبدائل والخيارات التي تطرحها حركة الاتحاد الوطني الصهيوني، هي ما تؤمن به وتوافق عليه مجمل الأحزاب والمركبات الممثلة في الحكومة «الإسرائيلية» المغرقة في التطرف والعنصرية، فجوهر موقفها ورؤيتها من العلاقة والرؤية لحل الصراع مع الفلسطينيين يتقاطع ويلتقي كثيراً لحد التطابق في العام، ويختلف في بعض التفاصيل، وما هو معروض في خطة بتسلئيل زعيم حركة الاتحاد الوطني الصهيوني على الفلسطينيين يتخلّص في: – ثلاث بدائل، الأول أن يتنازل الفلسطينيون عن الحقوق الديموقراطية ويتنازلوا أيضاً عن تطلّعاتهم وحلمهم ويمتنعوا عن تحقيق تطلعاتهم الوطنية مع السماح لهم بالعيش في دولة اليهود، لكن من دون السماح لهم بالتصويت بالانتخابات والمشاركة السياسية بالكنيست.
أما البديل الثاني للخطة، وهو الترانسفير لكل مَن يرفض المقترح الأول والعيش في الدولة اليهودية بموجب الشروط التي يتمّ تحديدها، بحيث تقترح حركة الاتحاد الوطني على كل فلسطيني يريد الهجرة ويقبل بالترانسفير المساعدة المالية بغية توطينه بالدول العربية.
ومَن يرفض، فإن البديل الثالث سيكون القمع والتصفية من قبل قوات الأمن «الإسرائيلية» بحال قرّر مواصلة مقاومة الاحتلال.
أمام كل هذه الوقائع والحقائق الصادمة ومعرفة حقيقة مواقف قادة دولة العنصرية والتطرف تجاه حقوق شعبنا الفلسطيني المشروعة، فهل ما زال الحديث عن خيار ونهج المفاوضات ومارثونها العبثي مجدياً؟ وهل استمرار المناكفات والتحريض الداخلي والصراع على سلطة بدون سلطة يخدم الرؤيا والمشروع الوطني…؟؟ أم أنه آن الأوان لحدوث انعطافة جذرية في التفكير السياسي الفلسطيني، بأن قيادة المعركة والصراع مع المحتل تحتاج الى استراتيجيات شمولية للمواجهة تشترك فيها كل مكوّنات ومركبات شعبنا الفلسطيني وطنية سياسية ومؤسسية وشعبية جماهيرية، من خلال قيادات قادرة على أن تلتحم مع جماهير شعبنا وتعبر عن نبضها وهمومها وعبر أدوات وحوامل كفاحية جديدة، واعتماد استراتيجية الصمود والمقاومة، وفتح الساحة الفلسطينية والقرار والعلاقة الفلسطينية على أكثر من خيار ومحور. فالمحور الذي تدور في فلكه السلطة الفلسطينية، ليس بالبعيد عما تعرضه «إسرائيل» وأميركا على الشعب الفلسطيني، الشطب والتصفية للحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني.
Quds.45 gmail.com