استفتاء كردستان… أزمة
حسن حردان
من الواضح أنّ الإصرار على إجراء الاستفتاء في إقليم كردستان وعدم التراجع في ذلك من قبل رئيس الحزب الديمقراطي مسعود البرزاني، جاء بعد أن فشل في استخدام ورقة التراجع عن الاستفتاء من أجل مساومة الحكومة العراقية لانتزاع بعض المكاسب التي يطالب بها، وقد أعلن في خطاب جماهيري قبل أسبوع انه لم يأته أيّ عرض يجعله يؤجل الاستفتاء. وهو يعتقد أنه بعد إجراء الاستفتاء سيكون قادراً على استخدام نتائجه كورقة قوية للتفاوض مع الحكومة العراقية لإجبارها على التسليم بمطالبه التي رفضتها قبل إجراء الاستفتاء.
في المقابل أعلنت تركيا وإيران والعراق رفضها إجراء الاستفتاء واعتبرته غير شرعي وغير دستوري لأنه يتعارض مع الدستور العراق، والمحكمة الاتحادية أصدرت قراراً يطالب بوقف الاستفتاء، وقد أعلنت تركيا أنّ الاستفتاء مسألة أمن قومي بالنسبة لتركيا، فيما أعلنت إيران بأنّ الاستفتاء يشكل خطوة تهدّد وحدة العراق والاستقرار في المنطقة. وقد هدّدت الدول الثلاث باتخاذ الإجراءات العملية للردّ على هذه الخطوة الأحادية من دون التنسيق والاتفاق المسبق مع الحكومة العراقية.
ولم يتوقف الأمر على الدول الثلاث بل إنّ العديد من دول العالم دعت البرزاني إلى التراجع عن إجراء الاستفتاء ولم يؤيد الاستفتاء علناً سوى حكومة العدو الصهيوني التي لها مصلحة مباشرة في التشجيع على هذه الخطوة، تكمن في تعزيز نفوذها الأمني في كردستان للتجسّس والتخريب على العراق وسورية وإيران، وهو النفوذ الذي نشأ وترعرع بعد الاحتلال الأميركي على نحو غير مسبوق ومكّن جهاز الموساد من اغتيال خيرة خبراء وعلماء العراق.
هذه المعطيات التي تزامنت مع إجراء الاستفتاء تدفع إلى الاستنتاج بأنّ إقليم كردستان سيكون أمام أزمة كبيرة وانّ نتائج الاستفتاء سوف تؤدّي إلى عواقب سلبية تجعل موقف البرزاني أضعف مما كان عليه قبل الاستفتاء وذلك للأسباب التالية…
السبب الأول: سيواجه إقليم كردستان حصاراً قوياً من جميع الدول المحيطة به، ما يجعل الإقليم يواجه مشكلة اقتصادية وأزمة في تأمين الموارد المالية الضرورية للإنفاق على المؤسسات ورواتب الموظفين. ذلك أنه لن يتمكّن من الاستمرار في تصدير النفط عبر تركيا ولا في التبادل التجاري للحصول على احتياجات الإقليم أو تصدير منتجاته إلى الخارج. خصوصاً أنه ليس هناك أيّ اتصال للإقليم مع الخارج لا براً ولا بحراً إلا عبر دول الجوار، أما الكيان الصهيوني فهو بعيد ولا يستطيع دعم البرزاني إلا سياسياً.
السبب الثاني: أنّ هذا الحصار يترافق مع عدم الحصول على أيّ دعم أو تأييد إقليمي أو دولي له مما يجعل البرزاني في موقف ضعيف في سعيه إلى تسويق نتائجه واستخدامها كورقة تفاوضية تمكنه من الحصول على مكاسب تعزز سلطته على حساب الدولة المركزية العراقية.
السبب الثالث: أنّ التأييد الشعبي الواسع الذي يحظى به البرزاني الآن سرعان ما سينقلب ضدّه مع كلّ يوم يمرّ في ظلّ الحصار الذي ستفرضه عليه دول الجوار. فالأزمة الاقتصادية وشحّ الموارد سوف يؤدّيان إلى أزمة اجتماعية تجعل الناس تضغط عليه لإعادة النظر في موقفه. فيما من المرجح أن يحصل الانقسام في الإقليم بين الأحزاب السياسية الرافضة للاستفتاء والحزب الديمقراطي المسيطر ويؤدّي ذلك الى احتدام الصراع واتخاذه ابعاداً عسكرية.
السبب الرابع: أنّ قدرة البرزاني على استغلال انشغال العراق في حربه ضدّ داعش للضغط على حكومته باتت غير ممكنة بعد أن أصبح العراق على مسافة ليست بعيدة من القضاء على الوجود المسلح لـ «داعش»، وبالتالي أصبح أكثر قدرة على مواجهة محاولات البرزاني ابتزاز الحكومة العراقية في السعي إلى فرض استقلال الإقليم أو الحصول على مكاسب وسلطات واسعة عبر فرض الأمر الواقع.
انطلاقاً مما تقدّم يتضح أنّ خطوة البرزاني بإجراء الاستفتاء ومحاولة استخدامه ورقة لتعزيز موقفه التفاوضي وفرض شروطه إنما هي خطوة غير مدروسة، فهي لم تأخذ بالاعتبار الواقع الجغرافي المحيط بإقليم كردستان العراق، ولا بموازين القوى وموقف الدول التي تحيط به، عدا عن أنّ خطوة من هذا النوع تعتبر مصيرية بالنسبة لكلّ هذه الدول تتطلب حواراً وتفاهماً معها، لا سيما أنّ لهذه الخطوة انعكاسات مباشرة على هذه الدول بسبب وجود أكراد فيها وخصوصاً في تركيا حيث العدد الأكبر من الأكراد الذين يبلغ عددهم فيها أكثر من عشرين مليون نسمة وهم يطالبون بالحصول على الحكم الذاتي، وهو بالطبع حق لهم، وقد حصل عليه الأكراد في شمال العراق إضافة إلى مشاركتهم الوازنة في مؤسسات الدولة العراقية.
قد يكون الحلّ الأمثل على المدى القريب هو صيغة من صيغ الاتحاد الفدرالي بحيث ينعم المواطنون بالتفاعل الحضاري والتطوّر والتقدّم والازدهار، لكن هذا الحلّ يحتاج إلى توافر ظروف سياسية أولاً تنأى بالمنطقة عن التدخلات الأميركية والصهيونية التي تسعى إلى توظيف حقوق الأكراد واستخدام بعض الأحزاب الكردية لأجل تحقيق أغراضها وأطماعها ومخططاتها الاستعمارية في عموم المنطقة، لا سيما دول جوار كردستان. فهل تتعظ القيادات الكردية من التجارب السابقة بالمراهنة على أميركا وكيان العدو الصهيوني؟ وتتوقف عن مواصلة مثل هذه السياسة التي لم تؤدّ سوى إلى نتائج سلبية على الأكراد!