أيها الأميركي هذه بلادنا… وجودك مرفوض وسنقاومه
محمد ح. الحاج
في كلّ دول العالم المتخلّف وعلى مرّ الزمان أمكن للقوى العسكرية الكبرى أن تجد لها أدوات تجنّدها لخدمة أغراضها، وفي بعض الأحيان يشكّل هؤلاء جماعة لها خصوصية من نوع ما، ويشكل ذلك ذريعة للتدخل بحجة الدفاع عن حقوق أو حرية هذه الجماعة، وقد ثبت عبر التجارب أنّ آخر ما تهتمّ له القوى الكبرى هو حرية الآخر وحقوقه، وكم من جماعة سقطت ضحية هذا الخداع.
لا يمكن إنكار أنّ الأميركي استخدم الكثير من حَمَلَة الجنسية السورية، بعضهم بدافع التبعية لدول خارج الوطن يعتقد أنها تقف إلى جانب حقوقه وتريد له الخير، وهذا أشبه بمن يقدّم لفقير شريحة من اللحم محشوّة بالسمّ القاتل، وبعضهم بدافع الطمع وجمع الثروة، وربما هناك من هم مغلوبون على أمرهم وما كان أمامهم من خيار سوى التنفيذ أو الموت في المعتقلات والسجون، وبهؤلاء تسلل الأميركي إلى التخوم والأطراف السورية عبر مواقع كان فيها سواء في العراق بذرائع ليست هي المعلنة، أو بموجب اتفاقيات وتحالف كما في حال تركيا والأردن، وهكذا بدأ بعشرات أسماهم خبراء ومدرّبين لينتهي إلى قواعد جوية ومعسكرات مختلطة أغلبها من المارينز ومعه أدوات من الكرد وغيرهم ممن تمّ توصيفهم قبلاً.
في الجنوب والجنوب الشرقي السوري تسلل الأميركي عبر الأردن ليقيم قواعد له في الزكف والتنف ومعروف أنها نقاط شبه حدودية بين الشام والعراق، وهو كان قبلها في معسكر الأزرق الأردني يدرّب ويؤهّل هؤلاء المرتزقة للتستر بهم واتخاذهم غطاء وجواز مرور إلى الأرض السورية، فيشكل حاجزاً يمنع تحرير الأرض وتواصل الجيشين السوري والعراقي باعتبار تواصلهما خطاً أحمر تتبناه السعودية، وهو شعار الأسرة المالكة، كما يتبناه العدو الصهيوني، لكن إقامة الحاجز فشلت وتواصلت القوى العسكرية الوطنية على الضفتين ثم بدأت تفرض إيقاعها على وجود غير شرعي، مرفوض، وهكذا كان على الأميركي وقف لعبته هناك وتوجيه الأدوات للانسحاب، وبدا أنّ هؤلاء تفاجأوا وهم المدركون أنهم منذ الأساس مجرّد أدوات، استغاثوا وما من مجيب، لا بدّ من تدمير القواعد والانسحاب قبل أن يلتفت لهم الجيش فيسحقهم، الأميركي والبريطاني لا شكّ استمهلوا الروسي متفادين الصدام ريثما ينسحبوا بسلام.
في الشمال الشرقي، في محيط القامشلي وأراضي الحسكة أقام الأميركي معسكرات لتدريب القوى الكردية، وقد أغرى جانباً من مكونات المنطقة بالالتحاق تحت يافطة محاربة داعش وأسمى هذه القوات باسم سورية الديمقراطية، وهكذا نجح باعتباره مايسترو الفرقة في تسليم أجزاء حيث كانت داعش إلى القوات القادمة من عين العرب وجوارها بعد معارك صورية وخاصة في مناطق شمال غرب سدّ الطبقة الثورة وتسليم السدّ ومنشآته وكلّ ما يقع بينه وبين مدينة الرقة وعلى الضفتين بما في ذلك مطار الطبقة العسكري، ومن لا يعرف فإنّ المسافة بين الطبقة ومدينة الرقة عبر الطريق الشمالي الموازي تقرب من خمسين كيلو متراً، سيطرت عليها قسد بطريقة عجيبة ومنتهى السهولة ما يكشف العلاقة بين المشغل الأميركي والطرفين داعش و قسد باعتبارهما أدوات تبادلية.
نظرة على السلوك الأميركي في بدايات حربه على داعش تدفع إلى ملاحظة التركيز على البنى التحتية السورية وخاصة شرايين الربط بين ما يسمّى الشامية، والجزيرة من الأرض السورية من تدمير للجسور بشكل كامل، ومنشآت الدولة حيث لم يكن لتواجد عناصر داعش أية أهمية، وقد كتب الكثير من المراقبين والمحللين باستغراب عن غاية القوة الأميركية من تدمير القصور والمنشآت الحكومية في الرقة ودير الزور، بل وتكرار استهداف القوات السورية المدافعة عن درة الفرات ومطارها والقول إنّ ذلك حصل بالخطأ، الأميركي ترك قواعد ومعسكرات داعش ومخازن أسلحته بأمان لم يلحق بها الأذى قبل تدخل الطيران الروسي، وكان ذراً للرماد في العيون ـ يقصف أضعف نقاط تواجدها القريبة من المدنيين وخاصة في الرقة حيث كان الضحايا من المدنيين أضعاف قتلى مرتزقة داعش.
تنهار دولة الخرافة بسرعة قياسية، وهي محاولة ثانية فاشلة بعد نجاح جزئي لدولة خرافة أولى هي الكيان الصهيوني الذي بدأ يهتزّ من الداخل جراء هذا الانهيار، لكن المحاولات الأميركية لن تتوقف ولهذا سنلمس تشجيعاً وإنْ بالسرّ لإقامة دولة مماثلة في الشمال العراقي والتمهيد والدفع بالشريحة الكردية في شمال سورية للسير بركب البرزاني الذي يرتبط بقرابة لاهوتية مع الكيان الصهيوني، فإذا ما نجح المشروع فهذا يعني إطالة عمر الكيان القائم على خرافة الوعد التوراتي إلى أجل، علماً أنّ كلّ التوقعات لا تشير إلى ذلك حتى ضمن مراكز الأبحاث الصهيو أميركية، لكن حرباً في الشمال العراقي وامتدادها غرباً إلى الشمال السوري قد تصرف الأنظار عن كيان الاغتصاب، ربما، فهل تطيل في أجله، الأميركي يعتقد ذلك، لهذا يراهن على الصدام بين الوحدات الكردية ولا أقول قوات قسد لأنّ أغلبها بدأ يتنفكّ عنها ويلتحق بالجيش الوطني بعد اكتشاف حركة المايسترو وأهدافه الخبيثة.
العشائر العربية التي وقفت إلى جانب مشروع محاربة داعش في الجزيرة لن تحارب الجيش السوري في محيط دير الزور، حتى الأكراد الوطنيين لن يفعلوها لمعرفة الجميع أنّ الجيش السوري يتشكل من كلّ الأطياف ومن اخوتهم وأقربائهم ومن نفس العشائر والأعراق والقبائل، وليس من المستبعد وجود خبراء صهاينة بين هذه القوات يسيطرون على الأسلحة الثقيلة ويوجهون الرمايات باتجاه القوات العابرة للنهر لاستجرار الردّ والوقيعة بين الطرفين وإرباك الجيش أو بعض وحداته تخفيفاً للضغوط عن بقايا داعش وسحب الأجانب أو إفساح المجال لهم للهرب، وربما التحق بعضهم بمواقع الوجود الأميركي وهم من يشاركون في القتال تحت مسمّى قسد … هل يريد الأميركي منع الجيش السوري من دخول الجزء الأهمّ من أراضي بلاده؟
إنّ السلوك الأميركي الملغوم يعمل على تفخيخ العلاقة بين الجيش الوطني وشريحة من السوريين ويبعث على صدام لا تحمد عقباه وتطال نتائجه المأساوية أبرياء لا ناقة لهم ولا جمل، ولا يرفعون شعار الانفصال، وهم لا يرفعون العلم الصهيوني كما في العراق، إنما هذا هو ما يُراد لهم وهي لعبة من عالم الميديا بدأت تثير أغلبية الناس، ومن ذلك البحث في تاريخ الأكراد وتواجدهم في تلك المنطقة وهو تواجد جاء لاحقاً بعد الحرب العالمية الأولى/ وأخالف الذين يقولون إنهم ليسوا سوريين بالأساس فهم جاؤوا من أراضي المحافظات التي تحتلها تركيا بموجب اتفاقيات دولية لم يكن السوري صاحب الأرض طرفاً فيها، وإذا تطرقنا إلى الأسطورة يمكن القول إنّ قبائلهم بقايا السومريين من زمن ابراهيم الخليل وأنهم من أور، حالياً هي أورفه، رغم أنّ بعضهم يدّعي الانتماء إلى العرق الآري، ليس المهمّ الجذر التاريخي بقدر الانتماء والإخلاص إلى الأرض الوطن، ونعلم أنّ المهاجر يقسم في الغرب يمين الولاء بعد نيله الجنسية وإقامته سنوات خمس فما بالنا بمن أقام مائة عام، وكلنا يقول إننا نحن السوريين أهل شهامة نرحب بالقادمين إلينا خصوصاً إن كانوا مطاردين مظلومين.
قد ينجح الرهان الأميركي على الكرد إلى حدّ ما، ويدرك أنه يورّطهم ويدفع بهم إلى سقطة مميتة سواء في الشمال العراقي أو السوري، وأنّ عملهم يؤسّس لعداء وحروب تمتدّ لعقود إنْ لم يبادر عقلاؤهم لتطويقها والتشهير بما تقوم به القيادات العميلة، كما فعل إمام مسجد السليمانية الذي رفض طاعة ولي الامر لأنه يعمل في خدمة العدو الصهيوني، لكن أغلب الشعب الكردي لا يعلم أنّ والدته كرجية كوهين… هي سبب هذا الرابط الذي يعتبره مقدساً، أما ما يجب أن يعرفه الأميركي فهو أنّ هذه الأرض لنا، وأنّ وجوده على حبة من ترابها هو وجود مرفوض وسنحاربه بكلّ ما نملك من قوة ونقول: بعد القضاء على الوكيل سنتفرّغ للأصيل…