بغداد: البرزاني يتمسّك بالاستفتاء طمعاً بكركوك ونفطها وتهريب عائدات بـ200 مليار عون لتنسيق مع سورية حول النازحين… والحريري لمعادلة السلسلة مقابل قطع الحساب
كتب المحرّر السياسي
حجبت تفاصيل الملف الكردي عشية الاستفتاء على الانفصال لكردستان العراق بعض الأضواء عن الميدان السوري، الذي شهد إنجازت نوعية كبرى للجيش السوري والحلفاء، حيث جبهات حماة وإدلب وريفاهما تشهدان تقهقراً لجبهة النصرة عن قرى وبلدات ومواقع، يماثلها نجاح الجيش السوري والحلفاء ببسط السيطرة على كامل ضفاف نهر الفرات الجنوبية الممتدّة من ريف حلب حتى ريف دير الزور مروراً بريف الرقة بعد السيطرة على مدينة معادان ومعها قرابة خمس وثلاثين بلدة وقرية، تمهيداً لعبور واسع النطاق إلى الضفة الشمالية للفرات من نقاط متعدّدة توفرت تجهيزاتها اللوجستية عبر جسر جوي روسي خلال الأيام الماضية، كما كشفت مصادر متابعة للوضع العسكري في سورية لـ «البناء»، مضيفة انّ الأيام المقبلة ستشهد تحوّلات نوعية شمال الفرات تشارك فيها وحدات دفاع شعبي من العشائر، وأنّ أيّ محاولة لاعتراض الجيش والحلفاء ستواجَه بقسوة بقرار موحّد سوري إيراني روسي عبّر عنه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف. كما أكدت المصادر أنّ واشنطن تبلغت من موسكو هذا القرار، وأنّ أيّ محاولة لفصل مناطق شمال الفرات عن سورية بغطاء كردي ستُقمع، وانّ التدخل الأميركي سيعامَل كقوة غير شرعية، لأنه من دون موافقة قانونية من الدولة السورية، وحدود شرعيته الافتراضية المستمدة بالتغاضي بذريعة قتال الإرهاب تسقط عندما يصير طرفاً في التدخل في شؤون تخصّ السيادة السورية.
في ملف انفصال كردستان، كشفت مصادر مقرّبة من رئيس الحكومة العراقية لـ «البناء» أنّ بغداد تعرف خلفيات توقيت الاستفتاء وسبب الإصرار على إجرائه، فلن يضيف الاستفتاء شيئاً للاستقلال الذي تملكه كردستان اليوم، إلا عبر التسلل لفرض الاستفتاء على كركوك وضمّها عنوة لمناطق سيطرة حكومة كردستان، لأنّ نفط كركوك في أيّ صيغة رضائية للانفصال أو لتطبيق مبادئ النظام الاتحادي القائم سيكون مناصفة بين الحكومة العراقية وحكومة كردستان، وأربيل التي تستولي على كامل عائدات النفط من عشر سنوات تريد استباق نهاية الحرب على داعش، بالتهرّب من أيّ صيغة جدية لحسم أمر هذه العائدات التي لم تدخل لا في موازنة العراق ولا في موازنة كردستان، حيث مجلس نواب الإقليم معطّل منذ سنتين منعاً للمساءلة عن هذه العائدات التي تقدّر فوائضها بمئتي مليار دولار، كما أنّ تنازل بغداد عما يستجدّ من عائدات مستحيل بعد نهاية الحرب على داعش، ولذلك يسارع البرزاني باحتلال كركوك تحت عنوان الاستفتاء وطيّ صفحة الأموال المنهوبة.
في عاصمتي الجوار الأشدّ تأثراً طهران وأنقرة، لا ينطلق الموقف من الحسابات التي توردها حكومة بغداد، وخصوصاً في أنقرة، ففي طهران الحساب هو للعبة أميركية تريد بديلاً يستنزف محور المقاومة مع اقتراب نهاية داعش، لكن في أنقرة شعور بتهديد وجودي يطلق مسار انفصال الأكراد، ولذلك كان التعاون العراقي التركي الإيراني لإجراءات رادعة تطال المعابر البرية وتدفق النفط والمطارات وغلق الأجواء وإغلاق الحسابات المصرفية، وربّما وقف تزويد الكهرباء والمشتقات النفطية، كما قالت مصادر تركية إعلامية.
معادلة البرزاني المالية تشبه وفق مصدر نيابي لبناني معادلة رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة مع الإبطال الدستوري لقانون تمويل سلسلة الرتب والرواتب، حيث سيخرج رابحاً، بعدم فتح باب قطع حساب الموازنات السابقة، وفقاً لما بدا أنه مخرج يطرحه رئيس الحكومة سعد الحريري تحت شعار حماية سلسلة الرتب والرواتب، قالت مصادر متابعة إنه يقوم على تسريع إقرار الموازنة بعد أن تُدمج بها الضرائب التي وردت في القانون موضوع الإبطال. وهذا يعني عملياً إزالة أسباب تأخر الموازنة. وهو الإصرار على إنهاء قطع الحساب، الذي تشكّل مساءلة السنيورة بنده الرئيسي، وما يتضمّنه ذلك من دعوة للمتمسّكين بقطع الحساب والمساءلة من قبول مقايضة السلسلة بالتخلّي عن قطع الحساب.
توجّه الحريري يتمّ في سياق تجاذب بدا واضحاً مع النقابات التي تبدأ إضراباً اليوم في ظلّ التلويح الحكومي بتعليق قانون السلسلة لشهر قد يتجدّد أو السير برفع الضريبة على القيمة المضافة، وإلا فالموازنة فوراً وبلا قطع حساب.
التجاذب مع النقابات ترافق مع تجاذب سياسي على خلفية موقف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الداعي لتعاون مع الحكومة السورية في ملف النازحين، بعد اللقاء الذي جمع وزير الخارجية جبران باسيل في نيويورك بوزير الخارجية السوري وليد المعلم وتهجّم وزير الداخلية نهاد المشنوق عليه، ووصف اللقاء بالاعتداء على رئيس الحكومة فاتحاً الباب لتغيير التحالفات حول الانتخابات النيابية، بالإشارة إلى عدم السير بالبطاقة الممغنطة أو البيومترية والقبول بالتسجيل المسبق لمكان السكن.
تخبّط حكومي حيال قرار «الدستوري» واتجاه لتعليق «السلسلة» لشهر
لم يخرج مجلس الوزراء في جلسته التي عقدت في السراي الحكومي مساء أمس، بقرار حول موضوع إبطال المجلس الدستوري لقانون الضرائب وقرر عقد جلسة ثانية استثنائية يوم الثلاثاء المقبل لاستكمال البحث والخروج بقرارات مهمة على هذا الصعيد.
وفي وقتٍ أعلن رئيس الحكومة سعد الحريري تصميم الحكومة على تنفيذ سلسلة الرتب والرواتب، تحدثت معلومات «البناء» عن اتجاه حكومي لتعليق العمل بقانون السلسلة لشهرٍ واحد للبحث عن موارد جديدة لتمويل السلسلة. وأشارت مصادر وزارية مطلعة لـ «البناء» أن «البحث جارٍ بين الحكومة والمجلس النيابي والمعنيين في الشأن المالي على ايجاد الحل القانوني والمالي المناسب تدفع بموجبه رواتب الموظفين وفقاً لقانون السلسلة وفي الوقت ذاته لا تخالف الحكومة قرار المجلس الدستوري»، موضحة أن «الحلّ هو بشمولية الموازنة كما ورد في قرار المجلس الدستوري، أي تضمين الضرائب المعدلة في الموازنة، وبالتالي تأجيل دفع السلسلة بانتظار إقرار الموازنة في المجلس النيابي»، لكن المصادر كشفت أن «إقرار الموازنة سيصطدم بعقبة قطع الحساب التي لم يُحسم مصيرها بعد ولا زالت قيد النقاش في لجنة المال والموازنة النيابية».
ونفت مصادر حكومية أن يكون الحل بطلب الحكومة الاستحصال على سلفة مالية من مصرف لبنان لتمويل السلسلة، غير أن مصادر «البناء» لفتت الى أن «السلسلة لن تدفع هذا الشهر بل ستُضاف الى الشهر المقبل عندما يتم التوصل الى حل شامل».
وفي حين تردّدت معلومات عن توجّه حكومي لرفع الضريبة على القيمة المضافة TVA الى 12 في المئة، نفى وزير العدل سليم جريصاتي ذلك، وأكد العمل على تعديل صياغة المادتين 11 و17 ولا تعقيدات أو عراقيل في المسألة».
ورجّح مصدر وزاري أن تسترد الحكومة موضوع السلسلة وتمويلها وقانون الضرائب لتجري إعادة صياغة رؤية مالية واقتصادية جديدة للوضع المالي ولموضوع الضرائب وضمّ السلسلة والضرائب الى الموازنة وتعديل المادتين 11 و17 في قانون الضرائب للمواءمة مع قرار المجلس الدستوري».
واعتبر وزير الدولة لشؤون التخطيط ميشال فرعون بعد انتهاء الجلسة «أن الملاحظات التي تأتي على الحكومة سببها غالباً الملفات التي عولجت باستعجال أو تلك التي طرحت على الحكومة من خارج جدول الأعمال ولم تنل حيزاً واسعاً من النقاش داخلها. وقد شهدنا هذا الأمر في موضوع البطاقة الممغنطة، وفي ملف الكهرباء ويتكرّر الأمر أيضاً في موضوع الأقساط المدرسية والصندوق المرتبط بقانون الإيجارات اللذين لم يبحثا». وشدّد فرعون على «أن قضية الضرائب والسلسلة والموازنة مرتبطة ببعضها، وهذا الأمر سيكون محور البحث، بدءاً من جلسة الحكومة وطيلة الأسبوع المقبل».
وعلقت مصادر وزارية على الجلسة بالقول: «هناك تخبّط وإرباك في التعامل مع الموضوع والحكومة لم تقدم رؤية واضحة خلال الجلسة، بل كانت النقاشات متباعدة»، وكشفت أوساط مطلعة لـ «البناء» أن «وزير المال علي حسن خليل سيعمل خلال الـ 48 ساعة المقبلة على إيجاد تصور متكامل للسلسلة والضرائب والموازنة وعرضه على مجلس الوزراء الثلاثاء المقبل»، وأكد وزير المال بعد خروجه من الجلسة بأن «ليس لديّ أي اقتراح وما يتفق عليه مجلس الوزراء أنفذه كوزير للمال».
وأشار الحريري في مستهل الجلسة التي استمرت حتى الثامنة والنصف أن «الحكومة مصمّمة على تنفيذ سلسلة الرتب والرواتب، فهي مؤتمنة على تنفيذ القوانين والتشريعات التي يسنّها المجلس النيابي، والحكومة مؤتمنة أيضاً على الدستور والمؤسسات، وهي بذلك تحترم قرار المجلس الدستوري إبطال القانون الذي يموّل السلسلة، والحكومة مؤتمنة كذلك على مصالح كل لبناني وكل لبنانية ومن أهمها الاستقرار النقدي والمالي الذي يضمن قيمة مداخيل اللبنانيين ومدخراتهم».
وشدّد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، بعد لقائه رئيس الحكومة في السراي قبيل الجلسة، على «ضرورة أن يكون هناك ضرائب لتمويل سلسلة الرتب والرواتب».
لكن أوساط مالية تساءلت: لماذا لا تدفع السلسلة من الوفر الموجود في الخزينة، كما قال عضو المجلس الدستوري القاضي صلاح مخيبر بعد خروجه من جلسة المجلس الدستوري، ريثما يتم تصحيح الخلل في قانون الضرائب والانتهاء من إقرار الموازنة؟ لا سيما وأن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ربط توقيعه على قانونَيْ السلسلة والضرائب بإقرار الموازنة وما تصريحه أمس إلا غطاء سياسي ورئاسي لقرار «الدستوري»، حيث قال عون عبر صفحته الرسمية على تويتر: «إن قرار المجلس الدستوري بإلغاء الجدول الضرائبي هو ممارسة لدوره الطبيعي الذي يشكّل حجراً أساسياً في بناء دولة المؤسسات».
رعد: تمويل السلسلة مسؤولية الحكومة
وأكد رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد أن «قانون الرتب والرواتب نافذ يجب على الحكومة ان تنفذه وتبحث عن ضرائب تموّله، لذلك موضوع السلسلة لم يتغير. وهذا الموضوع أحدث إرباكاً للحكومة فمن أين تأتي بالأموال؟ نحن نقول هذه مسؤولية الحكومة، الموظف سيصله حقه وحقه كرِّس بقانون والقانون نافذ غير مطعون به، وعلى الحكومة ان تؤمن حقوق الناس وهي تستطيع ان تؤمنها لو أقفلت مزراباً واحداً للسرقة والهدر، فيتم تمويل السلسلة».
إضراب عام وشامل اليوم
على صعيد التحركات الشعبية والنقابية، أعلنت هيئة التنسيق النقابية في بيان أمس، تنفيذ الإضراب العام والشامل في الإدارات العامة وفي المدارس والثانويات الرسمية والخاصة وفي دور المعلمين والمؤسسات العامة والبلديات، ابتداء من صباح اليوم على أن تبقي اجتماعاتها مفتوحة لاتخاذ الخطوات في ضوء التطورات محتفظة بحقها بأعلى درجات التصعيد بما في ذلك التظاهر والاعتصام وشلّ المرافق العامة.
ولفت نقيب المعلمين رودولف عبود الى أن «الإضراب شامل غداً اليوم في المدارس الخاصة كلها، وبموجب ذلك تتوقف الدروس وأعمال التسجيل في المدارس الرسمية اليوم».
بدوره دعا الاتحاد العمالي العام، الى الاضراب التحذيري والشامل في المؤسسات العامة والمصالح المستقلة والبلديات اليوم، وأصدر بياناً جاء فيه: «بعد عجز الحكومة عن تنفيذ القوانين التي تسنها السلطة التشريعية لا سيما بعد التلويح بتأجيل أو تعليق قانون سلسلة الرتب والرواتب من قبل مجلس الوزراء والانقلاب على الحقوق المكتسبة للموظفين في الإدارات العامة والمؤسسات العامة والمصالح المستقلة».
وأكد رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الاسمر، بعد لقائه رئيس الحكومة في السراي الحكومي، أن «الإضراب مستمر». وأشار الى «اننا قد نلجأ الى التصعيد ونؤكد موقفنا الثابت من المضي قدماً بالسلسلة».
وقالت أوساط نقابية لـ «البناء» إن «الحريري طرح خلال اللقاء تعليق العمل بقانون السلسلة لمدة شهر واحد للبحث عن سلة ضرائبية جديدة، ورفضت الأوساط اقتراحاً حكومياً بزيادة الضريبة على القيمة المضافة الى 12 في المئة».
المشنوق: لقاء باسيل ـ المعلّم اعتداء على الحريري
ولم يكن الوضع المعيشي والمالي أفضل حالاً من الواقع السياسي الذي انفجر بين التيار الوطني الحر والرئيس سعد الحريري على خلفية لقاء وزير الخارجية جبران باسيل ووزير الخارجية السوري وليد المعلم في الأمم المتحدة، فقد شن وزير الداخلية والبلديات نهاد المنشوق هجوماً على اللقاء واعتبر أنه «يشكل اعتداءً سياسياً على موقع رئاسة الحكومة»، ووصفه بأنه «مخالفة للتسوية السياسية وللبيان الوزاري الذي نص على النأي بالنفس»، مشدداً على «أننا لن نقبل به في أي ظرف من الظروف وسنواجهه بكل الوسائل».
وفي ملف الانتخابات النيابية أكد المشنوق أن «الانتخابات النيابية المقبلة ستجري في موعدها، لكن بالتسجيل المسبق في مكان السكن، لأن الوقت ما عاد يسمح بإنتاج بطاقة ممغنطة ولا هوية بيومترية في الأشهر القليلة المتبقية».
وفي وقتٍ لم يخرج أي رد من الوزير باسيل ولا من التيار الوطني الحر حيال تصريحات المشنوق، أبدت مصادر مراقبة استغرابها لتصريحات وزير الداخلية، واضعة إياها في اطار استمرار سياسة فريق المستقبل بعرقلة الحلول لإعادة النازحين السوريين الى بلدهم لا سيما وأن الممر الوحيد لذلك هو التواصل والتنسيق مع الحكومة الحالية في سورية، محذّرة من «الإصرار على رفض التواصل مع سورية ما يبقي الأزمة قائمة ويهدد الوضع الاجتماعي والأمني والسياسي للحكومة وللبلاد برمّتها».
ودعت المصادر الحريري وفريقه السياسي لتجاوز الاعتبارات الخارجية والبحث عن مصلحة لبنان التي تتمثل بحل سريع ومتكامل لأزمة النازحين السوريين، لا سيما بعد كلام الرئيس الاميركي في الامم المتحدة عن توطين اللاجئين في الدول التي تستضيفهم وبعد تنصّل الامم المتحدة من التزاماتها بدعم لبنان المالي لإيواء النازحين ما يلقي المسؤولية على كاهل المؤسسات اللبنانية التي لم تعد تستوعب تأمين الخدمات للنازحين».
ورأى رئيس الجمهورية أن «الحل لأزمة النازحين يكون من خلال عودتهم، فهؤلاء قدموا الى لبنان بأعداد كبيرة بطريقة غير شرعية، وهم باتوا يشكلون 50 في المئة من مجمل سكاننا». وأكد عون في معرض رده على سؤال عن إمكان التعاون مع الحكومة السورية لمعالجة الأزمة أن «لبنان سيبحث مع سورية مسألة عودة النازحين، وهنالك مشاورات قيد البحث، والحكومة السورية أعادت السيطرة على 82 في المئة من المساحة الجغرافية للدولة السورية وحتى المعارضون القدامى تصالحوا مع الحكومة»..
مواقف عون جاءت عشية زيارته الى فرنسا التي تبدأ اليوم ويتوّجها بلقاء قمة مع نظيره ايمانويل ماكرون إضافةً الى مسؤولين فرنسيين آخرين. بينما أعلن الوزير المشنوق مقاطعته للزيارة.