يعاري: القول إننا ذهبنا بحذر شديد وامتنعنا عن الدخول عميقاً في غزّة على رغم امتلاكنا طائرات وغواصات… فارغ!

لا يتوانى الإعلام العبري عن «شدّ عصب» المستوطنين الصهاينة بعد عملية «الجرف الصامد» في غزّة، والتي ساتمرت لأكثر من 50 يوماً، ادّعت «إسرائيل» مع نهايتها بأنّها انتصرت.

ولأن المستوطنين ربما يكونون أذكياء لدرجة عدم تصديق لا الحكومة ولا الجيش «الإسرائيليَيْن»، فُتِحَت جبهة الإعلام علّ هذا الإعلام يُقنِع.

في التقرير التالي، مقابلة أجرتها صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية مع المدير العام لـ«رفائيل»، يديديا يعاري. و«رفائيل» ليست سوى الإدراة المسؤولة عن تطوير السلاح «الإسرائيلي».

كتب أودي عصيون:

الساعة الثامنة مساءً، قيادة «رفائيل الإدارية» القريبة من حيفا، المدير العام يديديا يعاري يخرج من مكتبه بالصندل، تسلّم بلاغاً على الورق. توقّف للنظر، وضحكته اتّسعت على وجهه، رسالة «واتس آب» من الابن، مع فيلم قصير عن «الجرف الصامد»، إسقاط صواريخ «غراد» من قبل القبة الحديدية التي طوّرتها «رفائيل»، ومن خلال صراع مع الجدول الزمني الضيّق، موزانات قديمة، وانتقادات لاذعة. قبل 41 سنة، كان يعاري مساعد ضابط أمن في شركة «إل عال» في امستردام. مقاتل مسرح من الكوماندو البحري، إذ أصيب إصابة بليغة في جزيرة غرين عام 1969. وفقط حين رأى فجأة صور دبابات محروقة وأسرى «إسرائيليين» في الصحيفة، اكتشف أن الحرب اندلعت في «يوم الغفران». وقاتل عشرة أيام كي يصعد إلى الطائرة عائداً إلى البلاد. ولكن كما يقول، صعد فقط طيارون ورجال دبابات لا ضفادع.

عندما وصل إلى مطار «بن غوريون» اتصل بالوحدة البحرية 13. «تعال فوراً»، قالوا له. وأُرسل مع قوة صغيرة لضرب مرسى الاسطول المصري في الغردقة في البحر الاسود، مع سفن متفجرات كان خبيراً بتشغيلها. العملية فشلت لعدّة أسباب، كما يتذكر، وإلى جانب الاتهامات التي برزت بعد الحرب، قرّر العودة إلى الجيش للمساعدة في إصلاح ما تضرّر.

في حرب لبنان الاولى، قاد مقاتلي البحرية وقاتل في بيروت، بعد ذلك عُيّن قائداً للكوماندو البحري، وأصيب اصابة طفيفة في إحدى العمليات التي شارك فيها كقائد للوحدة. عام 2003، حينما كان قائد سلاح البحرية، عيّنه قائد الاركان في حينه موشيه يعلون رئيساً للطاقم الذي سيضع أسس الحرب المقبلة للجيش. بعد ذلك بسنة، عُيّن رئيساً لـ«رفائيل»، المسؤولة عن تطوير السلاح «الإسرائيلي».

ويقول يعاري: «غزّة تظهر الآن مثل الضاحية في بيروت، أين هي حسابات الربح والخسارة؟ الفائدة التي جناها المتضرّر هي صموده، من ناحيتهم فإن ذلك يفيد على المدى البعيد، وإذا كانت الفائدة دمار غزّة، فإن ذلك مفيد من وجهة نظرهم.

حماس أضعف بكثير من الجيش «الإسرائيلي»، ولكنها نجحت في ردع «إسرائيل» عن احتلال غزّة، أليس ذلك مقلقاً؟

إن حقيقة أن لدينا دبابات وطائرات أكثر لا تعني شيئاً في البيت المفخّخ الذي يدخله الآن لواء جفعاتي أو غولاني. لذلك فإن القول إننا ذهبنا بحذر شديد وامتنعنا عن الدخول عميقاً في حين وجود طائرات وغواصات، فإنّ هذا قول فارغ في نظري. السؤال هو: ما هي المهمة؟ حماس جهزت غزّة بشكل دقيق ضدّ سيناريو كهذا وعلى مدار سنوات مع أنفاق وألغام بهدف إدخال الجيش «الإسرائيلي» إلى الداخل وإسقاط البيت عليهم، ومن الجيد أننا امتنعنا عن ذلك.

لحماس أيضا ظهر من إيران ومن الصناعات الامنية الخاصة بها. وللإيرانيين إمكانيات تكنولوجية حقيقية، ولا أقترح على أحد الاستهتار بها. لديهم قائمة غنية من المهندسين والعلماء من متخرّجي أفضل الجامعات في العالم، ومستوى تكنولوجي لدولة متطورة جدّاً. ونرى ذلك من خلال إنجازاتهم أمام الأميركيين مثل إسقاط طائرة من دون طيّار».

ويتابع يعاري: «نحن نعرف مواجهة الظروف على مستوى عال جداً وما زلنا أفضل من الكثير من الدول الأخرى. حصانة في الحرب الالكترونية، مثلاً. ما زال لدينا أفضلية حتّى على الايرانيين على رغم كل المصادر التي يملكونها والحجم المطلق لصناعاتهم الامنية.

وهناك القبة الحديدية التي حصلت «رفائيل» بسببها على جائزة أمن إسرائيل سنة 2011، وأيضاً العرفان الذي يقدّمه سكان الدولة في عملية الجرف الصامد».

رافق يعاري القبة الحديدية حينما كانت مجرد فكرة أولية في مختبرات بحث الشركة، حينما كان عمير بيرتس يحارب من أجلها أمام المؤسسة العسكرية، جهاز الاسقاط الأميركي بالليزر لم يتم اختياره وخرجت ضده مجموعة انتقادات.

الشركة التي باعت في 2013 في عدّة مجالات ما يعادل 2 مليار دولار أكثر من نصفها في التصدير، قد ربحت 101 مليون شيكل ويعمل فيها 6500 موظف. القبة الحديدية تعتبر اليوم المنتوج المعترف به والاكثر حداثة، لكنه ليس الوحيد. فـ«رفائيل» تنتج أجهزة شحن للغواصات الجديدة لسلاح البحرية ومحركات الاقمار الصناعية لسلاح الجوّ. من بين ما تطوّره يمكن ذكر صواريخ ضدّ الصواريخ «غيل وتموز»، وصواريخ «جو ـ جو بيتون 14 5»، وما زالت القائمة طويلة ومعظمها سرّية.

النجاح في «عمود السحاب» و«الجرف الصامد» حرّر لدينا شيء ما. يقول يعاري. كان هناك حملة ضدّ القبة الحديدية بشعة جداً وما زالت تُدار، واتهامات كبيرة، وتجوّل أناس مع الرغوة على الشفاه وكثير من المصالح، وكان من الصعب على موظفي «رفائيل» مواجهة ذلك، وكثيرون سألوا هل حقيقة أننا نضحك هنا على الجمهور؟ والناس يشعرون الآن بالفخر. هذه الجائزة الأكبر التي يمكن إعطاءها في عملية.

وتابع: في القبة الحديدية أكثر من 300 مليون شيكل مثل استثمار ذاتي لرفائيل إضافة إلى الموازنات من وزارة الدفاع ومن الولايات المتحدة. هذه الاموال كانت على حساب أمور أخرى لأننا أدركنا الأهمية.

التأثير المطلق تقريباً للقبة الحديدية في الحربين الاخيرتين في غزة ولّد نظريات المؤامرة. قسم من الناس ادّعى بشكل مرضي بأنّ القبة الحديدية حلم وحتّى نحن لا نستطيع عمل شيء كهذا.

ويدّعون أيضاً أن القبة الحديدية ناجحة زيادة عن اللزوم وتوفّر على متّخذي القرارات ضرورة مواجهة المشاكل الحقيقية. إنّ هذا الادّعاء غريب جدّاً، وكان البديل أن يسقط علينا 2500 صاروخ على المراكز السكانية في «إسرائيل»، حتّى وإن كانت هناك عملية برّية فإن الصواريخ كانت ستستمر بالسقوط. في حال عدم وجود القبة الحديدية فإن الضرر في البنية «الإسرائيلية» كان سيعيدنا 20 30 عام إلى الوراء. القبة الحديدية هدفها إسقاط الصواريخ التي يطلقها العدو على «إسرائيل»، لا حلّ الصراع «الإسرائيلي» ـ الفلسطيني.

وعن الأنفاق في غزّة قال يعاري: كانت هذه هي المرة الاولى التي نواجه فيها خطر الانفاق، وأنا مقتنع أنّ الصواريخ هي الخطر المركزي لا الانفاق، ويجب أن لا نخطئ. الانفاق هي مسألة مركبة، وحينما تقرر الاجهزة الامنية حول الاولويات يجب ألا تُبقي هذه المسألة بلا اجابة. وهنا ستجد أموراً أقل خطورة.

في هذه الايام تخرج نسخة جديدة من كتاب ليعاري عن حاييم آسا «المحاربة بطريقة أخرى»، نظرية الحرب الجديدة. الكتاب الذي أُلّف قبل عقد من الزمن توقع مجموعة سيناريوات نسمعها اليوم في الاخبار. مثلا محاربة منظمات ارهابية شبه عسكرية من نوع حماس أو «داعش». المؤلفون قاموا بتعديل الكتاب الأصلي وهو يشمل أيضاً دروساً أولية من «الجرف الصامد».

منذ حرب لبنان الاولى وجدنا أنفسنا نحارب، لا دولاً قومية، إنما بقايا دول قومية. حزب الله، فتح، حماس، هذا الصراع وصل إلى ذروته في «الجرف الصامد»، يقول يعاري، الآن هناك نوع من الاستقرار حول طبيعة التهديد، وهذا يلزم ببناء القوة بشكل مختلف، ونظرية الحرب الكلاسيكية لا تصلح الآن. تركيز القوات لا يعطي أي نتيجة. يجب أن يكون الجهد مركب في الشبكة، في الجو، في البحر والبر. وفقط إذا انتقلنا إلى حرب دقيقة وفورية فإننا نستطيع الانتصار.

وعن تصريح أمين عام حزب الله حسن نصر الله بعد حرب لبنان الثانية إنه لو علم أن «إسرائيل» ستردّ بهذا الشكل لما خرج للحرب قال يعاري: «أنا أُشكك في التحليلات التي أعطيت لهذا التصريح الذي قيل أمام جمهور معيّن وفي ظروف معينة. سنوات الاستقرار التي أعقبت ذلك ليست نتيجة لكيّ وعي نصر الله. هناك اعتبارات أخرى ويجب النظر إلى ما فعله منذ ذلك الحين، إذ امتلك كميات مضاعفة من السلاح، والسلاح الأفضل. على رغم أنه لم يطلق رصاصة واحدة، فأنا لا أرى أن وعيه قد تم كيّه كما يرى آخرون، أنا أرى أنه بحاجة إلى جاهزية أكثر من أجل الجولة المقبلة. وبحسب تقديري، لو لم يكن حزب الله متورّطاً حتّى العنق في سورية أثناء «الجرف الصامد» لكان من الممكن أن يفتح جبهة أخرى مع «إسرائيل». أشك أن نصر الله كان سيصمد أمام الاغراء بعدم الانضمام، لكن لحظته التاريخية لم تصل».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى