بين جنوب السودان وكردستان.. هل ربحت «إسرائيل»؟
روزانا رمّال
اذا كان ابرز اهداف المرحلة التي عُرفت بـ«الربيع العربي» والتي جهدت دول كبرى لأجل إنجاح مفاعيلها هو «التقسيم» في المنطقة، فإن هذا يعني أن «منع التقسيم» هو الدليل الوحيد على فشل «ثورات الربيع».. واذا كان العكس صحيحاً اي انه اذا وقع التقسيم في المنطقة، فإنه دليل اكيد على نجاح المرحلة تلك بكل ما فيها من اهداف استراتيجية رسمها الغرب تحديداً ووفّق لتحقيقها. وهو ما يعني أيضاً ان كل التطورات الامنية والعسكرية والتحالفات التكتيكية التي انتهجتها دول كبرى بالمنطقة وأحدثت تقدماً لمشاريعها فيها مثل روسيا وإيران كانت واقعة ضمن ثغرة التوريط «الناجح» الذي أوقع الغرب فيه حلفاء روسيا بالأخص في سورية..؟!
اذا كان نهار السبت في التاسع من تموز من العام 2011 يوم انفصال جنوب السودان هو أحد مؤشرات «القرار الحر» لشعوب المنطقة، فإنه أيضاً دليل على أن أكبر دول الاقليم لم تنجح في إيقافه. وهو مطلب قديم كان قد سبقه استفتاء شعبي يبدو وكأنه جزء لا يتجزأ من عملية ديمقراطية تدعمها واشنطن دائماً، ولا يمكنها الا التوقف عندها نزولاً عند طلب الشعوب. فتصبح مؤسسة الدويلات الجديدة وراعية حقوق الأقليات في هذا العالم، لكن هذا يعني أيضاً ان خصوم الولايات المتحدة الأميركية إما سهّلوا الانفصال أو عجزوا عن إيقافه. وهم بالتالي خسروا «الرهان»، فلا تحدٍّ ولا حرب بل تقبُل للنتيجة. فالدول هذه لا تستطيع التدخل او إقحام نفسها بالخلافات حتى لو تخطت الرغبات التطلعات الى مستقبل مغاير.. هذه النتيجة هي نفسها إحدى النتائج التي تقبّلتها روسيا يوماً لدى التصويت في الامم المتحدة على عملية عسكرية ضد ليبيا عبر تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية. فكان الندم الكبير الذي جعل روسيا تتيقظ لعدم السماح لتكرار ذلك في الحالة مع سورية. فكانت الفيتوات الروسية الشهيرة يرافقها فيتو الحليف الصيني العملاق ليصبح السؤال اليوم: هل تتيقظ روسيا قبل فوات الأوان مرة جديدة، وترفض فكرة انفصال كردستان بالكامل، كما تيقظت ورفضت التدخل العسكري في سورية بعد أن عايشت تجربة انفصال السودان وأهدافها الحقيقية؟
قيل الكثير عن كون جنوب السودان دولة «انفصال» تخدم المصالح «الإسرائيلية»، واعترفت إسرائيل بدولة جنوب السودان في 10 تموز 2011، بعد يوم واحد من إعلان استقلال الدولة. في 15 تموز، أعلنت جنوب السودان عن نيتها إقامة العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع «إسرائيل».
المعلومات أشارت في تلك المرحلة الى دور مباشر لجهاز الاستخبارات والعمليات الخاصة «الإسرائيلية» «الموساد»، في عملية تقسيم السودان، وعن دور في بناء القوة العسكرية والاقتصادية للقوى التي دعت للانفصال، لكن ذلك يعود للستينيات كعلاقة بين الطرفين حتى سُمّي بالمحصلة انفصال السودان نجاحاً «إسرائيلياً» باهراً للموساد.
الحديث نفسه يتكرّر اليوم. وهو لا يحمل أوجه مصادفة بمراقبة تحديات المنطقة وتقاطعاتها. كيف بالحال وأن فكرة إنشاء دولة في كردستان العراق هي أساساً أقرب جغرافياً للكيان «الإسرائيلي» والى إيران وسورية ودول الجوار، حيث الخلاف الأكثر تعقيداً في المنطقة منه إلى السودان؟ بالتأكيد، فإن المصلحة «الإسرائيلية» مع كردستان أكثر استراتيجية منه الى المصلحة «الإسرائيلية» مع جنوب السودان.
العلاقة بين انفصاليي جنوب السودان ظهرت الى العلن بعد الانفصال بيوم واحد، مما لا يمنع ان تظهر العلاقات الرسمية بين دولة الكرد وبين «الإسرائيليين» سريعاً. فماذا اذاً عن خيارات إيران؟
الحصار الذي شكلته إيران حول «إسرائيل» في سورية والطوق الذي نشأ مؤخراً عبر الحدود السورية ووجود إيران وحزب الله فيها بعد أن كان من المفترض، حسب الخطط العسكرية «الإسرائيلية» أن يتقلّص حضور حزب الله وحلفاء إيران في حرب تموز عام 2006 في جنوب لبنان والعودة للاحتلال من جديد، ثم نسف امكانات الحزب، صار بمقابله بالحساب الأميركي «الإسرائيلي» «طوقاً» من نوع آخر على الخصوم من جهات متعددة تقع ضمن دائرة الأمن الحيوي «الإسرائيلي» أولها في جنوب السودان وثانيها كردستان العراق، حيث النقطة الاستراتيجية الأهم اليوم.
الاعتراف بهزيمة لدى الروس او الإيرانيين او الاتراك أمام مشروع الأكراد غير وارد. وربما تكون تركيا أكبر المتضررين بحال الانفصال نظراً لطموحات الكرد الأتراك التي ستعيش من جديد على أمل الانفصال ذاته، لكن هذا لا يعني أن تمرّ فكرة الانفصال عادية بالنسبة للمحور المقصود، فبين خيارات التصعيد والضغط الممكن في أكثر من ساحة بين فلسطين، والتمسّك بالوجود في سورية والجهوزية لحرب مع «إسرائيل». فإن اللافت هو أن الوجود «الإسرائيلي» في كردستان والقواعد الاستخبارية المتنقلة لن تكون جديدة على الإيرانيين او العراقيين. وبالتالي فإن هذا يعني فقط أن العلاقة تتحوّل من السر إلى العلن لا أكثر، لأن التغلغل «الإسرائيلي» وارد بكل الأحوال في مناطق الجوار كلها، وبالتالي تدرك إيران أن المطلوب استفزازها، فيما كانت قد تحضرت له مسبقاً لتصبح ورقة كردستان ورقة ضغط تستخدم في الحل في سورية والمنطقة ككل، خصوصاً في ما يتعلق بالحدود الجنوبية.
انفصال كردستان «الشكلي» الرسمي يقع ضمن احتساب النقاط بين المحاور، فبين فشل المشروع في سورية بالكامل، نجاح شكلي علني يمكن على أثره إحداث توازن بين المكاسب يسهل اختتام الملفات، إلا إذا كان خيار إيران وروسيا وتركيا التصعيد العسكري وافتتاح حرب إقليمية فعلاً.