حالات صوفية في معرض التشكيليّ وليد الآغا في صالة لؤي كيالي

محمد سمير طحان

اختزل التشكيلي وليد الآغا سنوات الحرب على سورية عبر أعمال معرضه المقام حالياً في صالة لؤي كيالي في الرواق العربي ـ دمشق، من خلال أسلوبه الفني الخاص المعتمد على تناغمات الحرف العربي مع الرموز السورية القديمة ضمن مناخات لونية صوفية متنوعة في احساساتها وانفعالاتها الفنية.

وجاءت الأعمال السبعة والستون بأحجام صغيرة في معظمها مع وجود ثلاثة أعمال بأحجام أكبر وبتقنيات تعدّدت بين الغرافيك وطباعة الشاشة الحريرية والكولاج بما يخدم فكرة العمل والأسلوبية التي اعتمدها، موثقاً عبر تجربته سنوات الحرب على سورية بانفعالات لونية نزقة أحياناً وطغيان للسواد وانحسار النور في بعض الأعمال، مع بروز الأحمر في عدد منها وغياب للتوازن في مكونات اللوحة، وصولاً إلى عودة هذا الانضباط اللوني والتكويني بين الحرف العربي والرموز مع هدوء متناغم في اللون الذي بدأت تعود إليه الحياة.

وعن هذه التجربة قال التشكيلي الآغا في تصريح صحافي: كانت السنوات السبع الماضية عصيبة علينا جميعاً ومعاناتنا الداخلية فيها كبيرة فجاءت هذه الأعمال انعكاساً طبيعياً لحالة الحزن التي عشناها. كما تعكس ولادة الأمل من جديد بالخلاص والعودة إلى الحياة.

وتابع الآغا: ألوان اللوحات تغيّرت بالتوازي مع الحالة التي كنا نعيشها طوال سنوات الأزمة حيث فقدت لوحتي ألوان البهجة والفرح مع بداية الأحداث وسيطرت القتامة في انعكاس للحالة النفسية التي حلت علينا. ولكن ألوان المحبة والسلام بدأت تعود إليها مؤخراً شيئاً فشيئاً.

وأكد صاحب الاسلوب الفني الخاص أن الحضور الفني للحرف العربي سيزداد مستقبلاً في اللوحات التشكيلية وهذا ما يثبته الواقع الفني مع خصوصية كل فنان حروفي في الأسلوب الذي يتعاطى فيه مع الحرف العربي، وطاقاته الجمالية والبصرية والدلالية التي لا تنفذ. مبيّناً أن تعدّد الأساليب الفنية الحروفية إغناء لهذا الفن ويحقق الاستفادة المثلى من طاقات الحرف العربي البصرية والتقنية.

وأوضح الآغا أن الحرف العربي تكوين فني بصري جمالي كأي تكوين جمالي معتمد في المدارس الفنية المنهجية. لافتاً إلى أن كل فنان يقدّم مساره الفني ويطوّر جمالية عمله من خلال قناعاته ومخزونه الفكري والبصري.

وقال: تجربتي الفنية قائمة على الحرف العربي وتناغمه مع رموز الحضارات السورية القديمة الغنية بدلالاتها وجمالياتها التي لا تنضب وبكل ما تحفل به من ارتباط بالأرض والتاريخ والحضارة. مبيّناً أن هذه الرموز التاريخية مصدر إلهام لتقديم الجمال والفن للحفاظ على إرثنا من الضياع، خصوصاً مع محاولات الإرهاب تدمير تاريخنا وحضارتنا.

وتابع الآغا: ثقافتنا الفنية تركت أثراً كبيراً في الخارج وتلقى كل الاهتمام والاقبال. مشيراً إلى ان لوحاته تروي حكاية سورية أصيلة بدلالاتها الحضارية والصوفية العميقة.

وعبّر التشكيلي الآغا عن مخاوفه على حال الفنّ التشكيلي حيث بدأت تظهر تجارب قائمة على الاستسهال والاستنساخ والتقليد. مبدياً خشيته من الوصول إلى نتائج لا تُحمَد عقباها في الحركة التشكيلية السورية مع وجود اختلاف كبير بين العقود الثلاثة الاخيرة من حياة هذه الحركة وبين ما نشهده اليوم من تجارب فنية شابة.

ودعا الآغا إلى التعامل مع واقع التشكيل السوري الحالي بعقلانية وانفتاح من كل الفنانين من خلال إقامة الندوات والحوارات والنقاشات لإعادة الحياة والغنى والأصالة للحراك الفني كما كان في زمن الرواد ومن جاء بعدهم من أجيال رسخت المشهد التشكيلي السوري. لأن دخول المال والاستثمار إلى الفن أفسد حالة البحث والتجريب الفني الجاد، خصوصاً عند الفنانين الشباب.

وأكد الآغا ضرورة ألا يكون العائد المادي للفنان على حساب أصالة وصدق عمله الفني، مشيراً إلى أهمية جيل الشباب بما يمتلكونه من طاقات وشغف للبحث الفني والتجريب مع ضرورة فتح حوارات معهم لربطهم أكثر بإرثهم.

وختم الآغا بالقول: سورية ستبنى من جديد في كل المجالات وخاصة من الناحية الفنية وسيتم وضع أسس بناء متين للفن التشكيلي يرتكز على حب الوطن والإخلاص في العمل للتعبير عن عمق إرثنا الفني التاريخي والحضاري.

وليد الآغا من مواليد دمشق عام 1953 وخريج قسم الاتصالات البصرية في كلية الفنون الجميلة في دمشق عام 1979. وعمل محاضراً فيها بين عامَي 1982 و1989 له معارض فردية وجماعية داخل سورية وخارجها وأشرف على عدة ورش عمل فنية للمركز الوطني للفنون البصرية. وأعماله مقتناة لدى عدد من المؤسسات العامة في سورية، وضمن مجموعات خاصة داخل سورية وفي عدد من البلدان.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى