المنطقة العازلة جنوب سورية… هل تتحمّل «إسرائيل»؟
هاني قاسم
تنشأ منطقة الفصل بين حدود دولتين عدوّتين بموجب قرار أممي وهو ما حدث بين سورية و«إسرائيل» بعد حرب تشرين الأول عام 1973، عندما أصدر مجلس الأمن القرار 350، الذي وضع الجولان المحتلّ من قبل الجيش «الاسرائيلي» في دائرة المنطقة العازلة، والذي أخرج منها كل من «الإسرائيلي» والسوري، وأدخل إليها مجموعة من القوات الدولية الاندوف ، مهمتها المراقبة والإشراف ومنع التجاوزات من الطرفين «الإسرائيلي» والسوري كليهما.
أصبحت اليوم فكرة المنطقة العازلة جزءاً من اللعبة السياسية التي يمارسها بعض الدول، من أجل أن تشكل غطاءً شرعياً لها في اعتداءاتها وفي خرق سيادة دول أخرى.
وقد كثر الحديث عنها وأصبحت مطلب العديد من الدول، ففي أوكرانيا طالب الرئيس الأوكراني بمنطقة عازلة في مناطق النزاع بين الدولة الأوكرانية والانفصاليين الموالين لروسيا في شرق وجنوب شرقي البلاد، الذين أعلنوا -بعد استفتاء مثير للجدال – انفصال منطقتي دونيتسك ولوهانسك. وفي السعودية يوجد قرار رسمي بإنشاء منطقة عازلة على الحدود بين اليمن والسعودية وقد بدأت الأخيرة بإجراءاتها تحسباً لأي تجاوز قد يقوم به الحوثيون باتجاه الحدود السعودية، إذ تعتبرهم مجموعة طائفية تدور في فلك الجمهورية الإسلامية وتتحرك بإيعاذ منها، وهذه المنطقة العازلة سوف تمتد إلى عمق 20 كلم داخل الأراضي اليمنية وعلى طول الحدود المتاخمة، وظيفتها صد أي تحرك حوثي عبر التغطية النارية بسلاح الجو والسلاح المدفعي من دون الدخول العسكري المباشر.
والتركيز الأساس هو على المناطق العازلة في سورية، في الجنوب في الجولان السوري المحرر من عمق القنيطرة التي تسيطر عليه المجموعات المسلحة من «جبهة النصرة» و«لواء الحرمين»، وبخاصة على التلال الحمر التي تقابل تل أبو الندى ذلك الموقع «الإسرائيلي» الذي يراقب التحركات كافة في المنطقة لتصبح المنطقة عازلة عملياً وعلى مساحة 70 كلم2، وتضم العشرات من القرى من جنوب درعا حتى قمة حرمون من دون قوات فصل يشرف عليها مجلس الأمن وهو القيد القانوني لشرعنة هذه المنطقة، كي تصبح منطقة معزولة بالكامل عن السيطرة السورية، يتحرك فيها المسلحون بحرية تامة بمقاتليهم وآلياتهم، وذلك كله تحت نظر الجيش «الإسرائيلي» وحمايته، وقد تطورت هذه العلاقة فيما بينهم إلى مستوى متقدم، حيث فتح الجيش «الاسرائيلي» معبراً لهم، يدخلون منه فلسطين المحتلة ويتنقلون عبره من الجولان المحتل إلى منطقة شبعا المحررة على الحدود اللبنانية، من أجل فتح جيب عسكري لـ«داعش» و«النصرة» يتحصنون فيه، ويكون نقطة ارتكاز لهم لتجميع قواتهم واستقطاب المجموعات السنية من شبعا ومن جوارها، ويعملون على تهيئة الظروف لجعل شبعا ومحيطها بيئة حاضنة للتكفيريين، لتتحول إلى عرسال ثانية كي تستخدم في توتير الأجواء المذهبية وإشغال المقاومة واستنزافها الآن وفي أية حرب قادمة تريد «إسرائيل» شنها على لبنان. ومع خطورة هذا المشروع وما حشد له من أسباب فلن يكتب له النجاح بسبب مجموعة عوامل ومنها العوامل الجغرافية التي لها علاقة بوعورة المنطقة وبعدها ومناخها القارس والتي لن تساعد كثيراً في تدفق التكفيريين ومنها ما هو أهم وهو وعي أهالي المنطقة بجميع طوائفهم لخطورة هذا المشروع وتداعياته الخطيرة على وحدة لبنان وعلى المقاومة، إضافة إلى الأجراءات الأمنية والعسكرية للجيش اللبناني وللتنسيق بينه وبين المقاومة وتعاون أهالي المنطقة، فهم لن يسمحوا لهذا المشروع التآمري أن يمر، لأنه يهدف النيل من المقاومة ومن الشعب اللبناني ومن الاستقرار الأمني في هذا البلد، ويهدف إلى عودة احتلال «إسرائيل» للبنان من جديد، لكن هل تحقق المنطقة العازلة من دون إعلانها اهدافها على الجانب السوري سواء بحماية «إسرائيل» أو منح المجموعات المسلحة بوابة نحو دمشق من الجنوب؟
إذن، المنطقة العازلة هي من أجل تطويق النظام السوري في الجنوب من ناحية الجولان ومن ناحية درعا على الحدود مع الأردن، وذلك للإحكام عزل المنطقة كلها، ولكن الأردن رفض السير بهذه الخطوة من ناحية حدوده، إلا أنه بقي مستمراً في تعاونه مع أميركا في مشروعها لإسقاط النظام في سورية من البوابة الأردنية وذلك من خلال معسكرات التدريب التي تدرب المقاتلين وتأهلهم من أجل القتال في سورية ومن البوابة «الإسرائيلية»، كذلك تقول تقارير غربية بأن «إسرائيل» أعادت الفرقة 21 إلى الجولان المحتل وهي فرقة متخصصة لمساعدة «جبهة النصرة» بالتجسس والرصد ولصد هجمات الجيش السوري، وهذا ما حصل بعد أن أسقطت «إسرائيل» بصاروخ طائرة سوخوي سورية لمساعدة «النصرة» في التقدم إلى منطقة خان أرنبة، التي يحشد فيها الجيش السوري مدرعاته للدفاع عن ريف دمشق العربي. كل ذلك بهدف استعادة السيطرة على الريف الدمشقي وإسقاط النظام وتسليم السلطة للمعارضة السورية بمظلة أميركية و«إسرائيلية» وعربية.
الواضح أن الجيش السوري يعمل على ثلاثة محاور. الأول، هو رفض العودة لفض الاشتباك المتفق عليه منذ عام 1974 وإبقاء الجبهة مع «إسرائيل» بحالة سيولة ما يعني تسييل وشمولية قوانين توازن الرعب بين «إسرائيل» والمقاومة على هذه الجبهة وتصويرها كمنصة مفتوحة لحزب الله. الثاني، رسائل الردع للحكومة الأردنية بالتعامل مع كل توغل بالسلاح النوعي وخصوصا الدفاع الجوي ليشمل تحليق الطيران السوري حتى خط الحدود بمثابة إعلان حرب على الأردن تحمل نتائجها. الثالث، مواصلة تنظيف ريف دمشق وصولاً إلى قطع الفرصة على جدوى التفكير برأس جسر لربط مجموعات لن يكون لها وجود عندما يجهز الآتون من القنيطرة لذلك.