نصرالله وثلاث رسائل لثلاثة حروب: ميّزوا أنفسكم وإلا…
ناصر قنديل
– في كلمتَيْ السيد حسن نصرالله عشية ويوم العاشر من محرم ثلاث رسائل بارزة وهامة لثلاثة مشاريع حروب تستعر نارها، وضمنها ثلاث مبادرات لتفاديها أو للتحكّم بمسارها. والسيد نصرالله هنا ليس مجرّد قائد حزب لبناني، بل على الأقلّ قائد قوة إقليمية فاعلة تتصدّر الحرب على داعش ضمن محور المقاومة، تحضر في ميادين وجبهات القتال في أكثر من جبهة، تحظى بتقدير واحترام قادة القوى والدول الشريكة في هذه الحروب، من روسيا إلى إيران وسورية إلى العراق وسائر قوى المقاومة، وتحظى شخصية قائدها بالإعجاب والتقدير والاهتمام لما يصدر عنها، لتصير رسائل السيد نصرالله ذات قيمة بما تثيره وتحرّكه لدى الشركاء وقادتهم الذين عبّروا منفردين ومجتمعين عن المكانة التي يحتلها السيد نصرالله في قلوبهم وعقولهم ولدى شعوبهم وجيوشهم، وعبرهم تتحوّل هذه الرسائل إلى رسائل للآخرين، وبعضهم معني مباشرة بمضمون الرسائل.
– الرسالة الأولى تتصل بالاستفتاء على انفصال كردستان، والسيد فيها يُميّز بين مَن أسماهم «أحباءنا الأكراد» والقيادة السياسية لمشروع الانفصال، ليترجم من موقعه كقائد للمقاومة أنّ الشعارات المرفوعة في أيّ قضايا تدور في إقليمنا الحساس والمضطرب، لا تقاس بذاتها لتظهر صدقيتها أو خداعها، بل تقاس بموقعها من أمرين حاسمين، الأول هو من الصراع الذي يعني كلّ شعوب المنطقة مع العدوان «الإسرائيلي» المتمادي منذ عقود، ومع مشروع الهيمنة الأميركية الذي يشنّ حرباً مفتوحة على شعوب المنطقة وحكوماتها المستقلة وجيوشها الوطنية. والمشروعان الأميركي و«الإسرائيلي» متماهيان ومتحالفان. والمقياس الثاني هو موقع هذه الشعارات من خطر داهم يهدّد وحدة الكيانات الوطنية في منطقتنا بالتفتيت والتمهيد لإدخالها، تحت عناوين متطلبات الهويات الخاصة العرقية والقومية والإتنية والدينية، في حروب لا نهاية لها تتكفّل بتدمير طاقاتها ومقدراتها، وإشغالها عن قضية الاستقلال والعمران، وعن قتال المشروع الصهيوني وإفشال مشروع الهيمنة الأميركية. ولذلك تقوم رسالة السيد على معادلة التعامل مع كلّ دعوة تتصل بتحقيق مطالب هوية خاصة سواء أكانت محقة ومشروعة أم متوهّمة ومفتعلة، بقياس درجة مواءمتها مع مشروع الاستقلال والمقاومة من جهة، ودرجة تأمينها ضمانات منع التفتيت وحروب التجزئة من جهة أخرى.
– في الشأنين تقع حركة الاستفتاء على الانفصال في موقع الشبهة، ويصير مضمون الرسالة واضحاً، دعوة الأكراد لتمييز أنفسهم عن مشروع سيلقى مواجهة لا هوادة فيها، لأنّ الأمر لا صلة له بما يُسمّى علناً بحق تقرير المصير الذي لا يستقيم كنبتة صبار في صحراء، وهو يطرح على موائد منطقة تضجّ بالحروب والمخاطر، إلا بقياسه على مقياسَيْ مصالح أميركا و«إسرائيل» ومخاطر التفتيت والتجزئة. وبناء عليه، لا اشتباه لدى محور المقاومة ولا التباس حول الموقف، مهما كانت النتائج والتبعات. والحرص على العلاقة بالأكراد لا يمرّ إلا من هنا، وعلى الجميع إقامة حساباته على هذا الأساس، وعندما يمتلك المشروع الكردي للانفصال ما يطمئن بأنه لا يخدم الحاجات أو المصالح الأميركية، وما يطمئن بأنه لا يفتح مسارات التفتيت، يصير مجرداً من كونه فخاً مدروساً، ويمكن النظر إليه بعين حق تقرير المصير وتحقيق الذات لأصحاب هوية خصوصية. وهذه مهمة الأكراد وقادتهم، في اختيار التوقيت وتهيئة الظروف، وإلا فالتمييز بين الحراك الكردي والمشاريع التي تستهدف المنطقة وتهدّد استقلالها ووحدتها بالخطر… محض استحالة.
– الرسالة الثانية تخصّ قضية مسلمي الروهينغا، وفيها تضامن مع مظلوميتهم الإنسانية، والوقوف في خط الدفاع عنهم كأقلية تقع تحت ضغط استهداف عنصري فاشي. وبالتالي إعلان وجود قضية متكاملة الأبعاد كقضية حق لا لبس فيه ولا شبهة، لكنها دعوة صريحة واضحة لعدم تمكين اللعبة الأميركية والمال والإعلام الخليجي، من تحويلها بعدين أشدّ خطراً، بعد حرب بوذية إسلامية، وبعد استخدام مشبوه في الضغط على الحليف الصيني. والدعوة هنا مزدوجة لموقع إسلامي تمثله إيران وضمناً تركيا، عبر علاقتها بكلّ من روسيا وإيران، يتعاطى من موقع القرار الإقليمي والدولي مع القضية، مطالب بالاهتمام المزدوج لمنع تحوير وتزوير الصراع بصورة تضع البوذية في حضن الأعداء، تحت شعار حرب إسلامية بوذية، فيصير الهنود والصينيون ومثلهم من البوذيين وفقاً لمعادلات المشاعر حلفاء لـ»إسرائيل»، في المعركة الرئيسية التي يفترض أنها قضية المسلمين الأولى في فلسطين. وفي المقابل هي دعوة لإيران وروسيا والصين حكماً، للاهتمام بعدم التهاون مع لعبة تحويل القضية ورقة ضاغطة في العلاقات الأميركية الصينية. وهذه دعوة للصين لعدم مواصلة سياسة إنكار وجود قضية ومظلومية، ودعوة لإيران للانتباه لمنع الاستثمار عبر تخطي الخطاب الإعلامي نحو التحرّك مع الصين طلباً لمبادرات مشتركة تنصف المظلومين ولا تحوّلهم وقوداً للمشروع الأميركي الذي يستهدف الصين ضمناً وعلناً.
– الرسالة الثالثة تطال التهديدات «الإسرائيلية» بالحرب، وما يرافقها من تصريحات تسوّق لقراءة لموازين القوى تتوهّم إحداث تغيير لصالح الفوز بالحرب. وهي رسالة موجهة لليهود وأحبارهم ونخبهم، ومضمونها، نحن نميّزكم عن حكومة الاحتلال ولا نخلط بين أتباع الديانة والمشروع الصهيوني، فهل تميّزون أنفسكم عنه؟ إنّ الوقت داهم وما لم تفعلوا، فلن يكون بيدنا أن نميّزكم بما هو آتٍ. فما يقوله الصهاينة عن موازين القوى كذب وخداع، لا تصدّقوه كي لا تدفعوا ثمنه لاحقاً، فإن وقعت الحرب فستكونون وقودها، وستنتهي لغير صالحكم. اليوم متاح لكم أن تغادروا، وغداً لن يكون متاحاً. واليوم تجدون مكاناً آمناً في فلسطين المحتلة لكن عندما تقع الحرب فلن يكون لكم مكان آمن، مَن يغادر ومَن يضغط لمنع المغامرة الحمقاء بخوض حرب، يستبق المخاطر ويميّز نفسه ويحيّدها عن آثارها، أو يمنع وقوعها، وخلاف ذلك لا يدَ لنا في ما ستلقونه إن التصقتم بمشروع الاحتلال وبقيتم في فلسطين، أو تركتموه يخوض حماقة الحرب، لأننا عندها لن نستطيع تحييدكم من آثار هذه الحرب ولا تمييزكم عن مشروع الاحتلال والعدوان.
– رسائل السيد استراتيجية وعنوانها في الثلاث، ميّزوا أنفسكم وإلا وقعت الواقعة، سواء كانت لنا أو علينا!