ألا يشكل إنكار وجودها غطاءً سياسياً لها؟
منذ نحو ثلاثة أعوام كشف وزير الدفاع السابق فايز غصن «معلومات عن عمليات تحصل على بعض المعابر غير الشرعية لا سيما في عرسال بحيث يتم تهريب أسلحة ودخول بعض العناصر الإرهابية التابعة لتنظيم «القاعدة» تحت ستار أنها مما يسمى «المعارضة السورية»، فقامت الدنيا وشنّت قوى الرابع عشر من آذار حملة شعواء على الوزير غصن، إلى حدّ إعطاء كلامه بعداً طائفياً وكأنه موجه إلى طائفة معينة وأنه يهدف إلى النيل من كرامة بلدة لبنانية والتشكيك في وطنيتها من خلال «زجّها» في موضوع الإرهاب، ليتبيّن في ما بعد أنّ كلام الوزير غصن لم يكن تحليلاً ولا تكهّناً ولم يهدف إلى الإساءة إلى طائفة أو بلدة معينة، بل تبيّن أنه كان يستند إلى معلومات أمنية دقيقة، فجرى ما جرى في تلك البلدة من اعتداء على الجيش اللبناني وخطف جنوده من ثكناتهم ومنازلهم، وتصفية عدد منهم.
كلّ ذلك وما زال هؤلاء يكابرون ويحوّرون الحقائق، ويحاولون التعمية على وجود عناصر إرهابية تحت مسمّيات مختلفة، فإضافة إلى «داعش» و«النصرة»، هناك تنظيمات مثل «فتح الإسلام» و«جند الشام» وغيرها تدور في فلك تنظيم «القاعدة» وتتبع له فكرياً، وهي موجودة في مناطق عديدة من لبنان.
وها هو الفريق نفسه اليوم ينتفض مجدّداً لما قاله قائد الجيش العماد جان قهوجي لصحيفة «لوفيغارو» منذ أيام «بأنّ تنظيم «داعش» يعتمد على خلايا نائمة في طرابلس وعكار كما على دعم بعض القوى في الطائفة السنّية في لبنان»، محذراً «من إمكان إشعال حرب أهلية في لبنان، خصوصاً بين السنة والشيعة».
ويحاول بعضهم التخفيف من وطأة الاعتداءات الإرهابية التي قد تحدث في المدينة كالنائب سمير الجسر الذي لفت إلى «أنّ الجميع قلق من التضخيم الإعلامي الذي يتحدث عن الوضع الأمني في طرابلس»، موضحاً «أنّ هناك خطة أمنية لمدينة طرابلس يعمل بها ويجب أن تتابع لتحتوي أي خلل أمني قد يحصل».
وقال الجسر خلال استقباله وفد اللجنة السياسية الشمالية في الجماعة الإسلامية: «إنّ الذي يتجوّل في مدينة طرابلس لا يشعر بما تعمل بعض الوسائل الإعلامية على إبرازه للرأي العام. نعم الدولة هي الآن في حرب مع الإرهاب ومنتظر أن تحدث اعتداءات، لكن أتوقع أنها ستبقى محدودة جداً وفي الإمكان احتواؤها».
واستغرب بعضهم الآخر ظهور البؤر الأمنية في المدينة، وقد نسي هؤلاء أنهم يمسكون بالملف الأمني والقضائي منذ سنوات طويلة، ولم يعد سراً دعم بعض الفاعليات السياسية الطرابلسية لإرهابيين، حتى أنّ الرئيس السابق نجيب ميقاتي والوزير السابق محمد الصفدي تدخلوا لدى القضاء اللبناني لإطلاق شادي المولوي، فكان مستغرباً استغراب النائب أحمد فتفت في حديث إذاعي ظهور البؤر الإرهابية في طرابلس، «على رغم أنّ الخطة الأمنية كانت قد سيطرت على المدينة»، متهماً الجيش باعتماد سياسة أدّت إلى «نفور» لدى الطرابلسيين، نافياً تأمين تيار المستقبل الغطاء السياسي لأيّ من الإرهابيين، وقال: «هناك مشاكل أمنية في طرابلس لكنّ السؤال يجب أن يوجّه إلى الأمنيين: كيف تمّ السماح لهذه البؤر بالظهور؟»
وأوضح فتفت «أنّ المناطق الحاضنة لهذه الظواهر هي المناطق الأكثر حرماناً»، لافتاً إلى «أنّ الأمور لا تعالج بالأمن فقط بل بالإنماء وتثقيف الناس». وأشار إلى «أنّ هناك نفوراً من الجيش في طرابلس، والمشكلة مرتبطة بسياسة تعاطي الجيش مع الأمن في كل لبنان، فهناك عتب على القوى الأمنية لأنها «شاطرة على ناس وناس».
وأضاف فتفت: «لا معلومات عن وجود غطاء سياسي على بعض الأشخاص في طرابلس، وتيار المستقبل لا يغطي أبداً شادي المولوي. فالحكومة السابقة هي من أطلقت سراحه ورئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي هو من أعاده في سيارته».
أما مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعّار فقد «آثر» عدم الردّ على ما قاله قائد الجيش العماد جان قهوجي، لافتاً إلى أنه فوجئ بما أدلى به، متمنياً على الجيش وقيادته «أخذ الإجراءات الضرورية واللازمة التي تحفظ أمن واستقرار لبنان».
وجدّد الشعار في حديث لـ«المركزية» تأكيده «أنّ طرابلس أمانة في يد الجيش ونحن مؤمنون بأنّ الجيش هو المسؤول الوحيد عن تحقيق الأمن». وقال: «إننا ننتظر من قائد الجيش أن يأخذ كلّ الخطوات اللازمة لبسط وجود الدولة على كامل الأراضي اللبنانية». وأضاف: «إنّ حديث العماد قهوجي يحتاج إلى قراءة متأنية لأنّ العالم كله يشهد على أنّ الإرهاب هو نقيض السنّة وضدّ معتقداته الدينية، لذلك لا اعتقد أنّ هناك بيئة سنّية حاضنة للإرهاب».
وإذ أكد «أن ليس هناك في طرابلس أو في عكار من هو خارج عن الجيش أو ضدّه، بل هناك حركات لها غايات سياسية معيّنة لا مساحة تأثير أو وجود لها»، لفت الشعّار إلى وجود «مخطط لإيصال طرابلس والشمال إلى الإرهاب والتطرّف».
واستنكر رئيس لقاء الاعتدال المدني النائب السابق مصباح الأحدب «الاعتداءات المتنقلة التي تتعرّض لها وحدات الجيش على كلّ الأراضي»، محمّلاً «الحكومة مسؤولية ذلك، فهي لم تطلب من الجيش فتح أي تحقيق لمحاسبة ومعاقبة من كان مسؤولاً عن حماية المعتدين على وحدات الجيش، خلال جولات العنف التي شهدتها طرابلس».
فإذا كان ما يقوله هؤلاء صحيحاً، فمن يقوم بالاعتداء على الجيش في طرابلس، ومن يغطي محاولة عمر بكري فستق إقامة «إمارة» متطرفة في المدينة، ومن سيتدخل هذه المرة لتبرئته ونقله بسيارته الخاصة؟ وما هو تفسير دفاع حماة العدل عن فستق، ودفاعهم المستميت سابقاً عن حرق علم «داعش» الذي يدّعي فستق أنه راية رسول الله؟ أوليس إنكار وجود العناصر الإرهابية المتطرفة في حدّ ذاته غطاءً سياسياً لتمدّدها وتكريس وجودها أكثر فأكثر، وهل نتوقع انفجاراً أمنياً كبيراً يبدأ من طرابلس ولا ينتهي في بقية المناطق اللبنانية، لتثبت صحة ما أدلى به قائد الجيش؟